اتفاق التحكيم / الأثر السلبي - عدم اختصاص محاكم الدولة بالفصل في النزاع الذي تم بشأنه الاتفاق على التحكيم / الكتب / قضاء التحكيم / الأثر السلبي لاتفاق التحكيم
ينشئ اتفاق التحكيم التزاما سلبيا متبادلا على عاتق كل من طرفيه يحرم عليهما الالتجاء إلى القضاء الوطني لطلب الفصل في المنازعات محل اتفاق التحكيم ، ويحدث اتفاق التحكيم هذا الأثر سواء كان في صورة شرط تحكيم أو في صورة اتفاق تحكيم مستقل ، ومبدأ عدم اختصاص المحاكم الوطنية بنظر المنازعات المتفق بشأنها علي التحكيم يعد من المبادئ التي كرستها التشريعات الوطنية والمعاهدات الدولية.
أولا: موقف التشريعات الوطنية من هذا المبدأ:
أخذت الغالبية العظمى من التشريعات الحديثة المعينة بتنظيم اتفاق التحكيم بمبدأ عدم اختصاص القضاء الوطني بنظر المنازعات محل التحكيم وسوف نعرض للقانون الفرنسي والقانون المصري.
موقف القانون الفرنسي:
نصت المادة ١٤٥٨ من قانون المرافعات الفرنسي بشأن التحكيم علي أنه إذا رفع النزاع المعروض علي محكمة التحكيم بموجب اتفاق التحكيم علي قضاء الدولة يجب علي هذا القضاء أن يقرر عدم اختصاص ، وإذا لم تكن محكمة التحكيم قد اتصلت بعد بالنزاع يجب أيضا علي هذا القضاء أن يقرر عدم اختصاصه إلا إذا كان التحكيم ظاهر البطلان".
ويتضح من هذا النص أنه إذا رفعت الدعوى بعد اتصال محكمة التحكيم بالنزاع يجب علي القاضي أن يقضي بعدم اختصاصه دون البحث في مدى صحة اتفاق التحكيم من عدمه، أما إذا رفعت الدعوى قبل اتصال محكمة التحكيم بالنزاع فيجب علي القاضي أن يقضي بعدم اختصاصه إلا إذا تبين له البطلان الظاهر لاتفاق التحكيم بمعنى أن يكون هذا البطلان واضحا وغير قابل للمنازعة فيه .
موقف القانون المصري :
تنص المادة ۱۳ من قانون التحكيم المصري الجديد ٢٧ لسنة ١٩٩٤على أنه "يجب علي المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعي عليه بذلك قبل إبداء أي طلب أو دفاع في دعواه ويتضح من هذا النص أن المشرع المصري رتب علي وجود اتفاق التحكيم عدم اختصاص القضاء الوطني بنظر النزاع ، إلا أن حق المدعي في الدفع بعدم اختصاص المحكمة يسقط بإبدائه أي دفاع أو طلب في الدعوى، ويرجع السبب في ذلك إلى أن حضور المدعي عليه أمام المحكمة تم تقديمه للطلبات أو إبداء الدفوع الخاصة به يعد تنازلا منه عن اللجوء إلى قضاء التحكيم وبالتالي تستمر المحكمة في نظر الدعوى.
ثانيا: موقف المعاهدات الدولية من هذه المسألة:
كرست المعاهدات الدولية مبدأ عدم اختصاص المحاكم الوطنية بنظر المنازعات المتفق بشأنها على التحكيم ، فقد نص بروتوكول جليف ۱۹۲۳ في المادة الرابعة منه علي أنه علي محاكم الدولة المتعاقدة المطروح عليها نزاع مبرم بين الأشخاص المشار إليهم في المادة ، ومتضمن شرط تحكيم أو اتفاق تحكيم صحيح وقابل للتطبيق أن تحيل الأطراف المعينة بناء علي طلب أدهم إلي قضاء التحكيم " يتضح من هذا النص أن بروتوكول جنيف ۱۹۲۳ قد أخذ بمبداً عدم اختصاص القضاء الوطني بنظر المنازعات محل اتفاق التحكيم ، ولكنه اشترط أن يتمسك أحد الطرفين باتفاق التحكيم قبل الدخول أو الكلام في الموضوع وإلا كان ذلك بمثابة تنازل عن اللجوء إلى قضاء التحكيم فالقضاء لا يجوز له أن يقضي بعدم اختصاصه بنظر النزاع من تلقاء نفسه بل يجب أن يتمسك أحد أطراف النزاع باللجوء إلى التحكيم.
ويجب علي القاضي في حالة تمسك أحد الطرفين باللجوء إلى التحكيم أن يفحص اتفاق التحكيم للتأكد من مدى صحته أو بطلانه ، وما إذا كان قابلا للتطبيق من عدمه ، وتحتفظ المحكمة القضائية بالحق في نظر النزاع والفصل فيه إذا ما ثبت لديها في اتفاق التحكيم باطل أو غير اقبل للتطبيق ، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة الرابعة من بروتوكول جنيف علي أنه ومع ذلك، فإن هذه الإحالة لا تمس اختصاص المحاكم في الحالة التي يكون فيها اتفاق التحكيم أو شرط التحكيم لاغ أو غير ذي أثر.
وقد أخذت معاهدة نيويورك ۱۹۵۸ بنفس المبادئ السابقة حيث نصت في المادة ١١/ علي أنه علي محكمة الدولة المتعاقدة التي يطرح أمامها نزاع بصدد مسالة أبرم الأطراف بشأنها اتفاق تحكيم بالمعنى الواردي هذه المادة ، أن تحيل الخصوم بناء على طلب أحدهم إلى التحكيم وذلك ما لم يتبين للمحكمة اتفاق التحكيم باطل ولا أثر له أو غير قابل للتطبيق " وكذلك القانون النموذجي الصادر عن لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي عام ۱۹۸۵ أخذ أيضا بهذه المبادئ ونص في المادة ۱/۸ علي أنه علي المحكمة التي ترفع أمامها دعوى أبرم بشأنها اتفاق تحكيم أن تحيل الطرفين إلي التحكيم إذا طلب منها ذلك أحد الطرفين في موعد أقصاه تاريخ تقديم بيانه الأول في موضوع النزاع ، ما لم يتضح لها أن الاتفاق باطل أو لاغ أو عديم الأثر ، ولا يمكن تنفيذه.