اتفاق التحكيم / الأثر الإيجابي - التزام اطراف اتفاق التحكيم بعرض النزاع على التحكيم / الكتب / إتفاق التحكيم في العقود الإدارية الدولية في النظام السعودي والأنظمة المقارنة / الأثر الإيجابي لاتفاق التحكيم
الاسم
إتفاق التحكيم في العقود الإدارية الدولية في النظام السعودي والأنظمة المقارنة
يترتب على اتفاق التحكيم التزام الأطراف بعرض النزاع الذي نشأ بينهم على المحكم أو المحكمين الذين تم اختيارهم للفصل في النزاع وذلك بدلا من اللجوء إلى المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع، ولا توجد صعوبة تذكر عندما يمتثل الأطراف بالخضوع إلى التحكيم إذا ما ثار نزاع بينهم ولكن تثور المشكلة عندما يطلب أحد الأطراف اللجوء إلى التحكيم ويحاول الآخر عرقلة إجراءات التحكيم، فيحاول مثلا الانسحاب من مشارطة التحكيم أو يمتنع عن تعيين محكمه أو يتخذ موقفا سلبيا يهدف منه إلى عرقلة إجراءات التحكيم ويتعمد الغياب أثناء إجراءات التحكيم، أو قد يدفع بعدم اختصاص محكمة التحكيم بالفصل في النزاع.
أولاً: الانسحاب من الاتفاق على التحكيم
إذا كان اتفاق التحكيم لا يكون صحيحا إلا بالكتابة، فإنه لضمان جدية اتفاق التحكيم سواء كان في صلب العقد أو جاء في مشارطة مستقلة عن العقد كان لابد من وضع قيود على إرادة الأطراف فيما يتعلق بمسألة الانسحاب بالإرادة المنفردة من اتفاق التحكيم ولذلك نصت المادة 25 من اتفاقية واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار على عدم جواز الانسحاب بالإرادة المنفردة من اتفاق التحكيم الخاضع للمركز فلا يحق لأى من أطراف النزاع أن يتراجع عن قبول اختصاص المركز بنظر النزاع الذي نشأ أو سينشأ مستقبلا بينهم بإرادته المنفردة .
قضية الشركة Alco Amieral ضد حكومة جاميكا .
وتتلخص وقائعها فى أنه تم إبرام عقد بين هذه الشركة وهي شركة تحمل الجنسية الأمريكية مع حكومة جاميكا عام 1968 ويهدف العقد إلى منح هذه الشركة حق امتیاز استغلال مناجم الألومنيوم، وقد تعهدت حكومة جاميكا يمنح الشركة الأمريكية تسهيلات ضريبية وعدم فرض ضرائب جديدة على نشاطها إلا أن حكومة جاميكا خالفت ذلك وقامت بفرض ضرائب جديدة في مايو 1974، وحيث إنه هذا العقد كان يحتوى على شرط تحكيم بين الطرفين وفقا لقواعد المركز الدولى لتسويه منازعات الاستثمار ICSID لذلك قامت الشركة الأمريكية باللجوء إلى قضاء التحكيم، وأعلنت حكومة جاميكا صحب قبولها لاختصاص المركز ينظر المنازعات المتعلقة بمصادرها الطبيعية.
وقد أوضحت هيئة التحكيم أن دولة جاميكا صدقت على اتفاقية واشنطن عام 1966 دون أن تبدى أى تحفظ في اختصاص المركز و انه قد ورد في العقد المبرم بين الطرفين شرط تحكيم يشير صراحة إلى اختصاص المركز بتسوية ما ينشأ عن العقد بين الطرفين من خلافات وأن إعلان دولة جاميكا التحفظ على اختصاص المركز بنظر المنازعات المتعلقة بمصادرها الطبيعية لا يترتب عليه الغاء قبول التحكيم لدى المركز لعدم جواز إلغاء القبول باختصاص المركز من جانب واحد فقط.
ويحدث أحيانا ألا يعلن أحد أطراف التحكيم أنه سحب رضاءه صراحة ولكنة يعمد إلى اتخاذ موقف سلبي من الإجراءات ويتعمد عدم الحضور ويهدف من ذلك إلى الحد من فاعلية التحكيم وتعطيل الفصل في النزاع فهل يؤثر غياب هذا الطرف على إجراءات نظر التحكيم ؟
بالنظر إلى قانون التحكيم المصرى 27 لسنه 1994 نلاحظ أنه قد نص في المادة 35 على أنه إذا تخلف أحد الطرفين عن حضور إحدى الجلسات أو عن تقديم ما طلب منه من مستندات جاز لهيئة التحكيم الاستمرار في إجراءات التحكيم و إصدار حكم في النزاع استنادا إلى عناصر الإثبات الموجودة أمامها ونصت على ذلك أيضا المادة 45 من اتفاقية واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار حيث أوضحت أنه في حالة عدم حضور أحد الطرفين يجوز للطرف الآخر أن يطلب من المحكمة أن تفصل في المسائل المعروضة عليها بالحكم المناسب، ولها قبل أن تصدر حكمها أن تعلن الطرف المتغيب ضاربة له ميعاداً نهائيا للحضور.
وقد طبق ذلك مركز ICSID للتحكيم في قضية leteco ضد حكومة ليبريا حيث امتنعت حكومة ليبريا عن تعين محكم لها رغم أعذارها مما أدى إلى أن قامت هيئة التحكيم بالفصل في النزاع باعتبار أن تخلف أحد الأطراف عن المشاركة في إجراءات التحكيم ليس من شأنه إيقاف الإجراءات ولا يحول دون استمرار نظر النزاع وفقا لما تبين لهيئة التحكيم من الأوراق والمستندات المقدمة إليها.
ثانياً: اختصاص المحكم بالفصل في مسألة اختصاصه:
ذهبت الغالبية العظمى من القوانين إلى أن المحكم هو المختص بالفصل في مسألة اختصاصه، فقد نص القانون المصرى 27 لسنه 1994 في المادة 1/22 على أن تفصل هيئة التحكيم في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها بما في ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله لموضوع النزاع».
و ينبغى التمسك بهذه الدفوع وفقا لنص المادة 1/22 من قانون التحكيم المصرى 27 لسنه 1994 في ميعاد لا يجاوز ميعاد تقديم دفاع المدعى عليه المشار إليه في الفقرة الثانية من المادة 30 من القانون، ولهيئة التحكيم أن تفصل في هذه الدفوع قبل الفصل في الموضوع ولها أن تضمها إلى الموضوع لتفصل فيهما معا وفقا لنص المادة 3/22 .
فإذا قضت هيئة التحكيم برفض هذه الدفوع فلا يجوز التمسك بها إلا برفع دعوى بطلان أصلية، كذلك فإن القانون الفرنسي كرس مبدأ اختصاص المحكم بالفصل في مسألة اختصاصها فقد نصت المادة 1466 من قانون المرافعات الفرنسي الجديد بشأن التحكيم الداخلى على أنه إذا نازع أحد الأطراف أمام المحكم في أساس ونطاق سلطته القضائية فإن من حق المحكم وحده الفصل في صحة وحدود توليته وفى مجال التحكيم الدولي لم يتضمن قانون المرافعات الصادر عام 1981 نصا مماثلا لنص المادة 1466 ويرى جانب من الفقه الفرنسي أن التحكيم الدولي يخضع لنص المادة 1466 إعمالاً للإحالة الواردة في القانون المتعلق بالتحكيم الدولي في المادة 1495 إلى المادة 1446 وقد اعتبر البعض أن فصل المحكم في مسألة اختصاصه هي نتيجة مباشرة عن استقلال اتفاق التحكيم في العلاقات الدولية وقد أكد القضاء الفرنسي ذلك في أكثر من قضية فذهبت محكمة Colmar في الحكم الصادر في نوفمبر 1968 إلى أن هناك قاعدة مفادها أن القاضي المطروح عليه النزاع هو المختص بالفصل في مسالة اختصاصه ومن ثم عندما يكون هذا القاضي محكما يستمد سلطاته من اتفاق الأطراف فإن له أن يتثبت من وجود وصحة هذا الاتفاق، وأيضا ذهبت محكمة السين في الحكم الصادر في أكتوبر 1956 إلى أنه يجب على المحكمين في المقام الأول أن يتثبتوا من أن اتفاق التحكيم يمنحهم الاختصاص بالفصل في النزاع المعروض عليهم، كما أنهم ملزمون بالتأكد من وجود اتفاق التحكيم وصحته ومن نطاقه.
وبالنظر إلى المعاهدات الدولية نلاحظ أن معاهدة نيويورك 1958 لم تتعرض لمسألة اختصاص المحكم بالفصل في مسألة اختصاصه ويرى البعض أن ذلك الإغفال من جانب واضعي الاتفاقية مبعثه أن الهدف المباشر من هذه الاتفاقية هو تحديد شروط الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وعلى عكس ذلك ذهبت اتفاقية نيويورك 1961 في المادة 3/5 إلى أنه لا يجب على المحكم الذي يذكر الأطراف عليه الاختصاص أن يتخلى عن نظر المنازعة ، فالمحكم له السلطة في الفصل في اختصاصه وفى مسألة وجود أو صحة اتفاق التحكيم أو العقد الذي يعتبر هذا الاتفاق جزءا منه وكذلك نصت الفقرة الأولى من المادة 41 من اتفاقية واشنطن 1965 على أن محكمة التحكيم هي المختصة بالفصل في مسألة اختصاصها وبالنظر إلى لوائح التحكيم نلاحظ أنها قد أقرت مبدأ اختصاص المحكم بالفصل في اختصاصه، فقد نصت المادة 3/8 من لائحة التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية بباريس على أنه إذا آثار أحد الأطراف دفعا أو عدة دفوع متعلقة بوجود أو صحة اتفاق التحكيم فإن المحكم وحده هو المختص بالفصل في مسألة اختصاصه.
كذلك نصت المادة 15 من لائحة التحكيم لدى الجمعية الأمريكية للتحكيم على أن المحكمة التحكيم الاختصاص بالفصل في مسألة اختصاصها.
كذلك نصت المادة 1/14 من لائحة التحكيم لدى محكمة تحكيم لندن على أنه لمحكمة التحكيم سلطة الفصل في اختصاصها بما في ذلك الدفوع المتعلقة بوجود اتفاق التحكيم أو صحته وقد أيد قضاء التحكيم هذا الاتجاه في أكثر من قضيه، ففي النزاع الذي ثار بين مؤسسة عامة لإحدى الدول الأفريقية وبين إحدى الشركات الفرنسية نازعت المؤسسة العامة في اختصاص المحكم واستندت إلى أن البت في مسألة اختصاص المحكم لا يفصل فيه إلا المحاكم الوطنية في الدولة التي توجد بها مقر المؤسسة العامة.
إلا أن المحكم أكد على اختصاصه بالفصل في مسألة اختصاصه مستندا في ذلك إلى المادة 3/13 من قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس والتي تعترف للمحكم بالفصل في مسألة اختصاصه، وأكد المحكم أن مسألة فصل المحكم في اختصاصه تعتبر من المبادئ المستقرة في قوانين التحكيم وفي قضية أخرى دفع أحد الأطراف بعدم اختصاص محكمة التحكيم بنظر النزاع مستنداً إلى بطلان العقد الأصلي وأوضح أن القضاء هو المختص بالفصل في هذه المسألة إلا أن محكمة التحكيم أكدت أن المادة 4/13 من قواعد غرفة التجارة الدولية بباريس تنص على أن الادعاء ببطلان العقد الأصلي أو عدم وجوده لا يترتب عليه عدم اختصاص المحكم ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.
فإذا تأكد المحكم من صحة شرط التحكيم فإنه يظل مختصا حتى في حالة بطلان العقد الأصلي أو عدم وجوده وذلك من أجل تحديد الحقوق المتبادلة للأطراف والفصل في طلباتهم، وبناء عليه تعترف محكمة التحكيم باختصاصها بالفصل في هذا النزاع.
وقد أكدت على ذلك محكمة التحكيم فى قضية ليامكو حيث أوضحت أن من حق المحكم وحده الفصل في مسألة اختصاصه.