سبق القول إن التحكيم هو وليد إرادة أطرافه، واتفاقهم على عرض منازعاتهم على التحكيم بدلا من قضاء الدولة..
هذا وقد استقر القضاء الفرنسي على التأكيد على القوة الملزمة لاتفاق التحكيم، وذلك دون البحث عن القانون الواجب التطبيق بشأن هذه المسألة. وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر فـــــي ۲۰ ديسمبر ۱۹۹۳ في قضية "Dalico).
بل ويذهب جانب من الفقه إلى أبعد من ذلك، حيث يرى أن القانون الأجنبي الذي لا يعترف بالقوة الملزمة لاتفاق التحكيم، لا ينطوي بالنسبة للنظام القانوني الفرنسي، على أي سند ينطبق عليه ، وهو غير جدير بالتطبيق، ولن يجد فرصة لهذا التطبيق، حتى بالنسبة للنزاع الذي يرتبط بالدولة التي صدر فيها هذا القانون. ومن ثم فإن القضاء الفرنسي واستناداً لهذه القاعدة المادية - يعترف بحكم التحكيم الصادر بناءً علـی مثل هذا الشرط. فعلى سبيل المثال فإن القانون الكولومبي بشأن التحكيم الصادر في 7 أكتوبر۱۹۸۹، لا يعترف بالقوة الملزمة لاتفاق التحكيم المبرم بين طرفين إذا كانت المنازعة التي يتصل بها، من شأنها أن تتعلق بالغير. وهذا الحل الذي عليه القانون المذكور، من وجهة نظر هذا الفقه حل غير مشجع للتحكيم.
فلو قام نزاع بين مقاول أجنبي وصاحب عمل كولومبي بشأن الأعمال المنعقدة في كولومبيا، والتي بمناسبتها تدخل مقاولون من الباطن ،ومن أجل تفادي إعمال اتفاق التحكيم الوارد في العقد الأصلي، فإن أحد المتعاقدين والذي لا يشترط بالضرورة أن يكون الطرف الكولومبي، يثير المصلحة في إصدار حكم تحكيمي يمكن أن يُحتج به في مواجهة المقاولين من الباطن المتمتعين بالجنسية الكولومبية، ونظرا لعدم رغبة هؤلاء في المشاركة في إجراءات التحكيم، يتمسك ببطلان اتفاق التحكيم.
وإذا عرضت المنازعة على القضاء الفرنسي، نظرا لأن التحكيم كان مقره فرنسا، أو لأن حكم التحكيم يتعين تنفيذه فيها، فإن المحاكم الفرنسية لا يتعين عليها أن تبحث عما هو القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم ، من أجل أن تحدد إذا كان هذا القانون يقرُّ بفعالية اتفاق التحكيم ووفقاً لأيّ شروط.
كذلك إن مبدأ القوة الملزمة لاتفاق التحكيم، يُعدُّ من المبادئ التي أكدَّ عليها القضاء السوري. وهذا ما أكدته محكمة النقض السورية عندما قضت بأن: "عقد التحكيم من العقود الملزمة للجانبين، وقوامه الاتفاق على الخروج عن طرق التقاضي العادية، فلا يجوز نقضه، أو تعديله، أو فسخه، إلا برضاء جميع الأطراف".
أيضاً أصبح مبدأ القوة الملزمة لاتفاق التحكيم من المبادئ المستقرة المعاهدات والاتفاقيات الدولية، ومنها اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨. وهذا ما ذهبت إليه هذه الاتفاقية في الفقرة الأولى من مادتها الثانية عندما نصت على أن:
۱ - تعترف كل دولة متعاقدة بالاتفاق المكتوب، الذي يلتزم بمقتضاه الأطراف بأن يخضعوا للتحكيم ، كل أو بعض المنازعات الناشئة، أو التي قد تنشأ بينهم، بشأن موضوع من روابط القانون التعاقدية أو غير التعاقدية المتعلقة بمسألة يجوز تسويتها عن طريق التحكيم".
وإذا كان مضمون مبدأ القوة الملزمة لاتفاق التحكيم، يفرض على الأطراف التزاما بنتيجة مفاده: ضرورة قيام كل منهما بالمساهمة في إجراءات التحكيم، وعدم اللجوء إلى القضاء العام في الدولة، ومن ثم لا يستطيع أي من هذين الطرفين التملص من هذا الاتفاق بإرادته المنفردة، كما لا يملك أن يعدله أو ينقضه فإن التساؤل الذي يمكن طرحه ما الحل لو أن أحد أطراف اتفاق التحكيم قد خالف هذا الالتزام المفروض عليه؟
إن امتناع أحد طرفي اتفاق التحكيم عن المساهمة في إجراءات التحكيم، معناه الإخلال بمبدأ حسن النية في تنفيذ الالتزامات التعاقدية، والذي يترتب عليه التنفيذ العيني لهذه الالتزامات ، ويتحقق ذلك بإجبار هذا الطرف على تعيين محكمه، أو تقديم مستنداته، وبدء إجراءات التحكيم، وإلا فإن للطرف الآخر اللجوء إلى المحكمة، أو الجهة التي يمكنها تعيين هيئة التحكيم.
وهذا ما ذهبت إليه معظم التشريعات الوضعية المشجعة للتحكيم.
فقد ذهبت هذه الدول إلى النص على كيفية أخرى يتم من خلالها تعيين هيئة التحكيم في حال امتناع أحد الطرفين عن مباشرة إجراءات التحكيم .
وهو الحل الذي تبناه المشرع المصري بموجب المادة (١٧) من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ . وهو ما ذهبت إليه أيضاً المادة (٣٤) من ذات القانون والتي نصت على أنه : "إذا لم يقدم المدعى عليه مذكرة بدفاعه وفقاً للفقرة الثانية من المادة (۳۰) من هذا القانون وجب أن تستمر هيئة التحكيم في إجراءات التحكيم….
وعلى سبيل المثال فإن نصوص القانون المدني، ونصوص قانون الإجراءات المدنية في البرازيل المتعلقة بالتحكيم تعالج مشارطة التحكيم وحدها، ولا تعالج شرط التحكيم. ويذهب الفقه والقضاء، إلى القول إنه من الضروري في حالة وجود شرط تحكيم، إبرام مشارطة تحكيم عند نشأة النزاع. وتذهب المحاكم البرازيلية إلى أنه إذا رفض أحد الأطراف في الفرض المتقدم، إبرام مشارطة تحكيم فإنه لا يمكن إجباره على ذلك.