أول ما يترتب على اتفاق التحكيم هو سلب ولاية المحكمة المختصة أصلاً بنظر المنازعة .
وبناء عليه ، فلا غرو أن تقول المحكمة الدستورية العليا المصرية أن : «التحكيم يعتبر نظاماً بديلاً عن القضاء ، فلا يجتمعان ، لأن مقتضى الاتفاق عليه أن تعزل المحاكم عن نظر المسائل التي انصب عليها التحكيم استثناء من أصل خضوعها لولايتها » .
وقد اعتبر المشرع الاتفاق على التحكيم مانعاً من نظر الدعوى . وبناء عليه أوجب ـ في المادة [13] من قانون التحكيم المشار إليه ـ على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه
اتفاق تحكيم أن تقضى بعدم قبول الدعوى ، شريطة أن يدفع المدعى عليه بذلك قبل إبداء أي طلب أو دفاع في الدعوى .
وقد استقر قضاء المحكمة الاتحادية العليا بدولة الإمارات العربية المتحدة على: « جوازالطعن في الأحكام التي تصدر بالإحالة على التحكيم ، أو رفضها استقلالاً ، لتعلق ذلك بالاختصاص الولائی » .
وقد نعى الطاعن أمام محكمة النقض بدائرة القضاء بإمارة أبو ظبي على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون . وفي بيان ذلك قال : « إن الحكم انتهى في قضائه إلى إلغاء الحكم المستأنف وإحالة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها بالمخالفة لنص المادة [5/203] من قانون الإجراءات المدنية التي عقد المشرع بموجبها الاختصاص بنظر النزاع لهيئة التحكيم فينحسر بذلك الاختصاص عن القاضي الطبيعي احتراماً لإرادة المتعاقدين واختصاراً لإجراءات التقاضي أمام المحاكم ، كما أقام الحكم رابطة بين طلب فسخ أو بطلان العقد الأساسي وبين شرط التحكيم دون مسوغ من القانون ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه » .
وقد رأت المحكمة أن هذا النعي صحيح ، تأسيساً على الآتى : «إن النص في الفقرة الأولى من المادة [203 ] من قانون الإجراءات المدنية على أنه : «يجوز للمتعاقدين بصفة عامة أن يشترطوا في العقد الأساسي أو باتفاق لاحق عرض ما قد ينشأ بينهم من النزاع في تنفيذ عقد معين على محكم أو أكثر كما يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين بشروط خاصة » .
وفي الفقرة الخامسة من ذات المادة على أنه : «وإذا اتفق الخصوم على التحكيم في نزاع ما فلا يجوز رفع الدعوى به أمام القضاء ، ومع ذلك إذا لجأ أحد الطرفين إلى رفع الدعوى دون اعتداد بشرط التحكيم ولم يعترض الطرف الآخر في الجلسة الأولى، وجب نظر الدعوى ، واعتبر شرط التحكيم لاغياً » .
واستخلصت المحكمة مما تقدم أنه : « يدل على أن الأصل هو أن الاتفاق على التحكيم شرطاً كان أو مشارطة ـفي صدد نزاع معين يمنع المحكمة المختصة به أصلاً من نظره ، وهذاهو الأثر السلبي لاتفاق التحكيم ، وأن الاستثناء هو إمكان نظر ذات النزاع أمام القضاء ما لم يعترض الخصم في الجلسة الأولى منكراً أي حق لخصمه في الالتجاء إلى القضاء ، ومن الأصول المقررة أن الاستثناء لا يقاس عليه ....» .
ولما كان المستأنف ـ المطعون ضده ـ قد أقام دعواه أمام محكمة أول درجة بطلب الحكم بفسخ اتفاقية استثمار واستئجار قطعة الأرض المبينة بالصحيفة بالإضافة إلى الطلبات الأخرى، وقضت محكمة أول درجة بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق القانون، لأن المحكمة تختص بالفصل في صحة العقد أو فسخه أو بطلانه قبل إحالة النزاع إلى هيئة التحكيم باعتبارها مسألة أولية تخرج عن ولاية المحكمين فضلاً عن أنه في حالة قضاء محكمة أول درجة بفسخ الاتفاقية أو بطلانها فإن شرط التحكيم يبطل تبعاً لذلك، وكذلك إذا قضى بالفسخ اعتبر شرط التحكيم كأن لم يكن..، دون أن يبين سنده القانوني فيما قضى به أو يورد نصوص القانون التي طبقها على واقعة الدعوى، وكل هذا من شأنه أن يجهل بالأساس الذي أقام عليه قضاءه، فإنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب الذي جره إلى الخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه »
وقد حددت محكمة النقض بدائرة القضاء بإمارة أبو ظبي المقصود بالجلسة الأولى التي ينبغي التمسك خلالها بشرط التحكيم ، وهي بصدد ردها على نعي الطاعنة علىاالحكم المطعون فيه أنها تمسكت في المذكرة المقدمة منها بجلسة 2006/2/14 بدفاع مؤداه أن شرط التحكيم أصبح لاغياً طالما لم يدفع به في الجلسة الأولى أثناء نظر الدعوى أمام محكمة أول درجة عملاً بالمادة [5/203] من قانون الإجراءات المدنية، حيث قالت: « إن هذا النعي سديد ، ذلك أن المقرر قضاء وفق ما تقضى به الفقرة الخامسة من المادة [203] من قانون الإجراءات المدنية الاتحادي أنه إذا اتفق الخصوم على التحكيم في نزاع ما فلا يجوز رفع الدعوى به أمام القضاء ، ومع ذلك إذا لجأ أحد الطرفين إليه ورفع الدعوى دون اعتداد بشرط التحكيم ولم يعترض الطرف الآخر في الجلسة الأولى ، جاز نظر الدعوى واعتبر شرط التحكيم لاغياً ، ذلك أنه يجب على الطرف المتمسك بشرط التحكيم أن يتخذ موقفاً إيجابياً بأن يعترض في الجلسة الأولى على التجاء خصمه إلى القضاء للمطالبة بما يدعيه من حق رغم الاتفاق على التحكيم ، فإنه إذا لم يحصل منه اعتراض في تلك الجلسة جاز نظر الدعوى، والمقصود من عبارة "جاز نظر الدعوى" ، أن نظر الدعوى أمام المحكمة يصبح صحيحاً ولازماً ويصبح شرط التحكيم لاغياً ، أما إذا تم الاعتراض في تلك الجلسة فيتعين على المحكمة أن تقضى بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم إعمالاً لاتفاق الخصوم على اللجوء إلى التحكيم لفض المنازعات بينهم ، والمقصود بالجلسة الأولى هي الجلسة التي يحضر فيها المدعى عليه أو ممثله لأول مرة أمام المحكمة فتكون هناك دعوى انعقدت الخصومة فيها بين طرفيها يتناضلان فيها بإبداء دفوعهما ودفاعهما، ولو كان المشرع يقصد غير ذلك لنص عليه صراحةً » .
ويستوى في تحديد الجلسة الأولى على هذا النحو أن يكون الخصم قد عرض دفاعه في موضوع النزاع أو لم يعرضه ، ذلك أنه من المقرر وفق ما تنص عليه المادة [5/203] من قانون الإجراءات المدنية أنه إذا اتفق الخصوم على التحكيم في نزاع ما ، فلا يجوز رفع الدعوى به أمام القضاء ، ومع ذلك إذا لجأ أحد الطرفين إلى رفع الدعوى دون اعتداد بشرط التحكيم ،
ولم يعترض الطرف الآخر في الجلسة الأولى ، وجب نظر الدعوى واعتبر شرط التحكيم لاغياً ، ذلك أنه يجب على الطرف المتمسك بشرط التحكيم أن يتخذ موقفاً إيجابياً بأن يعترض في الجلسة الأولى على التجاء خصمه إلى القضاء للمطالبة بما يدعيه من حق برغم الاتفاق على التحكيم، فإن لم يحصل منه اعتراض في تلك الجلسة وجب نظر الدعوى أما إذا تم الاعتراض في تلك الجلسة فيتعين على المحكمة أن تقضى بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم وإعمالاً لاتفاق الخصوم على اللجوء للتحكيم لفض المنازعات بينهم ، والمقصود بالجلسة الأولى هو الجلسة التي يحضر فيها المدعى عليه أو ممثله لأول مرة أمام المحكمة ، فتكون هناك دعوى انعقدت الخصومة فيها لأول مرة أمام المحكمة ، بين طرفيها يتناضلان فيها بإبداء دفاعهما ودفوعهما ، ولا يغير من ذلك طلب الوكيل أجلاً لتحضيردفاعه أو الجواب على الدعوى أو للتعقيب على مذكرة قدمها الخصم ،إذ المعول عليه وجوب التمسك بشرط التحكيم في الجلسة الأولى التي حضرها سواء عرض الخصم دفاعه في موضوع النزاع أو لم يعرض له .
لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيهـومن قبله الحكم الابتدائي المؤيد به قد عرض للدفع بشرط التحكيم ، وأفصح عن رفضه تأسيساً على أن المستأنف ـ الطاعن ـ كان قد حضر جلسة 2009/2/17 أمام محكمة أول درجة واستمهل للجواب على الدعوى فتم التأجيل إلى جلسة /3/3 /2009، وفيها دفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم ، فلا يكون هذا الدفع قد أبدى في الجلسة الأولى وهي جلسة 2009/2/17) .
وفي حكم آخر قالت : « إنه من المقرر وفقاً لما تقضى به الفقرة الخامسة من المادة [203] من قانون الإجراءات المدنية ـ أنه إذا اتفق الخصوم على التحكيم في نزاع ما فلا يجوز رفع الدعوى به أمام القضاء .
ومع ذلك إذا لجأ أحد الطرفين إليه ورفع الدعوى دون اعتداد بشرط التحكيم ، ولم يعترض الطرف الآخر في الجلسة الأولى جاز نظر الدعوى واعتبر شرط التحكيم لاغياً ، ذلك يجب على الطرف المتمسك بشرط التحكيم أن يتخذ موقفاً إيجابياً بأن يعترض في الجلسة الأولى على التجاء خصمه إلى القضاء للمطالبة بما يدعيه من حق رغم الاتفاق على التحكيم . فإن لم يحصل منه اعتراض في تلك الجلسة جاز نظر الدعوى، والمقصود من عبارة «جاز نظر الدعوى» أن نظر الدعوى أمام المحكمة يصبح صحيحاً ولازماً ويصبح شرط التحكيم لاغياً ، أما إذا تم الاعتراض في تلك الجلسة فيتعين على المحكمة أن تقضى بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم ، إعمالاً لاتفاق الخصوم على اللجوء للتحكيم لفض المنازعات بينهم » .
وأضافت المحكمة أن: « المقصود بالجلسة الأولى هي الجلسة التي يحضر فيها المدعى عليه أو ممثله لأول مرة أمام المحكمة، فتكون هناك دعوى انعقدت الخصومة فيها بين طرفيها يتناضلان فيها بإبداء دفوعهما ودفاعهما ، ولا يغير من ذلك طلب الوكيل أجلاً لتحضيردفاعه والجواب على الدعوى أو للتعقيب على مذكرة قدمها الخصم إذ المعول عليه وجوب التمسك بشرط التحكيم في الجلسة الأولى التي حضرها سواء عرض الخصم دفاعه في موضوع النزاع أو لم يعرض له .
وبناء عليه، خلصت المحكمة إلى أنه : « لما كان ذلك ، وكان الطاعن قد حضر بشخصه بجلسة 9/27/ 2006 ، وأقر أنه تسلم لائحة الدعوى ومذكرة الطلبات المعدلة وطلب أجلاً للرد على الدعوى ولم يتمسك بشرط التحكيم ، ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إن هي مضت في نظر الدعوى ويكون النعي على غير أساس »
وقد سارت المحكمة على ذات الدرب ـ في حديث قضائها ـ بخصوص تحديد المقصود بالجلسة الأولى ، فعرفتها بأنها : « الجلسة التي يحضر فيها المدعى أو وكيله لأول مرة أمام المحكمة » وقد عالج المشرع الإماراتي هذا الأمر بأن نص على أنه: « وإذا اتفق الخصوم على التحكيم في نزاع ما ، فلا يجوز رفع الدعوى به أمام القضاء ، ومع ذلك إذا لجأ أحد الطرفين إلى رفع الدعوى دون اعتداد بشرط التحكيم ، ولم يعترض الطرف الآخر في الجلسة الأولى ، وجب نظر الدعوى واعتبر شرط التحكيم لاغياً »
وقد اعتبرت محكمة النقض بدائرة القضاء بإمارة أبو ظبي ، اللجوء إلى القضاء حالة وجود شرط التحكيم بمثابة استثناء ينبغي التقيد في تفسيره بقواعد التفسير الضيق ، تأسيساً على أن المادة [203 ] من قانون الإجراءات المدنية تنص على أنه : « وإذا اتفق الخصوم على التحكيم في نزاع ما فلا يجوز رفع الدعوى به أمام القضاء، ومع ذلك إذا لجأ أحد الطرفين إلى رفع الدعوى دون اعتداد بشرط التحكيم ، ولم يعترض الطرف الآخر في الجلسة الأولى ، وجب نظر الدعوى واعتبر شرط التحكيم لاغياً » . يدل على أن الأصل هو أن الاتفاق علىالتحكيم ـ شرطاًكان أو مشارطة ـ في صدد نزاع معين يمنع المحكمة المختصة به أصلاً من نظره ، وهذا هو الأثر السلبي لاتفاق التحكيم، وأن الاستثناء هو إمكان نظر ذات النزاع أمام القضاء ما لم يعترض الخصم في الجلسة الأولى منكراً أي حق لخصمه في الالتجاء إلى، ومن الأصول المقررة أن الاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره » .
وقد أوضحت محكمة النقض بدائرة القضاء بإمارة أبو ظبي، فيما يتعلق بمدى توفر المصلحة في الطعن في الحكم الصادر في الدفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم، أوضحت أنه :
«إن هذا الدفع غير سديد، ذلك إن المقرر أن المصلحة في الطعن تجد أساسها في الضرر الذي يحمله الحكم في مواجهة الطاعن ، سواء في قضاء الحكم على الطاعن بشئ ما أو برفض كل أو بعض طلباته ، وذلك أياً كان مركز المحكوم عليه في الدعوى، سواء كان مدعياً أو مدعى عليه ، أو متدخلاً بأى صفة كانت » .
وخلصت المحكمة بناء على ما تقدم إلى أنه: «لما كان ذلك، وكان الطاعن قد تمسك أمام محكمة أول درجة ـ في الجلسة الأولى ـ بشرط التحكيم، فحكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى إعمالاً للمادة [5/203] من قانون الإجراءات المدنية، وإذ استأنف المطعون ضده هذا الحكم فطلب الطاعن الحكم بتأييد الحكم المستأنف، وقضى الحكم المطعون فيه بإلغاء الحكم المستأنف وبإحالة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها ، فإن الطاعن ـ ولم يقض له الحكم المطعون فيه بطلباته في الاستئناف ـ يعد محكوماً عليه بما يوفر له المصلحة في الطعن» .
وقد يترتب على اتفاق التحكيم ـ كذلك ـ تطبيق إجراءات لدى نظر موضوعالتحكيم، مغايرة لتلك التي يطبقها القضاء ، يكون قد اختارها الطرفان أو هيئة التحكيم .
وقد يترتب على اتفاق التحكيم تطبيق قواعد موضوعية على موضوع النزاع مخالفة لتلك التي كان سيطبقها عليه القضاء لو تم نظره بمعرفته .