الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / الأثار الإجرائية لاتفاق التحكيم / الكتب / اتفاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية / اختصاص قضاء التحكيم بنظر النزاع 

  • الاسم

    د. أحمد مخلوف
  • تاريخ النشر

    2005-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    544
  • رقم الصفحة

    145

التفاصيل طباعة نسخ

اختصاص قضاء التحكيم بنظر النزاع 

   الأثر المترتب على اتفاق التحكيم الدولي هو أن يختص قضاء التحكيم وحده بنظر النزاع الناشئ عن عقود التجارة الدولية (النزاع الموضوعي)، فإن ثمة نزاعا من نوع آخر قد يثور بين الأطراف حول مدى اختصاص قضاء التحكيم بنظر هذا النزاع، إذ قد يدفع أحد الأطراف بأن قضاء الدولة هو المختص بسبب بطلان اتفاق التحكيم أو انعدامه، بينما يدفع الطرف الآخر بعكس ذلك. فما هو القضاء  الذي يتعين عليه إذن أن يحسم هذه المسألة؟ هل هو قضاء التحكيم، أم قضاء الدولة؟ وعلى أي أساس يكون اختصاص أي منهما؟.

   هذا هو مبدأ الاختصاص بالاختصاص Compétence de la Competence الذي يعطى لقضاء التحكيم وحده مسألـة البـت في اختصاصه، وهو من أهم المبادئ الأساسية التي يقوم عليها التحكيم التجارى الدولى، والذي يحتل الآن أهمية كبيرة في قوانين التحكيم والاتفاقيات الدولية ، فضلا عن قواعد مؤسسات التحكيم.

   ومتى تحقق لقضاء التحكيم هذا الاختصاص، فإن المحكم يستطيع بعد ذلك أن يبحث وبحرية كاملة في حقيقة اختصاصه، فإذا تبين له صحة اتفاق التحكيم، فإنه يعلن اختصاصه بنظر النزاع الموضوعى) وإن تبين له عكس ذلك، فإنه يقضي بعدم الاختصاص. 

   فهناك إذن اختصاص أصيل يكتسبه المحكم فى جميع الأحوال، بصرف النظر عن حكم الاتفاق، وهو الاختصاص من أجل البت في اختصاصه، ثم هناك بعد ذلك الاختصاص الموضوعي الذي يتعلق بالفصل في النزاع الناشئ عن العقد، وهذا لا يكتسبه المحكم إلا بناء على اتفاق تحكيم صحيح .

  والحقيقة أن هذا الرأى يعوزه الدقة، ذلك أن مبدأ الاختصاص بالاختصاص هو مبدأ مستقل في ذاته، وليس له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بمبدأ استقلال الاتفاق، وآية ذلك:

1- أن مجال تطبيق كل مبدأ من المبدأين مختلف عن الآخر؛ فعلى حين يجد مبدأ الاستقلال مجاله عند تقدير صحة اتفاق التحكيم الدولى فإن مبدأ الاختصاص بالاختصاص يجد مجاله عند البدء في إجراءات التحكيم وقبل تقدير صحة هذا الاتفاق. وبمـعـنـى آخر، فإن مـبـدأ الاستقلال يأتى فى مرحلة لاحقة يكون فيها مبدأ الاختصاص بالاختصاص قد تقرر، الأمر الذى ينتفى معه أن يكون هذا المبدأ هو أثر من آثار مـبـدأ الاستقلال. 

2- إنه لما كان بعض الفقه ينفى مبدأ الاستقلال في حالة انعدام العقد الأصلي ، فإن مؤدى ذلك ألا يتقرر مبدأ الاختصاص بالاختصاص في هذه الحالة، ولكن الواقع يؤكد على أن المحكم يفصل في مسألة اختصاصه عند الادعاء بانعدام العقد أو حتى الاتفاق نفسه، وذلك لتقدير صحة هذا الادعاء. 

3- ان مبدأ الاستقلال يتعلق بمسألة موضوعية تهدف إلى تمييز اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي، أما مبدأ الاختصاص بالاختصاص فيتعلق بمسألة إجرائية Question de Procedure) تهدف إلى منح المحكم سلطة تقرير اختصاصه خاصة في الحالة التي يثور فيها الشك حول صحة اتفاق التحكيم ويبدو فيها أن بطلانه نابع من ذاته لا من العقد الوارد به.

   وهكذا يتقرر مبدأ الاختصاص بالاختصاص، بصرف النظر عن استقلال الاتفاق من عدمه، الأمر الذي يؤكد على أنه مبدأ مستقل في ذاته، ينظمه قانون التحكيم التجارى كقاعدة أساسية من قواعد إجراءات التحكيم. فلو أخذنا بقواعد التحكيم التي أقرتها لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية عام ١٩٧٦ ، لسوف نجد أن المادة (۲/۲۱) تقرر بوضوح أن هيئة التحكيم هي صاحبة الاختصاص بالفصل في الدفوع الخاصة بعدم اختصاصها ، ويدخل في ذلك الدفوع المتعلقة بوجود شرط التحكيم، أو الاتفاق المنفصل على التحكيم، أو بصحة هذا الشرط، أو هذا الاتفاق كذلك ينص القانون النموذجي للتحكيم التجارى الدولى في المادة (١٦) على أن هيئة التحكيم هي التي تبت في اختصاصها بما في ذلك البت في أي اعتراضات تتعلق بوجود اتفاق التحكيم أو بصحته.

آثار مبدأ الاختصاص بالاختصاص: 

  هذا ويرتب مبدأ الاختصاص بالاختصاص أثرين هاميين أحدهما إيجابي والآخر سلبي.

أما الأثر الإيجابي، فهو أن يختص قضاء التحكيم وحده بالبت في مسألة اختصاصه، فهو لا ينتظر أن يمنحه قضاء الدولة هذا الاختصاص، لأنه يتقرر له بصفة تلقائية، كقاعدة إجرائية أساسية كما سبق القول. 

ولا يخرج موقف قضاء التحكيم عند بحث مسألة اختصاصه عن أحد فرضين فهو إما أن يقرر اختصاصه بنظر النزاع أو يعلن عدم اختصاصه، فإذا قرر اختصاصه، فذلك معناه أنه قد أقر بصحة الاتفاق، وفى هذه الحالة فهو يمضى قدما لبحث النزاع الموضوعى بعد أن حسم نزاع الاختصاص.

ويستطيع المحكم أن يعلن قراره بالاختصاص في حكم تمهیدی Sentence Pertiselle) أو يؤجله إلى صدور الحكم النهائي في النزاع الموضوعى. وقد تفرض بعض التشريعات أن يفصل المحكم في اختصاصه في حكم تمهيدى كمسألة أولية (Question Préalable) يجب حسمها في وقت مبكر قبل صدور الحكم النهائي. أما أغلب التشريعات فهى تعطى الخيرة للمحكم ، وهو ما قرره القانون النموذجي حينما نص في المادة (۳/۱٦) على أن لهيئة التحكيم أن تفصل في مسألة اختصاصها كمسألة أولية أو فى قرار التحكيم الموضوعى.

وأوضح القانون النموذجى أنه إذا قررت هيئة التحكيم حسم هذه المسألة في قرار تمهيدى وأعلنت اختصاصها ، فإنه يجوز لأى من الطرفين خلال ثلاثين يوما من إعلانه بهذا القرار أن يطعن فيه أمام المحكمة المختصة، وحتى يفصل فى هذا الطعن فإن هيئة التحكيم لها أن تستمر في الإجراءات وأن تصدر حكم التحكيم. 

وقد أدخل الشارع المصرى تعديلا هاما على حكم هذه المادة نراه مفيدا ، وذلك بالنص في المادة (۳/۲۲) على عدم جواز الطعن في قرار هيئة التحكيم التمهيدى بالاختصاص إلا عن طريق رفع دعوى بطلان الحكم التحكيم المنهى للخصومة كلها .

هل يجوز الطعن في قرار هيئة التحكيم بعدم اختصاصها بالفصل في النزاع؟ 

   وقد يجد قضاء التحكيم أن اتفاق التحكيم غير صحيح في ذاته، فيضطر إلى إعلان عدم اختصاصه بالفصل في النزاع، فهل يجوز للأطراف الطعن في هذا القرار؟ 

الواقع أن هناك بعض التشريعات قد أجازت صراحة الطعن في قرار هيئة التحكيم إذا أعلنت اختصاصها أو عدم اختصاصها بطريق الخطأ. 

  ونحن نؤيد هذا الحكم، الذى يعطى للأطراف حق الطعن في القرار الصادر بعدم الاختصاص مثله مثل القرار الصادر بالاختصاص. وفي هذه الحالة، إذا أيد قضاء الدولة عدم الاختصاص ، فلا مفر أمام الأطراف من إبرام اتفاق تحكيم جديد (صحيح) ، أما إذا حكم قضاء الدولة بصحة الاتفاق، فهنا يتعين على قضاء التحكيم أن يفصل مباشرة في موضوع النزاع ، فإذا رفض المحكم ذلك، فقد ذهب بعض الفقه إلى أنه يعتبر منكرا للعدالة (Denia de Justice) ، ويجب أن يتولى محكم آخر بدلا منه مهمة الفصل في النزاع. 

أما الأثر السلبى لمبدأ الاختصاص بالاختصاص، فهو يفرض على قضاء الدولة أن يمتنع عن تقرير اختصاصه بالبت في شأن اتفاق التحكيم قبل أن يقرر قضاء التحكيم هذه المسألة؛ أي أنه مادام قضاء التحكيم لم يبت فيها بعد، فإن قضاء الدولة يلتزم بألا يتصدى لها . 

  وعلى ذلك إذا سارع أحد الأطراف إلى قضاء الدولة لعرض النزاع اعتمادا منه على بطلان الاتفاق قبل أن يتمكن قضاء التحكيم من تقرير اختصاصه فإن ذلك لا يحول دون تطبيق الأخير لقاعدة الاختصاص بالاختصاص.