اتفاق التحكيم / أثار اتفاق التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / دور التحكيم الالكتروني الدولي في منازعات التجارة الدولية / الأثر المترتب على اتفاق التحكيم الإلكتروني
الاتفاق يرتب أثرين أولهما أثر إيجابي: وهو التزام الأطراف بالاتفاق المبرم بينهم، ومن ثم عرض النزاع الذي اتفق بشأنه على التحكيم، على هيئة التحكيم المكلفة بالفصل فيه . والآخر هو الأثر السلبي المتمثل في سلب اختصاص القضاء العام في الدولة بالفصل في النزاع.
على أن هذا الأثر المانع من اللجوء إلى قضاء الدولة يقتصر على أطراف اتفاق التحكيم، استنادا للقواعد العامة في نسبية أثر العقد، ومن ثم فإن هذا المنع لا يسري في مواجهة الغير.
أما الجانب الآخر فيتعلق بقضاء الدولة، حيث يفرض عليه التخلي عن نظر النزاع المبرم بشأن اتفاق تحكيم، وذلك إذا تمسك أحد الأطراف بسبق الاتفاق على التحكيم، وعليه إذا لجأ أحد أطراف التحكيم إلى قضاء الدولة، ودفع الطرف الآخر بوجود اتفاق تحكيم، تعين على قضاء الدولة الامتناع عن نظر النزاع، ويترتب هذا الالتزام على قضاء الدولة بمجرد التمسك أمامه بسبق الاتفاق على التحكيم، سواء تم ذلك قبل بدء إجراءات التحكيم، أو بعد ذلك .
وتجدر الإشارة إلى أن الأثر المانع لقضاء الدولة من نظر النزاع، لا يتحقق إلا إذا كان التحكيم ممكنا. ومن ثم إذا استحال إجراء التحكيم لأي سبب من الأسباب فإن ولاية القضاء العام في الدولة تتجدد انطلاقا من هذه الاستحالة. ومن ثم تعود لهذا القضاء وحده ولاية الفصل في النزاع باعتباره صاحب الولاية العامة بالفصل في كافة المنازعات إلا ما استثني منها بنص خاص .
وإن الأثر السلبي لاتفاق التحكيم ما هو إلا نتيجة طبيعية لمبدأ القوة الملزمة لاتفاق التحكيم باعتباره عقدا، فشأنه شأن العقود الأخرى تحكمه المبادئ العامة في العقود، ومنها مبدأ القوة الملزمة.
هذا وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا في مصر هذا المفهوم للأثر المانع لقضاء الدولة، عندما قضت في أحد أحكامها بأن: "اتفاق التحكيم يعزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي يتناولها ذلك الاتفاق استثناء من خضوعها أصلا لها"
ولقد أقرت العديد من الأنظمة القانونية الوضعية قاعدة الأثر المانع لاتفاق التحكيم. فنجد مثلا أن قانون التحكيم المصري في المادة (1/13) منه قد أكد أنه "يجب على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى، إذا دفع المدعي عليه بذلك قبل إبدائه أي طلب أو دفاع في الدعوى".
كذلك تعد قاعدة منع قضاء الدولة من نظر المنازعة المتفق بشأنها على التحكيم من القواعد القانونية المستقرة في القانون الفرنسي. وهذا ما أكدته المادة (1448) من قانون المرافعات الفرنسي الجديد، التي نصت على أنه "1 - إذا رفع النزاع المعروض على محكمة التحكيم بموجب اتفاق تحكيم على القضاء الوطني يجب على القاضي أن يقرر عدم اختصاصه. وإذا لم تكن محكمة التحكيم قد اتصلت بعد بالنزاع يجب أيضا على هذا القضاء أن يقرر عدم اختصاصه، إلا إذا كان اتفاق التحكيم ظاهر البطلان.
2 . لا يجوز للمحكمة أن ترفض الاختصاص من تلقاء نفسها" . وبموجب هذه المادة أكد المشرع الفرنسي مبدأ عدم اختصاص القضاء العادي بنظر المنازعات المتفق بشأنها على التحكيم.
هذا وقد جاءت نصوص اتفاقية نيويورك واضحة بما لا يدع مجالا للشك حول إقرارها مبدأ الأثر المانع لاتفاق التحكيم، مما مفاده أن مبدأ استبعاد ولاية القضاء الوطني عن نظر المنازعات الموضوعية الداخلة في نطاق اتفاق التحكيم، يعد أيضا من المبادئ القانونية المستقرة في إطار اتفاقية نيويورك. وهذا ما يفاد صراحة من نص المادة (3/2) من اتفاقية نيويورك "3 . على محكمة الدولة المتعاقدة التي يطرح أمامها نزاع حول موضوع، كان محل اتفاق من الأطراف بالمعنى الوارد في هذه المادة، أن تحيل الخصوم بناء على طلب أحدهم إلى التحكيم، وذلك ما لم يتبين للمحكمة أن هذا الاتفاق باطل أو لا أثر له، أو غير قابل للتطبيق".
ويلاحظ أن هذا النص قد جاء بقاعدة موضوعية تسمو في المرتبة على التشريعات الداخلية، ومن ثم تلتزم بها الدول الأعضاء المنضمة للاتفاقية كافة، وبغض النظر عن أي اعتبارات، سواء ما تعلق منها بجنسية أطراف اتفاق التحكيم، أو تعلق منها بالمكان الذي اتفق الأطراف على أن يكون مقرا للتحكيم.
ويترتب على الطبيعة الدولية لهذه القاعدة:
أنه صار يتعين على محاكم الدول الأعضاء في اتفاقية نيويورك أن تمتنع وجوباً عن نظر المنازعات المتفق بشأنها على التحكيم، بمجرد أن يتمسك أحد الأطراف بسبق الاتفاق على التحكيم.
هذا وبالإضافة إلى اتفاقية نيويورك فقد جاء بالقانون النموذجي الصادر من لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي لعام 1985 في مادته الثامنة فقرة 1 على أنه "على المحكمة المطروح عليها نزاع في مسألة أبرم الأطراف بشأنها اتفاق تحكيم أن تحيل هؤلاء الأطراف إلى التحكيم إذا طلب منها ذلك أحد الطرفين...".
وقد تبين لنا أنه لا يوجد اختلاف، ومن أمثلة التنظيمات الذاتية التي تتفق مع ما تقرره القوانين والاتفاقيات المنظمة للتحكيم التقليدي، لائحة محكمة التحكيم الفضائية التي تقرر مادتها الأولى من اعتبار اتفاق الأطراف على حل منازعاتهم وفقا للائحة محكمة التحكيم الفضائية، قبولا منهم للخضوع لأحكام هذه اللائحة . كذلك ما قضت به المادة 17 بأنه "إذا رفض أحد الطرفين أو تجاهل المشاركة في التحكيم كلياً أو جزئيا، فإن على هيئة التحكيم أن تباشر الدعوى على الرغم من هذا الرفض أو ذلك التجاهل" . وتعد هذه الصياغة ترجمة للأثر الإيجابي لشرط التحكيم الإلكتروني لما تقرره لهيئة التحكيم من اختصاص بنظر الدعوى، حتى لو رفض أو تجاهل أحد الطرفين المشاركة في التحكيم. هذا إلى جانب ما تقرره الفقرة الأولى من المادة 18 من اللائحة نفسها التي تعطي محكمة التحكيم سلطة الأمر بإجراءات تحفظية تراها ضرورية للفصل في النزاع، والفقرة الثانية من المادة نفسها من أنه لا يعد خرقا لاتفاق التحكيم لجوء أحد الطرفين للقضاء الوطني طالبا الأمر باتخاذ مثل هذه الإجراءات .
هذا بالإضافة إلى أحكام جمعية التحكيم الأمريكية التي تبدو أكثر وضوحاً وتفصيلاً في تقرير الأثر الإيجابي لشرط التحكيم الإلكتروني، ومن أهم نتائجه .
-إذا اتفق الأطراف على فض النزاع عن طريق التحكيم الإلكتروني في رحاب جمعية التحكيم الأمريكية، فإن ذلك يعني السماح للجمعية بإدارة عملية التحكيم، إذ تعد الجمعية هي الجهة المختصة - باتفاق الأطراف - بنظر موضوع النزاع والفصل فيه، ويمتنع من ثم على أي جهة أخرى نظر ذات النزاع.
-يعد لجوء الأطراف إلى الجمعية لتسوية منازعاتهم بطريقة إلكترونية رضاء منهم بالخضوع لأحكام الإجراءات التكميلية المنظمة للتحكيم الإلكتروني، حيث تعد هذه الأحكام بمثابة جزء لا يتجزأ من اتفاق التحكيم. وتأسيساً على ذلك، وتطبيقاً لمبدأ سريان القانون بأثر فوري، فإن أي تعديل يطرأ على هذه الإجراءات ينتج أثره من تاريخ صدوره، دون أن يمتد للتحكيمات القائمة، على اعتبار أن رضاء الأطراف باللجوء إلى الجمعية سبق وأن تقرر استناداً للقواعد السارية وقت لجوئهم إليها، ومن ثم لا يشمل هذا الرضاء التعديل اللاحق.
وإذا كان تركيز تنظيم محكمة الفضاء وإجراءات جمعية التحكيم الأمريكية قد انصب على الأثر الإيجابي لشرط التحكيم، فإن الأثر السلبي لا يحتاج لنص خاص يقرره، ولا سيما أن التأكيد على الأثر الإيجابي ينطوي بمفهوم المخالفة على تقرير الأثر السلبي. فمن نتائج اختصاص هيئة التحكيم بنظر النزاع حث القضاء على عدم قبول الدعوى، ولذا كان نص اتفاقية نيويورك - التي تنضم إليها غالبية دول العالم . واضحاً في إلقاء التزام عام على عاتق محاكم الدول المتعاقدة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحيل الخصوم - بناء على طلب أحدهم . إلى التحكيم.