الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / أثار اتفاق التحكيم / الكتب / الموجز فى النظرية العامة للتحكيم التجاري الدولي / موقف الأحكام القضائية وأحكام التحكيم من مبدأ نسبية آثار اتفاق التحكيم بالنسبة للأشخاص

  • الاسم

    د. حفيظة السيد الحداد
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    منشورات الحلبي الحقوقية
  • عدد الصفحات

    529
  • رقم الصفحة

    244

التفاصيل طباعة نسخ

موقف الأحكام القضائية وأحكام التحكيم من مبدأ نسبية آثار اتفاق التحكيم بالنسبة للأشخاص:

أثيرت مشكلة نسبية اتفاق التحكيم في العديد من المنازعات سواء أمام المحاكم الوطنية وأمام قضاء التحكيم ولعله من المناسب قبل أن نستخلص الاتجاه العام لهذه الأحكام أن نعرض الجانب منها وللوقائع التي صدرت هذه الأحكام بشأنها:

قضية  Dow Chemical:

 تتلخص وقائع هذه القضية في العقدين المبرمين بين شركتين من الشركات الفروع للشركة الأم Dow Chemical ، مع العديد من الشركات الأخرى ومن بينها الشركة الفرنسية Lsover Saint Gobain، بشأن توزیع مواد عازلة للحرارة produits disolation thermique . ولقد تضمن كل من العقدين شرط تحكيم وفقاً لقواعد غرفة التجارة الدولية بباريس.

وعلى أثر المنازعات التي نشأت بسبب جودة المنتجات، شرع في اتخاذ إجراءات التحكيم من قبل الشركتين التابعتين لمجموعة Dow والموقعتين على العقد وأيضاً الشركة الأم وفرع آخر والذين لم يوقعوا على العقد.

ولقد اعترضت الشركة المدعى عليها Lover Saint-Gabain على اختصاص محكمة التحكيم بالفصل في الطلبات المقدمة من هاتين الشركتين الأخيرتين مستندة إلى أنهما لم تكونا أطرافاً في العقد المتضمن الشرط التحكيم. ولقد رفضت محكمة التحكيم في حكم تمهيدي  أصدرته في ۲۳ ديسمبر  ۱۹۸۲ هذا الدفع بعدم اختصاصها ولقد استندت المحكمة في معرض تأييدها لهذا الاختصاص بنظر المنازعة  المعروضة عليها، إلى فكرة استقلالية اتفاق التحكيم.

وبعد ذلك قامت المحكمة بالتعرض للظروف المحيطة بإبرام وتنفيذ وفسخ العقود المتنازع عليها وانتهت إلى تقرير أنه أخذاً بعين الاعتبار بالطابع الاقتصادي الموحد المجموعة الشركات وعلى الرغم من الشخصية القانونية التي تتمتع بها كل شركة من هذه الشركات المكونة لهذه المجموعة فإن شرط التحكيم الذي تم قبوله صراحة من بعض شركات هذه المجموعة، يتعين أن يلزم الشركات الأخرى، والتي من خلال الدور الذي لعبته في إبرام، تنفيذ أو فسخ العقود المتضمنة هذه الشروط، قد ظهرت على نحو ما كشفت عنه الإرادة المشتركة لجميع الأطراف في الإجراءات، كما لو كانت طرقاً فعلياً في هذه العقود، أو أنها معنية بالدرجة الأولى بها وبالمنازعات التي يمكن أن تتمخض في عنها.

ولقد رفضت محكمة استئناف باريس الطعن بالبطلان ضد حكم التحكيم مقررة بأن المحكمين قضوا في المنازعة المعروضة عليهم بناءً لما لهم من سلطة مطلقة في تفسير العقود المبرمة والوثائق المتبادلة بین الأطراف وقت  المفاوضات ووقت فسخ العقود وأنهم فيما انتهوا إليه من قضاء قد استندوا إلى تسبيب واضح وخالٍ من التناقض، وبناءً على تفسيرهم للإرادة المشتركة لكل من الشركات المعنية، فإن شركة Dow Chemical الأم وشركة Dow Chemical فرنسا، كلتاهما كانت طرفاً في العقود على الرغم من أنهما لم تقوما بالتوقيع عليها، وبهذه المثابة يسري شرط التحكيم في مواجهتهم .

حكم محكمة استئناف Pau في قضية .Sponsor A.B

في ولقد ذهبت محكمة استئنافي Pau في حكمها الصادر في ٢٦ نوفمبر قضية ... Sponsor إلى أن شرط التحكيم الموقع من الشركة الفرع يلزم الشركة الأم، على الرغم من أن هذه الأخيرة لم توقع عليه .

ولقد استندت محكمة استئناف Pau على نفس الحجج التي لجأت إلى محكمة استئناف باريس في قضية Pau.

ومع ذلك فإن محكمة Pau قد وصلت إلى مدى أبعد من ذلك الذي وصلت إليه محكمة استئناف باريس، إذ أن هذه الأخيرة لم تذهب إلى حد القول بأن مد أثر اتفاق التحكيم على الشركات لم توقع على الاتفاق يعد قاعدة عامة أو مبدأ عاماً، وإنما كان ظاهر من حكمها أن الأمر يتعلق باستثناء يرد على مبدأ الأثر النسبي لاتفاق التحكيم تبرره اعتبارات خاصة من مشاركة الشركات التي لم توقع على العقد في إبرامه وتنفيذه وفسخه، بينما ذهبت محكمة Pan إلى القول بأنه من المقبول قانوناً، أي أنها جعلت من التزام الغير الذي لم يوقع على اتفاق التحكيم، قاعدة عامة .

والواقع من الأمر أن امتداد أثر اتفاق التحكيم الموقع من شركة أو أكثر من الشركات المكونة للمجموعة على شركة أو أكثر من الشركات الأخرى المكونة لذات المجموعة لا يمكن أن يكون قاعدة عامة، إذ يتوقف تقرير ذلك الأمر على عامل متغير قد يختلف من حالة إلى أخرى كالإرادة المشتركة للشركات المجموعة وعلى وجه أكثر تحديداً تلك الشركات المعنية بالعقد محل المنازعة والمتعاقد معها، وعلى عامل ثابت هو وجود مجموعة الشركات .

وفي قضية Dow حرصت كل من هيئة التحكيم ومحكمة استئناف باريس على الإشارة إلى أهمية العامل الأول مع تحاشي أي تعميم يؤدي إلى التضحية بفكرة الشخصية القانونية المستقلة لشركات المجموعة ويمكنه أن يمس الإرادة المشتركة لهذه الشركات المتعاقد معها ويهدرها.

قضية Karsmas Marma

ولقد حرصت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في ٣٠ نوفمبر ۱۹۸۸ على أن تؤكد من جديد أن شرط التحكيم المدرج في عقد دولي يتمتع بالصحة والفعالية الذاتية، والتي تقتضي من تطبيقه وإعماله على الأطراف المعنية مباشرة بتنفيذ العقد المدرج فيه هذا الشرط، والمنازعات الناشئة عن تنفيذه وذلك بمجرد التحقق من أن مكانتها ونشاطها يفترضان أنها كانت عالمة بوجود شرط التحكيم ومضمونه على الرغم من عدم توقيعها على العقد الذي نص على هذا الشرط .

قضية is France ضد Société Générale

ولقد أكدت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في ۳۱ اکتوبر ۱۹۸۹ على مد أثر اتفاق التحكيم داخل مجموعة الشركات ، ويتعلق الحكم الذي صدر فيه هذا القضاء بالعقد الذي أبرمته الشركة الأم مع المتعاقد معها والذي أطلق عليه إطار تعاقدي Convention Cadre والذي حدد فيها أنها تصرف باسم ولصالح الشركات الفروع وبالتطبيق لهذا الاتفاق، قامت الفروع  بالتعامل مع المتعاقد  مع الشركة الأم وفروعه وإبرام العقود معه والتي أشارت إلى الإطار التقليدي .

ولقد أصدرت محكمة التحكيم، التي عرضت عليها المنازعة الناشئة بين المتعاقد مع الشركة الأم وفروعها، في حكمها الصادر في ٢٧ يناير ۱۹۸۹ أن المتعاقد مع الشركة الأم وفروعها يمكنه أن يختصم في المنازعة المعروضة على المحكم ليس فقط الشركة الأم ولكن أيضاً فروعها

ولقد أسست هيئة التحكيم هذا الحكم على تحليلها للعقود المبرمة بين الأطراف.

وعند الطعن على الحكم المتقدم أمام محكمة استئناف باريس، وافقت هذه الأخيرة هيئة التحكيم فيما ذهبت إليه من تفسير للعقود وما لاحظته من التدخل الوثيق بين الالتزامات المتبادلة الواقعة على عاتق الأطراف وأيضاً مركز السيطرة الذي تتمتع به الشركة الأم في مواجهة فروعها الخاضعة لما تصدره من قرارات تجارية ومالية لكي تصل إلى أن الإرادة المشتركة للأطراف بأن تعتبر كل من الشركة الأم والشركة الفرع مدينين مباشرين بالمبالغ التي تكون مستحقة عليهما أو على إحدى فروعها وهو ما يجعل دعوى المتعاقد مع هذه الشركة وفروعه مقبولة بالاستناد إلى هذا الالتزام .

وإذا كانت الأحكام الصادرة عن القضاء الفرنسي المتقدم تذهب في اتجاه تقرير مد أثر اتفاق التحكيم في مواجهة الشركة التي لم توقع على العقد طالما كانت الظروف المحيطة بالعقد تفيد أن هذه الشركة كانت على اتصال بهذا العقد بطريقة أو أخرى سواء بطريق المساهمة في المفاوضات أو التنفيذ أو الفسخ، فإن أحكام التحكيم أيضاً تميل إلى تبني هذا الاتجاه

ففي القضية رقم 5721 لسنة 1990الصادرة وفقاً لقواعد غرفة التجارة الدولية في باريس ذهبت محكمة التحكيم إلى أن "انتماء الشركتين إلى مجموعة واحدة، أو سيطرة أحد المساهمين لا تعد مطلقاً و وفي حد ذاتها أسباباً كافية تبرر التغاضي عن الشخصية القانونية المستقلة التي تتمتع بها هذه الأشخاص كأصل عام ".

فإذا كانت الشركة أو الشخص الطبيعي يعد بمثابة المحور pivot للعلاقات التعاقدية التي تمت في شأن مسألة محددة، فإنه يبدو من الملائم أن يتعرض المرء لأن يبحث بعناية عما إذا كان الاستقلال القانوني للأطراف، يتعيَّن استبعاده بشكل استثنائي من أجل إصدار حكم في مواجهة جميع الأطراف المعنية، فقبول مثل هذا الاستثناء أمر وارد عندما يظهر من واقع الحال أن هناك اتحاد في الذمة قد يتحقق من قبل المجموعة أو المساهم الذي يملك أغلبية الحصص

ولقد حرص حكم التحكيم إلى الإشارة إلى أنه بالنظر للطابع التعاقدي للتحكيم، فإن مد نطاق اتفاق التحكيم لا يمكنه أن يتم بصفته وسيلة لتوقيع الجزاء على مسلك الغير، إذ أن مثل ذلك الأمر محجوز لولاية المحاكم العادية التي يمكن للطرف أمامها أن يتمسك بالحجة المستندة إلى عدم الاعتداد بالشخصية القانونية المستقلة لهذه الأشخاص .

وتميل أحكام التحكيم إلى مد أي أثر اتفاق التحكيم على الشركة الأم إذا كان من الثابت من مسلكها وقف المفاوضات أو تنفيذ العقد أنها أرادت الانضمام إليه ضمنياً.

فلقد ذهبت محكمة التحكيم في القضية رقم ٥١٠٣ لسنة ١٩٨٨ وفقاً القواعد الغرفة التجارية في باريس إلى امتداد أثر الاتفاق على التحكيم إذ ثبت أنه لحظة إبرام العقد وتنفيذه أو عدم تنفيذه وإعادة المفاوضات بشأن العلاقات التعاقدية أن المشروعات المدعى عليها قد ظهرت وفقاً للإرادة المشتركة لكل الأطراف في الإجراءات، كأنها أطراف في العملية التعاقدية.

فالاتجاه الملموس سواء على صعيد الأحكام القضائية أو أحكام التحكيم يميل إلى مد أثر اتفاق التحكيم على الغير الذي لم يوقع عليه إذا كانت الظروف المحيطة به تظهر أن هذا الغير بتدخله العملية التعاقدية في أي مرحلة من مراحلها يعد بمثابة طرف يحتج عليه بشرط التحكيم الوارد فيه ويمكنه هو أيضاً أن يتمسك به وذلك بالاستناد إلى تفسير إرادة الأطراف، أي الشركات الأعضاء في مجموعة الشركات

والواقع أن مجرد الاستناد إلى تفسير هذه الإرادة وهو التفسير الذي يتمتع المحكمون بصدده بسلطة تقديرية واسعة ، يؤدي إلى ضرورة التحفظ على هذا الاتجاه الذي يعبر عن الرغبة في جلب الاختصاص للمحكم على طريق هذا التفسير الذي قد يكون تحكمياً في بعض الأحيان، ومعبراً بذلك عن الميل الدائم للمحكمين في الفصل في المنازعات المعروضة عليهم على نحو دفع جانب من الفقه الغربي إلى وصف هذه النزعة بالاستحواذ التحكيمي .

ولعله قد يبدو من الأفضل بدلاً من الارتكاز على تفسير إرادة الأطراف اللجوء إلى استخدام قاعدة قانونية قاطعة وصريحة وإن كانت تتضمن في ثناياها، من حيث مد اتفاق التحكيم للاحتجاج به في مواجهة الغير الذي لم يوقع عليه، نوع من الجزاء سواء كانت هذه القاعدة مستمدة من نظرية الظاهر apparance أو فكرة اتخاذ الذمة confusion أو تدخل الشركة الأم في عمل الشركة الفرع.

ولا سيما أن اللجوء إلى تفسير إرادة الأطراف قد يؤدي إلى خلق نوع من القرينة القانونية من مقتضاها من اتفاق التحكيم على الشركات المكونة للمجموعة على الرغم من عدم توقيعها على العقد وهو الأمر الذي لا بد من تحاشيه تجنباً لردود الأفعال الدفاعية والتي قد يكون من شأنها رفض الالتجاء إلى التحكيم كلية .

فازدهار التحكيم، والاعتراف بأكبر قدر من الفعالية لاتفاق التحكيم أن يوجد هذا الاتفاق أولاً، دون افتراض تحقق وجوده والزام الأطراف التي لم توقع على هذا الاتفاق به ولو لم تقبله صراحة.

وأيا ما كان الأمر، فإن السؤال الذي يتعين طرحه الآن هو : هل هذه الحلول التي قامت الأحكام، سواء أحكام القضاء أم أحكام المحكمين بالتوصل إليها هي نفسها الحلول التي تم التوصل إليها بشأن المنازعات التي تكون الدولة هي التي وافقت على العقد وتم التمسك بشرط التحكيم الوارد به في مواجهة أحد أجهزتها، أو كان الموقع على العقد هو أحد أجهزة الدولة وتم التمسك بشرط التحكيم الوارد فيه في مواجهة الدولة؟ للإجابة على هذا التساؤل يتعين بحث فكرة الأثر النسبي لاتفاق التحكيم ومدى إعماله بشيء من العقود المبرمة سواء بواسطة الدولة أو أحد أجهزتها.

119