إن الرقابة المسبقة على حكم المحكمين يعهد بها في جميع الحالات إلى هيئة دائمة مشكلة من أعضاء معينين بواسطة هيئة التحكيم وبصفة عامة، يقع على كامل هذه «الهيئة عبء إدارة التحكيم ولكن واقع الحال أن يكون دورها الوحيد هو رقابة مضمون أحكام المحكمين الصادرة في داخل الغرفة أو المركز». وإعادة فحص القضية في ثاني درجة يعهد به أيضاً إلى هيئة منبثقة من مركز التحكيم أو غرفة التحكيم، إنما تبعاً لنماذج مختلفة، وهنا لا يكون الخصوم أحراراً في اختيار المحكمين الذين يقومون بإعادة فحص القضية المتنازع حولها، وكل ما يملكونه (وفقاً لنص المادة ١٠٤٥٥ من قانون أصول المحاكمات المدنية الفرنسي) أنه يمكنهم طلب استبدال أحد هؤلاء المحكمين المعينين.
يجمع هذين الإجراءين قاسم مشترك، وهو توقع مشروع حكم المحكمين في المرحلة الأولى؛ وهذا المشروع هو الذي يخضع للرقابة المسبقة للهيئة المشرفة على التحكيم، ولا يتحول حكماً تحكيمياً إلا إذا صدقت عليه وأقرته الهيئة المذكورة المكلفة بالرقابة.
وبالرغم من هذا التشابه بين كل من الرقابة السابقة، وإعادة فحص القضية بدرجة ثانية يظهر بعض الفوارق، فعلي حين أن الرقابة السابقة لحكم المحكمين تعد التزاماً أو شرطاً ضرورياً الإصدار حكم المحكمين، فإن فحص المحكم في درجة ثانية رخصة مخوّلة للخصوم، ولكن هذه الرخصة لا تفترض لإعمالها اتفاق الخصوم، فيكفي أن أحد الأطراف يقدم على إعمال هذه الرخصة حتى تصير حقا، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن كل من الإجراءين يتم إعمالهما في أوقات مختلفة لسير العملية التحكيمية ، فالرقابة المسبقة تتم قبل النطق بحكم المحكمين وإعلانه للخصوم، فهي عنصر مداولة بالحكم التحكيمي؛ أما إعادة فحص النزاع، فيتم على العكس ،طلبه، بعد توقيع مشروع الحكم وإعلانه إلى أطرافه، مع الإشارة إلى أن الغاية من الإجرائين مختلفة، فالرقابة السابقة على مشروع حكم المحكمين القصد منها ضمان صحة قرار المحكمين، وضمان فعاليته القانونية بتنقيته - إذا لزم الأمر - من العيوب التي تشوب عدم صحته تلك.
بالرغم من الإيجابية الظاهرة لكل من هذين الإجرائين المذكورين يبقى التساؤل مطروحاً حول مدى جديتها أو اعتبارها معوّقاً للتحكيم : فمن ناحية، إن تكييفهما مثير للجدل، إذ أحياناً تم تكييفهما بأنهما طرق طعن داخلية في هيئة التحكيم المختارة من الطرفين المتنازعين، وقد قضت محكمة زوريخ السويسرية بأن الرقابة المسبقة على مضمون حكم المحكمين يجب التسليم بها، أي قبولها بنفس قدر إمكانية الطعن بالإستئناف أمام هيئة التحكيم المراقبة؛ علماً أن الغالبية من التحليلات تفرّق بين الآليتين أو صورتي الرقابة، إذ ان الرقابة المسبقة لحكم المحكمين تعد نوعاً من الرقابة الإدارية تتم من قبل هيئة التحكيم في إطار مهمتها التعاقدية في إدارة التحكيم، في حين أن إعادة فحص النزاع في الدرجة الثانية يعتبر طريق طعن داخلي (الغرفة التحكيم). ومن ناحية أخرى نازع بعض الفقه «مشروعية» هذه الرقابة المسبقة، وعارض هذا الإجراء كما هو منصوص عليه في نظام غرفة باريس، حتى أن البعض قال بانعدام حكم المحكمين الصادر وفقاً لهذه الشروط الرقابية، لأن ذلك يخالف النظام العام الدولي؛ وذهب بعض أحكام القضاء المقارن إلى نفس هذا المعنى.
والآن، ماذا عن معوقات الطعن بالبطلان؟! قد يتراءى للبعض بأن الطعن الموجه إلى القرار التحكيمي النهائي والصادر عن الهيئة التحكيمية المُراقبة أمر جيد لزيادة حسن الرقابة على هذا القرار لأسباب متعددة، إلا أن الممارسة العملية لعملية الطعن هذه قد تستخدم - أو أنها تستخدم فعلاً – كمعوّق للتحكيم التجاري الدولي لا بل إضعافه والخروج بالتالي عن الغايات التي وضعت له كبديل عن اللجوء إلى القضاء الرسمي، ولعل ذلك يبرز واضحاً خلال أسباب الطعن المكرسة في من القوانين الوطنية أو المتفق عليها في اتفاقية نيويورك لتنفيذ الأحكام التحكيمية والصادرة عام ١٩٥٨ .
إن هذا يقودنا بداية إلى استعراض أوجه الطعن بالبطلان، ذلك أن التشريعات تختلف في بيان أوجه هذا الطعن، ففي بعض التشريعات كالتشريع البريطاني مثلاً، لا يحدد أسباباً محددة لذلك، وقد تأثرت بعض التشريعات العربية جزئياً بهذا المفهوم ولا سيما قانون أصول المحاكمات المدنية في دولة الإمارات العربية المتحدة. وذلك في حالة التحكيم الذي يتم خارج المحكمة ) وهذه النظم تعطي القاضي الرسمي سلطة تقديرية واسعة، ويكون البطلان مبنياً على اعتبارات شخصية مستمدة من السلوك الخاطىء للمحكم وربما من جانب الخصوم، ولا سيما إذا كان هناك مخالفة للقانون