الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / أثار اتفاق التحكيم / الكتب / مفهوم الكتابة في اتفاق التحكيم / القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم

  • الاسم

    د. أحمد صدقي منصور
  • تاريخ النشر

    2004-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    93
  • رقم الصفحة

    196

التفاصيل طباعة نسخ

القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم

يعد موضوع القانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع من أهم قضايا التحكيم ، وذلك لأن اتفاق التحكيم شأنه شأن سائر العقود يجب إسناده إلي قانون معين يحكم شروط انعقاده وصحته ونفاذه ويهئ له السبل لإجبار المتعاقدين علي احترام ما يتولد عنه من التزامات.

ومسألة تعيين القانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع أمر لا مفر منه سواء أمام المحكم الذي ينظر النزاع أو أمام القاضي ، حيث تثور هذه المسألة أمام القاضي عندما يرفع أحد طرفي النزاع دعوى ببطلان حكم التحكيم استنادا إلي عدم وجود اتفاق التحكيم أو بطلانه ، كذلك تثور مسألة عندما يقدم إلى القاضي طلب تنفيذ حكم تحكيم ، ففي هاتين الحالتين يتعرض القاضي لمسألة تعيين القانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع . وتثور هذه المسألة كذلك أمام المحكم عندما يدفع أحد الطرفين بعدم وجود اتفاق تحكيم أو بطلانه أو عدم شمول اتفاق التحكيم للنزاع المطروح أمامه .

ويمكن القول بوجه عام بأن القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم يحكم مسائل معينة وهي :  - وجود شرط التحكيم وصحته. فهذا القانون هو الذي يحكم مدي توافر التراضي وعيوب الإرادة وكذلك المحل والسبب ، وقد تثور مسألة وجود اتفاق التحكيم وصحته أمام القاضي عندما يكون النزاع مطروحة أمامه ويطلب منه التخلي عن اختصاصه لهيئة التحكيم استنادا إلى الأثر المانع الاتفاق التحكيم علي النحو السابق بيانه ، ففي هذه الحالة يتعرض القاضي المسألة لصحة أو بطلان اتفاق التحكيم ، وكذلك تثور هذه المسألة أمام هيئة التحكيم عندما تفصل في مسألة اختصاصها ، فهي تتصدى لتقرير مدي وجود اتفاق التحكيم وصحته بوصفه مسألة أولية قبل التعرض الموضوع النزاع. وفي هذه الحالات جميعا فإن مسألة تقدير وجود اتفاق التحكيم وصحته تخضع للقانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع.

 ٢- الآثار التي تترتب على اتفاق التحكيم : فهذا القانون هو الذي يحدد اختصاص المحكم بالفصل في النزاع ، وحق هيئة التحكيم في الفصل في

اختصاصها عند المنازعة فيه.

 ٣- تفسير اتفاق التحكيم : فهذا القانون هو الذي يخضع له قواعد التفسير المقررة بالنسبة للعقود ، وذلك عند غموض اتفاق التحكيم وحاجته إلي تفسير لاستجلاء معاني العبارات ، ومن أهم هذه القواعد أن نصوص العقد يفسر بعضها بعضا ، والاستهداء بطبيعة التعامل والعرف الجاري في المعاملات استظهارا لنية الأطراف المشتركة.

4 - أن هذا القانون هو الذي يقرر اختصاص القضاء الوطني بالمسائل المتعلقة

بالتحكيم وحدوده وكيفية وضعه موضع التنفيذ.

ويمكن القول أيضا بأن هناك ثلاث مسائل تخرج عن نطاق تطبيق القانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع وهي : 

أولا : الأهلية : فعلى الرغم من أن الأهلية تعد من المسائل المتعلقة باتفاق التحكيم ، إلا أنها لا تخضع للقانون الذي يحكم هذا الاتفاق ، فمن المستقر عليه وفقا لقواعد القانون الدولي الخاص في مختلف دول العالم خضوع الأهلية للقانون الشخصي للطرف المتعاقد على النحو السابق بيانه في هذا الدراسة. ويمكن القول بان الأنظمة القانونية في العالم منقسمة بشأن تحديد معني القانون الشخصي إلي  تحديد هذا القانون بين قانون مقر التحكيم ، والقانون الذي يختاره الأطراف ، فقد يتفق الأطراف علي إخضاع صحة اتفاق التحكيم - من حيث الشكل - لقانون معين ، قد يتمثل في القانون الذي يحكم صحته من حيث الموضوع ، أو في قانون بلد إبرام اتفاق التحكيم .

وبعد استعراض نطاق تطبيق القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم بوجه عام ، فإنه يبقي أن نحدد القانون الذي يحكم موضوع النزاع ، وإذا كان الأصل أن يتم تطبيق القانون الذي يتفق عليه الأطراف ، فإن الفقه والتشريعات الوطنية والمعاهدات الدولية قد اختلفت في تحديد هذا القانون في حالة تخلف اتفاق الأطراف ولذلك فإننا نقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب :

١- خضوع اتفاق التحكيم لقانون الإرادة.

 ۲- تحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم في حالة تخلف الإرادة. 

۳- موقف التشريعات الوطنية والمعاهدات الدولية من ذلك القانون.

خضوع اتفاق التحكيم لقانون الإرادة :

يذهب الرأي الغالب في الفقه المؤيد بالقوانين الوطنية والمعاهدات الدولية إلي أن القانون الذي يحكم موضوع اتفاق التحكيم هو قانون الإرادة المستقلة الذي يختاره الأطراف.

وينطلق هذا الاتجاه من اعتبار اتفاق التحكيم بمثابة عقد ، والعقود تخضع

لقانون الارادة ،الذي يعطي الإرادة دورا هاما وسلطة واسعة في اختيار القانون علي : العقد شريعة المتعاقدين ، ويتميز هذا المعيار بأنه يحقق عنصر الأمان بين الأطراف حيث إنهم يكونون على علم مسبق بالقانون الواجب التطبيق بناء على اختيارهم له.

وقد يكون تحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم عند تحرير اتفاق التحكيم ، حيث يتضمن بنوده بندأ يحدد فيها القانون المختص ، ومع ذلك صح للأطراف تحديد هذا القانون بعد إبرام اتفاق التحكيم في محرر مستقل أو حتى شفاهة أمام الجهة التي ستنظر التحكيم.

ويثور التساؤل حول مدي حرية الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع ؟ بمعني هل يلزم أن يكون لاختيار الأطراف لهذا القانون صلة باتفاق التحكيم أم أن اختيار الأطراف له متروك لمطلق تقديرهم ؟. ۔

اختلف الفقهاء والتشريعات الوطنية المقارنة في الإجابة علي هذا التساؤل بين اتجاهين : 

الأول : اتجه بعض الفقه ) إلي وضع قيد علي حرية المتعاقدين في اختيار

القانون الواجب التطبيق ، ووجوب أن تكون هناك صلة ولو فنية بين القانون المختار والعقد الأصلي أو موضوع النزاع ، فمثلا يمكن أن يكون قانون احد

طرفي الاتفاق ، أو قانون المكان الذي يجري فيه التحكيم أو قانون المكان الذي أبرم فيه العقد الأصلي ، أو قانون العقد المبرم بشانه اتفاق التحكيم ، أو قانون الدولة التي سيجري فيها التحكيم. أما الاختيار المطلق السائب فغير جائز.

ومن التشريعات الوطنية التي أخذت بهذا الاتجاه قانون التحكيم الأسباني رقم ۲۹ لسنة ۱۹۸۸ حيث نص بالمادة 16 منه على أن " يحكم صحة اتفاق التحكيم وآثاره القانون الذي حدده الأطراف صراحة بشرط أن يكون على صلة بالعملية القانونية الأصلية أو بالنزاع ......" ومقتضى هذا النص أن القانون الذي اختاره الأطراف لابد أن يكون على صلة بالعقد أو العلاقة القانونية غير العقدية أو موضوع النزاع المبرم بشأنه ذلك الاتفاق ، فإن تخلفت تلك الصلة كان للهيئة القضائية ، المطروح أمامها النزاع بشأن وجود اتفاق التحكيم أو صحته ، أن تطرح ذلك القانون جانبا ، وتنهض هي بتعيين القانون الذي تتوفر معه هذه الصلة.

 الثاني : اتجه غالبية الفقهاء ) إلي إعطاء الأطراف حرية كاملة في اختيار القانون واجب التطبيق ، وأنه يجب إسقاط أي قيد يوضع علي حريتهم في الاختيار ، استنادا إلي أن استلزام أية صلة بين القانون واتفاق التحكيم يعد قيدا يتناقض مع التيسير الواجب للأطراف في المبادلات والمعاملات الدولية، وكذلك فإنه في مجال التجارة الدولية غالبا ما يجري العمل علي إبرام عقود البيع بالإحالة إلي عقود نموذجية أو شروط عامة تتضمن شرط التحكيم وتنص علي تطبيق قانون معين على اتفاق التحكيم وقد يكون هذا القانون منقطع الصلة بالاتفاق.

وقد أخذ بهذا الاتجاه أحكام القضاء المقارن وقرارات التحكيم التجاري الدولي.

ويثور تساؤل أخر عن مدي إمكانية اختيار الأطراف لأكثر من قانون ليحكم اتفاق التحكيم ومدي حريتهم في تجزئة اتفاق التحكيم وإخضاعه لأكثر من قانون ؟

ذهب بعض الفقهاء إلي أن القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم وموضوعه وإجراءاته لا يمكن أن يتجزا ، وذلك للحفاظ على الوحدة البنائية لاتفاق التحكيم ، فضلا عن أن إخضاع كل جانب من اتفاق التحكيم الى قانون قد يؤدی  إلى الإخلال بالتوازن والوحدة الموضوعية لذلك الاتفاق.

وذهب الرأي الراجح إلى حرية الأطراف في تجزئة اتفاق التحكيم واخضاعه لأكثر من قانون ، استنادا إلي أن الواقع العملي يجعل تجزئة اتفاق التحكيم أمرا لابد منه ويفرض نفسه ، وذلك لأن معظم الاتفاقيات الدولية التشريعات الوطنية التي واجهت كيفية حل تنازع القوانين في اتفاق التحكيم تعترف بأن هناك مسائل تخضع لقانون آخر غير الذي أراده الأطراف كمسائل الأهلية وشكل التحكيم على التفصيل السابق بيانه. وفضلا عن ذلك فإن اتفاق التحكيم يخضع أيضا إلي القواعد الآمرة في قانون الدولة التي يتصل بها موضوع النزاع أو يطلب فيها التنفيذ.

وبالرغم من ذلك ، ومع التقرير بحرية الأطراف في تجزئة الاتفاق واخضاعه لأكثر من قانون ، يجب الحفاظ علي الوحدة البنائية لاتفاق التحكيم من حيث إبرامه ، وآثاره ، وانقضائه ، وإخضاعه لقانون واحد ؛ وذلك لأن تقطيع أوصال اتفاق و التحكيم واخضاع كل جانب منه لقانون يخل بالتوازن ويعرضه لأسباب البطلان التي قد يقررها أحد القوانين واجبة التطبيق عليه.

واذا كان القانون الذي يحكم اتفاق التحكيم يتعين تحديده في ظل مبدأ قانون الإرادة ، فإن ذلك لا يثير أية صعوبة عند إعماله في حالة اختيار القانون الواجب التطبيق علي نحو صريح. ولكن تثور الصعوبة في حالة عدم اختيار الأطراف صراحة لذلك قانونا ؟ ففي هذه الحالة يتعين علي المحكم أو القاضي بحسب الأحوال تحديد القانون الواجب التطبيق.