الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / موقف القانون المصري من التحكيم بالإحالة / الكتب / شروط اتفاق التحكيم وأثاره / شرط التحكيم بالإحالة في القانون المصري

  • الاسم

    د. باسمة لطفي دباس
  • تاريخ النشر

    2005-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    602
  • رقم الصفحة

    263

التفاصيل طباعة نسخ

شرط التحكيم بالإحالة في القانون المصري

   لقد سبق أن نوهنا إلى أن المشرع المصري عالج صراحةً مشكلة التحكيم بطريق الإحالة، وذلك بموجب المادة (۳/۱۰) من قانون التحكيم المصري، والتي تنص على أنه: "3- يعتبر اتفاقاً على التحكيم كل إحالة ترد في العقد إلى وثيقة تتضمن شرط تحكيم إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءا من العقد.

ومن خلال هذا النص نجد أن المشرع المصري قد أجاز صراحة اللجوء إلى التحكيم بطريق الإحالة.

وعليه فإن التساؤل الذي يمكن طرحه:

ما شروط صحة التحكيم بالإحالة في القانون المصري؟.

لاشك أن اتفاق التحكيم بالإحالة يجب أن يكون مكتوباً، وذلك استناداً لنص المادة (۱۲) من قانون التحكيم المصري والتي تنص على أنه: "يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلاً ". 

كما يستفاد ذلك أيضاً من نص المادة (۳/۱۰) من ذات القانون، والذي يقضي : إذا تضمنته وثيقة أحال إليها الأطراف...". 

   وإذا كانت الكتابة تلزم لوجود اتفاق التحكيم بالإحالة ولانعقاده، وإلا كان باطلاً، فالتساؤل الذي يمكن طرحه هل تلزم الكتابة في الإحالة ذاتها، شأنها شأن اتفاق التحكيم، بحيث يتعين أن تكون الإحالة مكتوبة، أم أن مجرد قبول الأطراف بها - أيّاً كان شكل هذا القبول يكفي للقول بصحة هذا الطريق من طرق التحكيم؟. وبعبارة أخرى

ما الشكل الذي يتعين إفراغ الإحالة فيه؟ 

  المشرع المصري لم يتطلب أن تكون الإحالة مكتوبة، كما هو الحال بالنسبة لاتفاق التحكيم. ويستند في رأيه هذا إلى عدة أسانيد: 

١- لو كان المشرع المصري يشترط أن تكون الإحالة مكتوبة، لما استخدم مصطلح واضحة في نص المادة (۳/۱۰) من قانون التحكيم. فكل ما تطلبته هذه المادة هو أن "تكون الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءا من العقد". فالمشرع المصري باستخدامه" مصطلح واضحة" إنما قصد التأكد من أن إرادة الأطراف قد انصرفت بالفعل إلى جعل شرط التحكيم الوارد في الوثائق المحال إليها جزءا من العقد وهذا ما يتحقق حتى ولو كانت الإحالة غير مكتوبة، أما لو جاءت الإحالة مكتوبة، فإن الكتابة تكون عندئذ للإثبات، وليست شرطاً لوجود الإحالة ذاتها.

۲ - يؤيد هذا الاتجاه الظروف التاريخية لنص المادة (۳/۱۰) من قانون التحكيم المصري. حيث إن معظم الأحكام التي جاء بها قانون التحكيم المصري، مستقاة من نصوص القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي أعدته لجنة الأمم المتحدة في ٢١ يونيه سنة ١٩٨٥. 

وفيما يخص التحكيم بطريق الإحالة فقد نظمته المادة (۲/۷) من القانون النموذجي والتي تنص على أنه: "... وتعتبر الإشارة في عقد ما إلى مستند يشتمل على شرط التحكيم بمثابة اتفاق تحكيم، شريطة أن يكون العقد مكتوباً، وأن تكون الإشارة قد وردت بحيث تجعل ذلك الشرط جزءاً من العقد". 

وتجدر الإشارة إلى أن نص المادة (۲/۷) من القانون النموذجي هو تقريباً نص المادة (۳/۱۰) من مشروع قانون التحكيم المصري قبل تعديلها، والتي كانت تنص على أنه : "... ويعتبر اتفاقا على التحكيم كل إحالة ترد في العقد إلى وثيقة تتضمن شرط التحكيم، إذا كانت الإحالة إلى هذه الوثيقة واضحة في اعتبارها جزءاً من العقد وكان العقد مكتوباً ....... 

ويبدو أن واضعي قانون التحكيم المصري رقم (۲۷) لسنة ١٩٩٤، قد تنبهوا للانتقادات التي وُجهت إلى نص المادة (۲/۷) من القانون النموذجي، ولاسيما فيما يتعلق بشرط الكتابة، ولهذا تم تعديل النص الوارد في مشروع القانون على النحو الذي جاء به نص المادة (۳/۱۰) بعد التعديل، وقد أسقط عمداً الشرط الخاص بالكتابة. 

وعليه يمكن القول إن المشرع المصري لا يشترط أن تكون الإحالة مكتوبة، والمهم أن يكون اتفاق التحكيم ذاته مكتوباً. 

  وأخيراً فقد اشترط المشرع المصري للقول بوجود شرط التحكيم بالإحالة أن تكون الإحالة واضحة في اعتبار الشرط جزءا من العقد.

اكتفي الفقه الفرنسي بدور انتقادي لنص المادة (۷) من القانون النموذجي، حيث تعرض لهذا التساؤل، وهو بصدد شرح المادة انفة الذكر. فمثلاً إن الفقيه "Fouchard" وصف هذا الشرط بأنه خرافي "Mysterieuse" ، أما الأستاذ "Oppetit" فقد انتهى إلى أنه من الصعب تفهم الشروط التي يمكن بها للإحالة الواردة في العقد الأصلي، أو علاقة الأساس، أن تجعل من شرط التحكيم الذي تتضمنه وثائق منفصلة، أو خارجية، جزءاً من العقد.

  وعليه يبقى التساؤل مطروحاً متى يمكن الجزم بأن إرادة الأطراف قد إنصرفت بالفعل إلى جعل شرط التحكيم الوارد في وثائق منفصلة أو خارجية عن العقد، جزءاً من هذا العقد؟. 

  شرط التحكيم الوارد في وثائق منفصلة عن العقد يصبح جزءاً من العقد، في كل الحالات التي تنصرف فيها إرادة الأطراف صراحة أو ضمنا، ولكن بشكل قاطع إلى إحداث هذا الأثر ، وهذا لا يتحقق إلا إذا كانت الإحالة خاصة، أي يجب أن تكون هناك إشارة خاصة إلى شرط التحكيم الذي تتضمنه الوثائق المحــــال إليها. وعليه فإن الإحالة العامة لا تكفي لجعل شرط التحكيم الوارد فــــي الوثائق المحال إليها جزءاً من العقد. 

ويستند أصحاب هذا الاتجاه إلى اعتبارين: 

1- الاعتبار الأول مستمد من صياغة المادة العاشرة ذاتها، والتي تشترط أن تكون الإحالة واضحة في اعتبار شرط التحكيم الذي تتضمنه الوثائق المحال إليها جزءا من العقد.

  فلو أن المشرع كان يقصد الاكتفاء بالإحالة العامة لنص على ضرورة أن تكون الإحالة واضحة في اعتبار الوثائق المحال إليها جزءاً من العقد. 

إذ إن هناك فارقاً بين انصراف إرادة الأطراف إلى جعل الوثائق التــــي تتضمن شرط التحكيم والمحال إليها جزءاً من العقد، وبين انصراف إرادة الأطراف إلى جعل شرط التحكيم الذي تتضمنه الوثائق المحال إليها جزءا من العقد، وهذه الحالة الأخيرة والتي تسمى بالإحالة الخاصة -هــي تجيب على ما تستلزمه المادة العاشرة من قانون التحكيم. ٢- أما الاعتبار الثاني فمستمد مما جرى عليه العمل بخصوص الإحالة إلى الشروط العامة أو العقود النموذجية. فقد أصبحت الإحالة أمراً عادياً ومألوفاً، ولاسيما في علاقات التجارة الدولية. فإذا ما اتفق الأطراف على الإحالة، فإن ذلك يكون عادة بهدف تكملة النقص الذي ينتاب العقد، وليس بهدف تحديـــد الجهة صاحبة الولاية، بالفصل في النزاعات التي تنشأ عن العقد. 

   وتجدر الإشارة أخيرا إلى أن محكمة النقض المصرية، قد تعرضت لهذه المسألة، وذلك قبل صدور قانون التحكيم رقم (۲۷) لسنة ١٩٩٤. فقد انتهت في العديد من أحكامها إلى أن: "إحالة سندات الشحن إحالة عامة إلى الشروط التي تضمنتها مشارطة إيجار السفينة من شأنها أن تجعل شرط التحكيم الوارد بمشارطة الإيجار مندمجاً في سندات الشحن، وملزماً للمرسل إليه باعتباره طرفا ذا شأن في سند الشحن يتكافأ مركزه ومركز الشاحن، حينما يُطَالب بتنفيذ عقد النقل، باعتباره أي المرسل إليه- صاحب المصلحة في عملية الشحن (۱) . وهذا ما قضت به محكمة النقض في أحد أحكامها: "... توجب المادة (۹۹) من قانون التجارة البحري ذكر اسم المرسل إليه في سند الشحن، كما توجب المادة (۱۰۰) من هذا القانون أن يكتب سند الشحن من أربع نسخ أصلية يوقع عليها كل من الشاحن والربان، وخصت المرسل إليه بإحدى هذه النسخ، ثم جاءت المادة (۱۰۱) من ذات القانون مقررة أن جميع المالكين، وهم من عبر عنهم النص الفرنسي لهذه المادة (بعبارة: 

Les partis intéressées au chargements

أي الأطراف ذوي الشأن في الشحن، ومقتضى ذلك أن يلتزم المرسل إليه بشرط التحكيم الوارد في نسخة سند الشحن المرسل إليه باعتباره في حكم الأصيل فيه، ومن ثم فلا يعتبر الشاحن نائباً عنه في سند الشحن، حتى يتطلب الأمر وكالة خاصة أو حتى يقال إن الشاحن قد تصرف في شأن من شؤون المرسل إليه، وهو لا يملك حق التصرف فيه".

 كما ذهبت محكمة النقض إلى أنه: "لا يشترط في هذه الحالة – أي صدور سند شحن يحيل إحالة عامة إلى شروط مشارطة إيجار - أن يكون الشاحن قد وقع سند الشحن الذي لا يعدو أن يكون في هذه الحالة إيصالا بإستلام البضاعة وشحنها على ظهر السفينة ".

مما تقدم نخلص إلى أن المشرع المصري وحسبما ذهب إليه بعض الفقه ونحن نؤيدة - لا يشترط في الإحالة أن تكون مكتوبة، فمجرد قبــــول الأطراف بها وأيّاً كان شكل هذا القبول - يكفي للقول بصحة التحكيم بطريق الإحالة. فلو كان المشرع المصري يشترط أن تكون الإحالة مكتوبة، لما استخدم مصطلح واضحة ، وإنما ذكر مصطلح "مكتوبة"، وفي نفس الوقـــــت إن المشرع المصري لم يشترط سوى أن يكون اتفاق التحكيم ذاته مكتوباً، وذلك بموجب المادة (۱۲) من قانون التحكيم المصري.

كما أن القول إن المشرع اشترط في الإحالة أن تكون مكتوبة، معناه فرض قيد لم يأت به المشرع، ومن ثم تحميل النص بأكثر مما يحتمل. 

ومن ناحية أخرى يشترط في الإحالة أن تكون واضحة في اعتبار شرط التحكيم الذي تتضمنه الوثائق المحال إليها جزءاً من العقد. وهذا لا يتحقق إلا إذا كانت الإحالة خاصة، فمجرد الإحالة العامة لا تكفي، وإنما يجب أن تكون هناك إشارة خاصة إلى شرط التحكيم الذي تتضمنه الوثائق المحال إليها. 

فلو كان قصد المشرع الاكتفاء بالإحالة العامة لنصَّ على ضرورة أن تكون الإحالة واضحة في اعتبار الوثائق المحال إليها، والتي تتضمن شرط التحكيم جزءا من العقد، ولم ينص على أن تكون الإحالة واضحة في اعتبار شرط التحكيم الذي تتضمنه الوثائق المحال إليها جزءا من العقد.