لم تتضمن أحكام قانون التحكيم المصرى الجديد حكما يفيد جوار الإحالة من القضاء إلى التحكيم أو العكس،فقد نصت المادة "13" على أنه: 1 - يجب على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه إتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى، 2- ولايحول رفع الدعوى المشار إليها في الفقرة السابقة دون البدء في إجراءات التحكيم أو الإستمرار فيها وإصدار حكـم التحكيم". كمـا لـم تتضمـن أحكام القانون الفرنسي الجديـد ليـة إشـارة فـي هـذا الصدد، وإكتفت المادة 1458" بإلزام المحكمة بالحكم بعدم الاختصاص عند التثبت من وجود اتفاق تحكيم صحيح بشأن النزاع المعروض.
ولعل الحكمة من تفادي النص صراحة على إلزام القاضي بإحالة النزاع إلى التحكيم في إنتفاء سلطة القضاء في إلزام المحكم بنظر النزاع،وهذا التفسير يرجح تقرير ذات الحكم في الفرض العكسي عندما يتبين للمحكم عدم إختصاصه بنظر النزاع فلايملك إحالة الخصوم إلى القضاء كنتيجة منطقية لتقرير عدم إختصاصه تاركاً للخصوم حرية الإلتجاء إلى القضاء أو العودة للتحكيم من جديد. ويظل التساؤل قائماً حول إمكانية إعمال قواعد الإحالة بين الجهات القضائية عندما تثور منازعات مرتبطة بين القضاء والتحكيم،فعـدم تصدی نصوص القانون لهذه المسألة يفتح الباب أمام الاجتهادات الفقهية بحثاً عن الحلول الملائمة للمشكلات التي يعرفها الواقع العملي أملاً في أن تجد حلاً لها بين نصوص التشريع في تعديلاته اللاحقة.وسنناقش كلا الفرضين تباعاً:
إحالة النزاع من التحكيم إلى القضاء:
يثور التساؤل حول إمكانية إحالة النزاع من التحكيم إلى القضاء عند وجود ذات النزاع أوشق منه أومسألة مرتبطة به أمام القضاء ويطلب أحد الأطراف من المحكـم إحالة النزاع إلى القضاء الفصل فيهما معاً ؟ فرقت بعض الأحكام القضائية بين وجود ارتباط بين النزاع المعروض على القضاء والنزاع المعروض على التحكيم إرتباطـاً لايقبل التجزئة، فتكون الإجابة لصالح إحالة الأمر برمته إلى القضاء عند وجود منازعات مرتبطـة إرتباطاً لايقبل التجزئة.
غير أننا نعتقد أنه لايجوز للخصم الدفع بالإحالة أمام المحكم لقيـام النزاع أمام محكمة وطنية،فوجـود إتفاق التحكيم صحيح يثبـت للمحكـم سـلطة نظـر الـنزاع ويمنـع عليـه الإحالة ، بل وحتى إذا كان الإتفاق باطلاً فإنه لايملك أيضاً أن يحيل الأطراف إلى المحكمة المختصة،فهذا أمر يخرج عن إختصاصه وتقتصر سلطته على الحكـم بعـدم الإختصاص،فسلطة المحكم إزاء النزاع تصبح منعدمة من لحظة تبين بطلان إتفاق التحكيم. فإذا كانت الإحالـة جـائزة بين جهات المحاكم فهذا مرجعه إلى أن القضاء هو صاحب الإختصاص الأصيل والولاية العامة بنظر المنازعات القضائية، وذلك على خلاف الوضع بالنسبة لهيئات التحكيم صاحبة الاختصاص المحدد والاختياري،وإن كان هذا لاينفي صفتها القضائية .
فإحالة النزاع للقضاء يتعارض مع القوة الإلزامية لإتفاق التحكيم ووجوب إحترام الجانب الإرادي في خصومة التحكيم، كمـا يواجـه إختلاف نطـاق إتفاق التحكيم أشخاصاً وموضوعاً عن موضوع الخصومة القضائية وأطرافها.
إحالة النزاع من القضاء إلى التحكيم:
إذا كان المحكم يمتنع عليه إحالة النزاع إلى القضاء،فهل تجوز الإحالة إليه من القاضي الوطني عندما يتبين للمحكمة المختصة وجود إتفاق صحيح على التحكيم وقابل لترتيب آثاره سواء تعلق بالنزاع برمته أو بشق منه؟ أوضحنا أن المادة "1458 من القانون الفرنسي اكتفت بالنص على التزام القضاء بالحكم بعدم الاختصاص عند وجود إتفـاق تحكيم صحيح دون أن توضح ما إذا كان القاضي يتجاوز ذلك إلى إحالة الأطراف إلى التحكيم لم يمتنع عليه ذلك ،بعكس أحكام القانون الأمريكي فإن المحاكم لاتكتفى بوقف الدعوى أمامها أو الحكم بعدم الاختصاص وإنما تحيل الأطراف إلى التحكيم أيا كان المكان الذي يتفق على إجراء التحكيم فيه،حتى ولو خارج الدولة .ويظل التساؤل قائماً حول القيمة القانونية لهذه الاحالة ومدى إلزاميتها للأطراف ولهيئة التحكيم المحال إليها النزاع.
ونحن لانؤيد فكرة الإحالة وإنما نرجح وقف الفصل في النزاع المثار أمام القضاء لحين الفصل في خصومة التحكيم المعروضة إذا لم يكن مرتبطاً إرتباطاً لايقبل التجزئة،وذلك إنطلاقاً من وجوب إحترام إتفاق التحكيم الصحيح، والإبقاء على إختصاص القضاء فيما يجاوز نطاق إتفاق التحكيم ومن ناحية أخرى فإن هذا الإتجاه يجنب رفض أو تعطيل أثر اتفاق التحكيم عند إحالة النزاع برمته للقضاء.
وهو ما إنتهت إليه بعض أحكام القضاء الأمريكي عندما أمرت بوقف الدعوى القضائية المرتبطة بموضوع النزاع المحال إلى التحكيم،ورفضت الدفع بعدم قابلية إتفاق التحكيم للتنفيذ. غير أنها أصدرت أمرأ لأطراف الدعوى القضائية التي لم تكن طرفاً في إتفاق التحكيم للإنضمام إلى التحكيم القائم بقبول کتابی خلال 30 يوما.وهذا ما يتعارض في تقديرنا مع الطابع الإختياري للجوء إلى التحكيم.