إذا كان ورود اتفاق التحكيم في صورة "شرط تحكيم" أو "مشارطة تحكيم" هو الشكل التقليدي لصور اتفاق التحكيم. فإن ورود اتفاق التحكيم على هيئة "شرط تحكيم بالإحالة" يعد من الصور الحديثة لاتفاق التحكيم، والتي تثير صعوبات عديدة تبرز بصفة خاصة في مجال تنازع القوانين حيث اختلاف أحكام القوانين بشأنه.
وقد نص قانون التحكيم المصري صراحة على شرط التحكيم بالإحالة في المادة 3/10 بقوله: "ويعتبر اتفاقاً على التحكيم كل إحالة ترد في العقد إلى وثيقة تتضمن شرط تحكيم إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءاً من العقد"
وقد أخذ المشرع المصري هذا الحكم نقلا عن القانون النموذجي للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي "أونسترال" لعام 1985 بشيء من التعديل في الصياغة.. حيث جاء في مادته السابعة "وتعتبر الإشارة في عقد ما إلى مستند يشتمل على شرط تحكيم بمثابة اتفاق تحكيمي شريطة أن يكون العقد مكتوباً وأن تكون الإشارة قد وردت بحيث يجعل ذلك الشرط جزءاً من العقد".
وإذا كان الاعتراف بشرط التحكيم بالإحالة، واعتباره "اتفاق تحكيم صحيحاً رغم عدم وروده صراحة في العقد الأصلي والاكتفاء بأن يحيل العقد الأصلي أو يشير إليه هو أمر تقتضيه طبيعة معاملات التجارة الدولية، وذلك لتكملة النقص أو سد الثغرات فيما يبرم من عقود، بينما تكون هناك عقود نموذجية عامة معروفة في مجال هذا التعامل التجاري الدولي.
فإنه لا يخفى ما يحمله هذا الأمر من خطورة تهدد الأساس الذي تقوم عليه فلسفة التحكيم، وهو مبدأ الرضائية نظراً لما قد يثور بشأن الاتفاق على التحكيم بهذه الصورة من شبهة عدم إحاطة طرف بشروط العقد أو الوثيقة المحال إليها، خاصة إذا كانت وثيقة عامة أو نموذجاً ولم تكن عقداً سابقاً بين الطرفين.الأمر الذي يدعو إلى وضع الضوابط التي تضمن توافر الأساس القانوني لاعتبار الإحالة اتفاقاً على التحكيم، وهو اتجاه إرادة الطرفين المشتركة بهذه الإحالة إلى الالتجاء إلى التحكيم.
فإذا لم تنطو هذه الإحالة على رضاء الطرفين الواضح بالتحكيم كوسيلة لحل ما قد ينشأ بينهما من منازعات متعلقة بالعقد، فإن الإحالة لا تكون كافية لاعتبارها "اتفاق تحكيم".
ويظهر جلياً الحرص على هذه الضوابط فيما اشترطه المشرع في قانون التحكيم المصري من أن تكون الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءاً من العقد. ومن ثم يترتب على عدم وضوح الإحالة في اعتبار شرط التحكيم في العقد المحال إليه جزءاً من العقد المحيل ألا تعد تلك الإحالة اتفاقا على التحكيم؛ طبقاً لقانون التحكيم المصري.
إذا كانوا بحكم تعاملهم المتكرر في نشاط معين يبرمون عقودهم وفق شروط عامة أو عقود نمطية تحتوي على شرط تحكيم، ويفترض قطعيا علمهم بها.
ومقتضى ذلك أنه إذا أثبت أن الطرف الذي ينكر شرط التحكيم بالإحالة لم يكن ليعلم بذلك الشرط في الظروف المعتادة، أو يتعذر أو يستحيل عليه أن يعلم به فلا يلزم به ويبقى الاختصاص بتسوية النزاع للقضاء العادي ما لم يبرم الأطراف اتفاق - مشارطة تحكيم يعيدون به الاختصاص للتحكيم.
وفي ذلك قضت محكمة النقض المصرية في حكم حديث لها بأن
' خطاب الضمان وإن صدر تنفيذاً للعقد المبرم بين البنك وعميله إلا أن علاقة البنك بالمستفيد الذي صدر خطاب الضمان لصالحه هي علاقة منفصلة عن علاقته بالعميل يحكمها خطاب الضمان وحده بشروطه وقيوده وگان اتفاق طرفيه على الالتجاء للتحكيم لتسوية الخلافات بشأنه إما أن يرد بنص صريح فيه أو بالإحالة إلى وثيقة تتضمنه تقطع بأنه جزء من شروط هذا الخطاب. لما كان ذلك وكان خطابا الضمان موضوع الدعوى - قد خلت بنودهما من شرط التحكيم أو الإحالة الواضحة إلى اعتبار شرط التحكيم الوارد بالعقد المؤرخ 11 إبريل 1985 المحرر بين العميل الأمر والمستفيد جزءاً من بنود هذين الخطابين فإن النزاع بين الطاعن والمطعون ضدها بشأن صرف قيمتهما تتولى نظره المحاكم".
رأي الباحث
والباحث لا يشاطر هذا الاتجاه الرأي فيما ذهب إليه بهذا الشأن.. ذلك أنه قد أسس ما انتهى إليه من حكم على تفسيره لنص المادة 4/750 مدني على أنها تقرر البطلان لشرط التحكيم بالإحالة إلى وثيقة التأمين.
وهذا التفسير محل نظر، ذلك أن صريح عبارة النص لا يستدل منها على أنه يتعلق بـ "شرط تحكيم بالإحالة" وإنما يتعلق الحكم بالبطلان هنا "بشرط التحكيم إذا ورد في الوثيقة من بين شروطها العامة"
ويرى الباحث النظر إلى المادة 4/750 من القانون المدني في ضوء المادة ١٢ من قانون التحكيم والتي تتعلق بشكلية الاتفاق، لأنه نص يتضمن إضافة شرط شكلي لاتفاق التحكيم فيما يتعلق بعقد التأمين بوجه خاص، كما ينظر إليه في ضوء المادة (٢) من اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية الموقعة بتاريخ ١٠ يونيو ١٩٥٨ وهو ما سيتم تناول موضوعه لدى بحث شكل اتفاق التحكيم.