الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / الإحالة للتحكيم / الكتب / اتفاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية / تمسك الدولة بحصانتها القضائية

  • الاسم

    د. أحمد مخلوف
  • تاريخ النشر

    2005-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    544
  • رقم الصفحة

    256

التفاصيل طباعة نسخ

تمسك الدولة بحصانتها القضائية

أمام التحكيم

 بعد أن انتهينا إلى أن الدولة تتمتع بالأهلية الكاملة في إبرام اتفاق التحكيم الدولى، ننتقل الآن إلى مشكلة أخرى تتعلق بمرحلة إجراءات التحكيم، وهي تمسك الدولة بحصانتها القضائية؛ إذ يحدث عندما يثور النزاع، وتختصم الدولة أمام قضاء التحكيم، أن تدفع بهذه الحصانة الكي تفلت من الخضوع أو المثول أمام هذا القضاء. .

ويمكن القول إن دفع الدولة بحصانتها القضائية يعد واحدا من أهم العقبات التي تعترض فاعلية اتفاق التحكيم الدولى للوصول به إلى الغاية المرجوة منه في تسوية منازعات عقود التجارة الدولية. فما هو أساس هذا الدفع، وهل يمكن أن يؤثر على السير في إجراءات التحكيم، ومن بعد أمام القضاء الوطني للدولة الأجنبية الذي قد يختص بالفصل في النزاع عند الطعن في حكم التحكيم؟ هذا ما سوف نتناوله على التوالي بشئ من التفصيل.

أولا: أسباس الدفع بالحصانة القضائية للدولة:

وهكذا تستطيع كل دولة بما لها من سيادة، أن تدفع بحصانتها القضائية حال اختصامها أمام قضاء دولة أجنبية، وهو الأمر الذي يكشف بوضوح أن مجال الدفع بالحصانة المذكورة إنما يكون بصفة أساسية أمام محاكم الدول الأجنبية، فهل تستطيع الدولة أن تتمسك بهذا الدفع أمام قضاء التحكيم أيضا أم أنه لا يمتد إليه؟ ثانيا: مدی جواز تمسك الدولة بحصانتها الفضائية أمام التحكيم

إن اختصاص قضاء التحكيم التجاري الدولي بالفصل في المنازعات الناشئة عن عقود الدولة سواء مع المشروعات الأجنبية الخاصة، أو العامة، أو حتى مع الأفراد العاديين لا يأتي جبرا عن إرادة الدولة، وإنما من منح هذه الأخيرة الاختصاص له مسبقا بالفصل في النزاع عن طريق اتفاق التحكيم. وفي هذا يقول الأستاذ (Brouel) إن هناك سببا أكثر عمقا لماذا تستبعد الحصانة القضائية للدولة من مجال التحكيم، وهو أن كوم المنوط به سلطة الفصل في النزاع لا يستمد هذه السلطة إلا من خلال اتفاق الأطراف.    حالنا. إن تمسك الدولة بحصانتها القضائية أمام قضاء التحكيم يتعارض مع مبدأ حسن النية المتطلب في تنفيذ الالتزامات التعاقدية، ذلك أن قبول البولة لاتفاق التحكيم يفرض عليها الالتزام بتسوية المنازعات التي تنشأ عن عقودها أمام هذا القضاء وحده، ومن ثم يكون في تمسكها بهذا الدفع إخلال صريح من جانبها لما سبق وأن تعهدت به. وقد عبر عن هذا المعنى أحد أحكام التحكيم بقوله:

"C'est un principe reconnu du droit international, qu' un Etat est lié par un accord conclu par l'Etat lui-même, ne peut ultérieurement supprimer l'accès de l'autre partie au système envisagé par les parties dans leur accord qui concerne le règlement des litiges".(2)

وهكذا يتبين انتفاء سبب الدفع بالحصانة القضائية امام قضاء التحكيم، فإذا حدث واصرت الدولة على موقفها وأبت المشاركة في اجراءات التحكيم، فإن ذلك لا يمنع المحكمين من مواصلة السير في هذه الإجراءات حتى يتم الفصل النهائي في النزاع الموضوعي. هل يشترط أن يكون عند الدولة من طببعة تجارية لاستبعاد حصانتها الفضائية؟

- يجيب بعض الفقه عن هذا التساؤل بالإيجاب، إذ يفرق في شأن عقود الدولة بين عقودها التي تمارس فيها نشاطا تجاريا؛ أي التي تهدف من ورائها الى ادارة مرافق اقتصادية والعقود التي تقصد بها

تنظيم وتسيير مرافق عامة؛ أي إشباع حاجات ذات نفع عام. ففي العقود الأولى، تستبعد الحصانة القضائية للدولة لمجرد أن يرد بشأنها اتفاق التحكيم، أما العقود الثانية فيشترط أن يكون بجانب اتفاق التحكيم عناصر أخرى تتضافر معه لتدل على تنازع الدولة عن حصانتها القضائية.  

ويبدو لي أن هذا الرأي محل نظر، ذلك أنه يهدر كل قيمة قانونية لاتفاق التحكيم الدولي، فاقتصاره على تحديد المجال الذي تنعدم فيه الحصانة القضائية للدولة على عقودها التجارية فقط أمر لم يضف شيئا جديدا، ذلك أن هذه العقود وإن خلت أصلا من شرط التحكيم فإن الدولة لا تستطيع أن تتمسك فيها بحصانتها القضائية لأنها تتعامل كفرد عادی. ونستطيع أن نتبين ذلك من خلال أحكام عديدة صدرت من القضاعين: الفرنسي والمصري منذ زمن طويل. أما العقود التي تبرمها الدولة لسد حاجات مرفق عام، فهي تلك التي يرفض القضاء الوطنی اختصام الدولة الأجنبية فيها، حيث يعترف لها بامتياز الحصانة القضائية، وهنا تبدو أهمية اتفاق التحكيم الدولى في  أنه يخلع عن الدولة حصانتها في تلك العقود.

سنة التحكيم الدولى كاف وحده لاستبعاد الحصانة الفضائية للدولة:

وهذا الذي نقول به هو مايجب أن يحققه بالفعل اتفاق التحكيم الدولى، فوجود هذا الاتفاق في أي عقد من عقود الدولة يجب أن يؤدي إلى تسوية النزاع عن طريق التحكيم، بصرف النظر عن طبيعة العقد الذي ورد فيه.    والذي ينظر في كتابات جمهور الفقه، يجد أن هناك إجماعا على أن هذا الاتفاق يؤدي إلى تنازل الدولة عن حصانتها القضائية دون قيد أو شرط. فالأستاذ (Gaillard) يقرر أن تحليل هذا الاتفاق يؤدي بالضرورة إلى تنازل الدولة عن حصانتها القضائية.     ويذهب الأستاذ (Goldman) إلى إنه مما لاشك فيه أن قبول الدولة لشرط التحكيم يستتبع علنا وبالضرورة التنازل عن الحصانة القضائية

عقود مع أطراف أجنبية في طل طرول مسیر- برو على تحقيق أهداف لا يسعى اليها الأفراد عادة مثل شراه نا ۔ للحفاظ على أمنها الداخلي أو الخارجي، إبرام عقود إمتياز مرادی عامة ... هذه الطائفة من العقود تتمتع فيها بالحصانة الدولية سواء من زاوية الاختصاص القضائي الأجنبي أو من ناحية عدم جواز الحجز أو التنفيذ على المال العام، بيد أنه يجوز للدولة النزول عن حصانتها القضائية اختيارا إذا قبلت بإرادتها الخضوع لقضاء أجنبي في صدد منازعة عقدية من هذا القبيل أو ضمنت عندها شرط التحكيم لدى هيئة محايدة خارج إقليمها .   

الحصانة القضائية للدولة لايتفق مع نظام التحكيم الذي يقوم أساسا على تسوية النزاع بشكل رضائي من خلال اتفاق مسبق بين الأطراف بالخضوع إليه، وبالتالي فإن قبول الدولة لهذا النظام (الاتفاق مع أحد أطراف القانون الخاص، يشكل في ذاته تنازلا عن حصانتها».

وهكذا يتضح لنا علم جلوى التفرقة بين العقود التي تقوم الدولة بإبرامها للحكم على مدى جواز تمسكها بالحصانة القضائية، فجميع العقود التي تبرمها الدولة مادام قد ورد بشأنها اتفاق التحكيم فهی تفيد تنازلها تلقائيا(Ipso Facto) عن هذه الحصانة،     أما الأخذ بالتفرقة المذكورة فمن شأنه أن يؤدي إلى تحكم الدولة، فتجعل من كل عقد تجاری تقوم به عقدا يهدف إلى إشباع حاجات عامة، أو تنظيم مرفق عام حتى يتسنى لها إبداء هذا الدفع، ومن ثم عرقلة إجراءات التحكيم.    

نخلص من ذلك إلى أهمية الدور الذي يلعبه اتفاق التحكيم الدولي في انحسار الحصانة القضائية عن الدولة أمام قضاء التحكيم،

بنا وقد حسم القضاء الفرنسي في حكم حديث تلك المسألة، ونص على بن إبرام الدولة لاتفاق التحكيم يحمل تنازلها عن الحصانة القضائية ليس فقط أمام المحكمين، وإنما أيضا أمام القضاء المنوط به تشكيل هيئة التحكيم، أو رقابة حكم المحكمين.  

هذا وتجدد الإشارة إلى أن الاتفاقية الأوربية بشأن حصانة الدول الأجنبية قد نصت على أنه إذا قبلت الدولة اللجوء إلى التحكيم بموجب اتفاق كتابي في المنازعات التي نشأت أو التي يمكن أن تنشأ عن عقد معين في المواد المدنية أو التجارية، فهي لاتستطيع أن تدفع بحصانتها القضائية أمام محكمة دولة أخرى، مالم ينص اتفاق التحكيم على غير ذلك.     وإذا كانت الاتفاقية الأوربية قد قصرت استبعاد حصانة الدولة الأجنبية على عقودها المدنية والتجارية، فليس معنى ذلك أن عقودها الأخرى جائز الدفع فيها بالحصانة، فكما سبق أن أوضحنا، أنه متى ورد اتفاق التحكيم في عقد من عقود الدولة زال عنها امتياز الحصانة القضائية، وهذا يستتبع إذا ماتم الطعن على حكم التحكيم أن يستمر زوال الحصانة قائما حتى يفصل في النزاع بصفة نهائية.

والواقع أن الاتفاقية الأوربية وقت صدورها عام ۱۹۷۲، لم . تلاحقت الاتجاهات الحديثة التي تسود في مجال الدفع بالحصانة

القضائية للدول حاليا) فقد فرض الاتساع المتزايد لنشاط الدولة في الحياة الاقتصادية المعاصرة مفهوما جديدا تبناه مشروع لجنة القانون الدولي للأمم المتحدة عام ۱۹۹۱ يزيل كل تفرقة بين العقود التجارية وعقود المرافق العامة، ليجمع بينهما تحت مصطلح واحد هو المعاملات التجارية، بحيث يصبح كل تصرف تقوم به الدولة في مجال المعاملات التجارية الدولية ينتفى عنه امتياز الحصانة القضائية ولو اتخذ عملا من أعمال السلطة العامة. وتطبيقا لذلك، فقد قضت المحاكم الإنجليزية بأن قيام السلطات العراقية بضم طائرات الكويت أثناء حرب الخليج إلى الخطوط الجوية التجارية العراقية هو من المعاملات التجارية، فلا تتمتع الدولة بشأنه بامتياز الحصانة القضائية.     خلاصة القول: }:

إن اتفاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية يؤدي إلى استبعاد الحصانة القضائية للدولة في المعاملات التي تقوم بها على الصعيد الدولي، سواء أكانت هذه المعاملات تتمثل في عقود تجارية خالصة أو في عقود ذات نفع عام، وهذا الأثر لاتفاق التحكيم في الحسار الحصانة القضائية عن الدولة لايكون فقط أمام قضاء التحكيم وإنما أيضا أمام قضاء الدولة الأجنبية الذي ينعقد له الاختصاص بنظر حكم التحكيم (۴) وذلك وصولا إلى حسم النزاع الموضوعي. اتفاق التحكيم الدولي يفيد بذاته وبمجرده تنازل الدولة عن حصانتها القضائية، فإن ثمة حصانة أخرى تدفع بها الدولة عندما يراد تنفيذ حكم التحكيم ضدها، ألا وهي حصانتها ضد إجراءات التنفيذ (Immunité d'execution

    فقد يفاجأ المدعى إذا ماحصل على حكم تحكيم لصالحه بتمسك الدولة بهذه الحصانة، فلا يستطيع أن يقوم بتنفيذ حكم التحكيم للحصول على الحق المقرر له، وهنا تثور مشكلة جديدة يطرحها اتفاق تحكيم الدولة، قد تؤدي إلى نتائج مؤسفة على صعيد المعاملات التجارية الدولية، فهل يمكن القول أن تنازل الدولة عن حصانتها القضائية يفيد أيضا تنازلها عن الحصانة التي تتمتع بها في مواجهة إجراءات التنفيذ؟ أم أن هذا التنازل يظل مقصورا على الأولى دون الثانية؟ وبمعنى آخر، هل يؤدی اتفاق التحكيم الدولي إلى تنازل الدولة عن حصانة التنفيذ كما هو الحال بالنسبة لحصانتها القضائية؟ لعل من المناسب قبل الأجابة عن هذا التساؤل أن نقوم أولا بتعريف الدفع بالحصانة ضد إجراءات التنفيذ، وبيان رأي الفقه في الطبيعة المميزة له، ثم نتناول ما عساه أن يحققه اتفاق التحكيم الدولي من دور في هذا الخصوص، وذلك كله على التفصيل التالي

يمكن تعريف الدفع بالحصانة ضد التنفيذ، بأنه دفع تسعى الدولة من خلاله إلى عرقلة إجراءات التنفيذ التي يراد المحكوم له بحكم تحكيمي أو بحكم قضائي أن يتخذها ضد الدولة، فتسطيع بذلك أن ترفض إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، (L'exequatur)    

وبالتالي تمنع دائنيها من التنفيذ جبرا على أموالها. ووفقا للرأي,الراجح في الفقه، فإن الدفع بحصانة التنفيذ يشمل ليس فقط كل إجراءات التنفيذ الجبري، وإنما أيضا الإجراءات التحفظية مثل: الوضع تحت الحراسة، أو الإيداع، أو الحجز التحفظي، أو الحجز لدى الغير. وأهم ما يميز هذا الدفع أن مجاله ينحصر دائما أمام قضاء الدولة الأجنبية، وذلك على خلاف الدفع بالحصانة القضائية الذي يمكن أن يكون أمام هذا القضاء أو قضاء التحكيم ثانيا: مناداة الففه بالطبيعة المطلقة لحصانة التنفيذ

ويری جانب كبير من الفقه أن حصانة التنفيذ تختلف في طبيعتها عن الحصانة القضائية في أنها حصانة مطلقة (Absolue)؛ أي أن الدولة تستطيع أن تتمسك بها بصرف النظر عن نوع العقد الذي أبرمته، أي حتى ولو كان من طبيعة تجارية خالصة

ويرجع السبب في ذلك إلى أن اتخاذ

في ذلك إلى أن اتخاذ إجراءات التنفيذ في مواجهة

سلة من شأنه أن يؤدي إلى إحداث خلل جسيم في العلاقات الدولية

تنطوي عليه هذه الإجراءات من انتهاك شديد لسيادة الدولة.

ومن الأحكام القضائية التي يستند إليها هذا الفقه للتأكيد و الطبيعة المطلقة لحصانة التنفيذ، الحكم الصادر من محكمة استئناف باريس في 7 من يونيه ۱۹۹۹، حيث قررت المحكمة: « أن حصانة التنفيذ لاترتبط بأي وجه من الوجوه بالحصانة القضائية، وأن هذا مبدأ مطلق يجب تطبيقه حتى ولو تعلق الأمر بتصرفات تستند إلى القانون الخاص».   وينتهي هذا الفقه إلى أن تنازل الدولة عن حصانتها القضائية لايؤدی إلى التنازل عن حصانة التنفيذ لاستقلال طبيعة كل منهما، وهو الحكم الذي أخذت به معاهدة فيينا بشأن العلاقات الدبلوماسية الصادرة عام ۱۹۹۱،

على أن التنازل عن الحصانة القضائية للدولة في دعوى مدنية أو إدارية لايفيد ضمنا التنازل عن حصانتها ضد إجراءات التنفيذ.     كذلك يشترط التشريع الإنجليزي حتى يعتد بتنازل الدولة عن حصانتها ضد إجراءات التنفيذ، أن يكون تنازلها صريحا

ومكتوبا .

والذي يبلولي، أن القول بالطبيعة المطلقة لحصانة التنفيذ هو قول يبتعد كثيرا عن المنطق، وعن واقع الحياة الدولية المعاصرة فقبول الدولة الخضوع لقضاء التحكيم ثم امتناعها بعد ذلك عن تنفيذ الحكم الصادر ضدها أمر لا يخلو من كل تناقض، إذ مافائدة خضوع الدولة لإجراءات التحكيم إذ لم يتمتع الحكم الصادر ضدها بقيمة تتفينية فعلية؟ فلا معنى لأن تخضع الدولة لقضاء التحكيم إذا كان في إمكانها بعد ذلك عرقلة إجرءات التنفيذ، فكل ماللبولة عند تنفيذ حكم التحكيم هو أن تتحقق فحسب من الشروط المنصوص عليها في اتفاقية نيويورك لسنة ۱۹۰۸ بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية) فإذا لم يكن هناك مايحول تنفيذ الحكم في ضوء هذه الشروط، كانت الدولة ملزمة مثلها مثل الأفراد بتنفيذ هذا الحكم، دون أن يحق لها أن تتذرع بحصانة التنفيذ. ولاشك أن من مصلحة النولة أن تحرص على تنفيذ حكم التحكيم الصادر ضدها، حتى قبل الأفراد على التعامل معها على صعيد التجارة الدولية وهم مطمئنون إلى كفالة حقوقهم. وإذا كانت الحصانة ضد إجراءات التنفيذ هي ميزة للدولة، انها تستطيع أن تتنازل عنها، ولا يشترط عندنا أن يكون هذا التنازل مريحا     فقبول الدولة لاتفاق التحكيم الدولي في أحد عقودها مع المشروعات الأجنبية الخاصة أو العامة يعد قرينة قانونية قوية في دلالتها على تنازلها عن حصانتها ضد إجراءات التنفيذ. . ومما يزکی مارجح عندنا، الحكم الذي أصدرته محكمة النقض الفرنسية في ۱۸. من نوفمبر ۱۹۸۹، إذ قضى هذا الحكم بأن توقيع الدولة الأجنبية على شرط التحكيم يفيد خضوعها لقضاء المحكمين، كما يفيد في حد ذاته قبولها لأن يكون حكمها مشمولا بالأمر بالتنفيذ.

وبعبارة الحكم ان شرط التحكيم الذي قبلته الدولة يجب أن يمتد في آثاره ليشمل تنفيذ حكم التحكيم، بحيث يكون وجود هذا الشرط في ذاته تنازلا منها عن الحصانة.  

ونحن بدورنا نعتنق هذا الفكر ونعتبره جزءا أساسيا فيما نصبو إليه من فاعلية هذا الاتفاق وجعله بحق أسلوبا لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية، فهذا الاتفاق إذا ما اقتصر على تنازل الدولة عن حصانتها القضائية دون حصانة التنفيذ، لكان معنى ذلك أن يصبح الحكم الصادر ضدها حبرا على ورق، أو على حد تعبير الفقه الفرنسي (Lettre morte)    ، وعندئذ لن تكون هناك جلوی من حرص المتعاملين في التجارة الدولية على أن تتضمن عقودهم مع الدولة لشرط التحكيم، لذلك يجب أن تكون ثمرة هذا الاتفاق دائما هي تنفيذ حكم التحكيم حتى يتحقق الاستقرار اللازم للتجارة الدولية.    

وإذا كان هناك من ينادي بأن على الدولة إذا أرادت أن تحتفظ بحصانتها ضد إجراءات التنفيذ أن تضع شرطا صريحا بذلك في العقد(4)، فإننا لانجد في هذا الاقتراح أية امكانية لتطبيقه؛ إذ سيرفض حتما المشروع الأجنبي سواء كان عاما أو خاصا أن يتعاقد مع الدولة في ظل وجود هذا الشرط وستضطر في النهاية لأن تتنازل عنه حتى يتم التعاقد معها.

ذلك، فقد قضت محكمة استئناف باريس في 1 من يوليه ۱۹۹          الأمر المستعجل الصادر من محكمة باريس الابتدائية فيما قضی

: رفع الحجز على أموال دولة ساحل العاج بفرنسا، حيث قرر الحكم الاستئنافي إن المحكوم له وقد حصل على أمر بتنفيذ حكم تحكيم من القضاء الفرنسي ضد دولة ساحل العاج، فإنه يحق له أن يقوم بتوقيع الحجز على أموالها لدى البنوك الموجودة بفرنسا وعلى أسهم شركاتها الوطنية للملاحة ببورصة باريس، فإذا كانت المحكمة الابتدائية قد قررت أن أسهم (أموال الشركة المذكورة ليست لها علاقة بالدين المستحق للمحكوم له، حيث لم تنشأ عن العقد محل النزاع، فإن المحكمة الاستئنافية مادام لم يثبت لها تخصيص هذه الأموال لنشاط سيادي، أو مرفق عام فإنه يجوز الحجز عليها، ومن ثم يتعين بطلان الأمر المستعجل المطعون -

( فيه.   وغني عن البيان أن المال العام يمكن أن يتحول إلى مال خاص عن طريق . تجريده من صفته العامة، خاصة إذا كان من الأموال المفيدة أو النافعة

وليس من الأموال الضرورية وهكذا يصل اتفاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية إلى منتهاه الطبيعي والمأمول في التنفيذ على أموال الدولة حال صدور حكم التحكيم ضدها، ليعطي بذلك الثقة للمتعاملين مع الدولة من أفراد وشركات في ضمان تنفيذ الحكم الذي قد يصدر ضدها. .

كحالة عملية حديثة - تعد قضية هضبة الأهرام المصرية واقعا عمليا ملموسا لها يمكن أن يثيره اتفاق تحكيم الدولة في عقود التجارة الدولية، فقد اختلف منظور كل من التحكيم والقضاء حول ارتباط الدولة باتفاق التحكيم الوارد بشأن النزاع المتعلق بهذه القضية فعلى حين ذهب التحكيم التجاري الدولي إلى أن الدولة المصرية تعد طرفا أساسيا في اتفاق التحكيم ومن ثم تلتزم به، نفى القضاء الفرنسي ذلك، وهو الأمر الذي أثار مناقشات فقهية واسعة ودراسات قانونية مستفيضة على مستوى الفقه القانوني في العالم بأسره. ولعل الشهرة الكبيرة التي نالتها قضية هضبة الأهرام المصرية يرجع سببها إلى أنها كانت القضية الأولى من نوعها التي يتم بطلان حكم التحكيم فيها من القضاء الفرنسي، كما أنها الوحيدة التي استغرق فصل النزاع فيها نحو أربعة عشرة سنة كاملة بدءا من محكمة التحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس مرورا بالقضاء الفرنسي حتى تم تسوية النزاع نهائيا أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID) وهو مالم يحدث من قبل في قضايا التحكيم التجاري الدولي لذلك رأينا أن نتناول المشاكل القانونية التي أثارتها هذه القض يخص اتفاق التحكيم وتحليل الأحكام التي بانها سواء من التحكيم أو القضاء إلى أن أسدل نهائيا عنها أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار