قد يتفق الأطراف علي التحكيم لا بموجب شرط في العقد أو مشارطة يبرمونها بعد قيام النزاع، بل يمكن الاتفاق على التحكيم بالإحالة إلى شروط عقد آخر يتضمن الاتفاق علي التحكيم وذلك كما يلي:
وتثير هذه الأوضاع الكثير من المشاكل في تحديد ما إذا كانت الإرادة قد انصرفت إلي الأخذ بنظام التحكيم الوارد في مثل هذه الشروط أم لا، وهذه مشاكل لا يستهان بها لأن في القول بانصراف الإرادة إلى الأخذ بنظام التحكيم ما يؤدي إلى حرمان الأطراف من اللجوء لقضاء الدولة كما سنرى من بعد.
والواقع أن الشروط العامة التي يحيل إليها الأطراف في معاملاتهم تحتوي علي شرط التحكيم ، والقول بانصراف الإرادة إلى الأخذ بهذه الشروط العامة يعادل القول بالرضا بما يرد فيها من شروط تحكيمية.
مثال ذلك عقد النقل البحري بسند الشحن ، ويندر أن يحتوي سند الشحن علي شرط تحكيم ، بينما يغلب وجود شرط التحكيم في مشارطة إيجار السفينة ويحيل سند الشحن إلي هذه المشارطة عادة .
وأيضا قد تكون هناك معاملات جارية بين الأشخاص ، ويتصور إيرام عقود جديدة متوالية فيما بينهم بحسب حاجة العمل ، ويحتمل أن يشار في أحد العقود الجديدة إلى شروط واردة في عقد سابق ، سواء كان قد انتهى تنفيذه ، أو ما زال قائما جاري تنفيذه بينهم، ويكون هذا الأخير مشتملا علي شرط التحكيم .
إن الفرض في هذه الحالة يتمثل في عدم وجود اتفاق علي التحكيم في العقد الأصلي ، إلا أن الأطراف يحيلون في علاقتهم الأصلية إلى شروط نموذجية أو غير ذلك من الوثائق المعدة بواسطة أحد الأطراف أو إحدى الهيئات الدولية المتخصصة أو التجمعات المهنية.
وحيث أن هذه الشروط النموذجية ، أو الوثائق تتضمن عادة بندا يقضي بالخضوع للتحكيم ، فإن التساؤل الذي يمكن طرحه يدور حول مدى اعتب الإحالة إلى هذه الشروط النموذجية أو الوثائق ، بمثابة اتفاق تحكيم؟
بداية يتعين عدم الخلط بين التحكيم بالإحالة على النحو السابق بيانه ، وبين فرض آخر يحدث في العمل وهو : إحالة أطراف التحكيم ب شأن أحكامه إلي اتفاقية دولية أو عقد نموذجي أو غير ذلك ففي الحالة الأخيرة تتعلق المشكلة المثارة بإخضاع التحكيم للقواعد المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية أو الوثائق المحال إليها في حين أن المشكلة في الفرض الأول - التحكيم بالإحالة - تتعلق بالاتفاق على التحكيم ذاته من حيث وجوده
وعليه يقصد باتفاق التحكيم بالإحالة إشارة المتعاقدين في عقد إلى وثيقة أو عقد آخر يتضمن شرط تحكيم إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءا من العقد وذلك حسبما قررت الفقرة ٣ من المادة ۱۰ من قانون التحكيم المصري.
شروط صحة التحكيم بالإحالة في القانون المصري :
لاشك أن اتفاق التحكيم بالإحالة يجب أن يكون مكتوبا ، وذلك استنادا لنص المادة ۱۲ من قانون التحكيم المصري والتي تنص علي أنه يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا وغلا كان باطلا.
كما يستفاد ذلك أيضا من نص المادة (۳/۱۰) من ذات القانون ، والذي يقضي ك إذا تضمنته وثيقة أحال إليها الأطراف..".
وإذا كانت الكتابة تلزم لوجود اتفاق التحكيم بالإحالة ولانعقاده ، وإلا كان باطلا فالتساؤل الذي يمكن طرحه .
وفيما يخص التحكيم بطريق الإحالة فقد نظمته المادة ٢/٧ من القانون النموذجي والتي تنص علي أنه: " ... وتعتبر الإشارة في عقد مـا إلـي مستند يشتمل علي شرط التحكيم بمثابة اتفاق تحكيم ، شريطة أن يكون العقد مكتوبا ، وأن تكون الإشارة قد وردت بحيث تجعل ذلك الشرط جزءا من العقد".
وتجدر الإشارة إلى أن نص المادة ۲/۷ من القانون النموذجي هو تقريبا نص المادة ۳/۱۰ من مشروع قانون التحكيم المصري قبل تعديلها ، والتي كانت تنص على أنه: ...... ويعتبر اتفاقا على التحكيم كل إحالة ترد في العقد إلى وثيقة تتضمن شرط التحكيم، إذا كانت الإحالة إلى هذه الوثيقة واضحة في اعتبارهـا جزءا من العقد وكان العقد مكتوبا ...".
ويبدو أن واضعي قانون التحكيم المصري رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ ، قد تنبهوا للانتقادات التي وجهت إلي نص المادة ٢/٧ من القانون النموذجي . ولاسيما فيما يتعلق بشرط الكتابة ، ولهذا تم تعديل النص الوارد مشروع القانون عي النحو الذي جاء به نص المادة ۳/۱۰ بعد التعديل ، وقد أسقط عمدا الشرط الخاص بالكتابة.
وعليه يمكن القول إن المشرع المصري لا يشترط أن تكون الإحالة مكتوبة ، والمهم أن يكون اتفاق التحكيم ذاته مكتوبا.
وأخيرا فقد اشترط المشرع المصري للقول بوجود شرط التحكيم بالإحالة ، أن تكون الإحالة واضحة في اعتبار الشرط جزءا من العقد وإذا كان هذا الشرط يمثل الضمانة للتحقق من أن إرادة الأطراف قد انصرفت بالفعل إلي اختيار التحكيم كوسيلة لحسم منازعاتهم فهنا يثور التساؤل التالي:
متى وكيف يمكن التحقق من أن إرادة الأطراف قد انصرفت بالفعل إلي اعتبار شرط التحكيم الوارد في الوثائق المحال إليها جزءا من العقد؟
وتجدر الإشارة أخيرا إلى أن محكمة النقض المصرية ، قد تعرضت لهذه المسألة ، وذلك قبل صدور قانون التحكيم رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤ ، فقد انتهت في العديد من أحكامها إلي أن إحالة سندات الشحن إحالة عامة إلى الشروط التي تضمنتها مشارطة إيجار السفينة من شأنها أن تجعل شرط التحكيم الوارد بمشارطة الإيجار مندمجا في سندات الشحن ، وملزما للمرسل إليه باعتباره طرفا ذا شأن في سند الشحن يتكافاً مركزه ومركز الشاحن حينما يطالب بتنفيذ عقد النقل ، باعتباره - أي المرسل إليه - صاحب المصلحة في عملية الشحن، وهذا ما قضت به محكمة النقض في أحد أحكامها " ... توجب المادة ٩٩ من قانون التجارة البحري ذكر اسم المرسل إليه في سند الشحن ، كما توجب المادة ١٠٠ من هذا القانون أن يكتب سند الشحن من أربع نسخ أصلية يوقع عليها كل من الشاحن والربان ، وخصت المرسل إليه بإحدى هذه النسخ ، ثم جاءت المادة ١٠١ من ذات القانون مقررة أن جميع المالكين ، وهم من عبر عنهم النص الفرنسي لهذه المادة بعبارة (Les parties interessces au chargements)
أي الأطراف ذوي الشأن في الشحن ، ولما كان الربط بين هذه المادة ، والمادتين السابقتين عيها يفيد - علي ما جرى به قضاء محكمة النقض – أن قانون التجارة البحري ، يجعل من المرسل إليه طرفا ذا شأن في سند الشحن باعتباره صاحب المصلحة في عملية الشحن يتكافأ مركزه - حينما يطالب بتنفيذ عقد النقل - ومركز الشاحن ، وأنه يرتبط بسند الشحن كما يرتبط به الشاحن ومنذ ارتباط الأخير به، ومقتضى ذلك أن يلتزم المرسل إليه بشرط التحكيم الوارد فــــي نسخة سند الشحن المرسل إليه ، باعتباره في حكم الأصيل فيه ، ومن ثم فلا يعتبر الشاحن نائبا عنه في سند الشحن ، حتى يتطلب الأمر وكالة خاصة أو حتى يقال إن الشاحن قد تصرف في شأن من شؤون المرسل إليه ، وهو لا يملك حق التصرف فيه.