الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / الإحالة للتحكيم / الكتب / شروط اتفاق التحكيم وأثاره / شرط التحكيم بالإحالة في اتفاقية نيويورك

  • الاسم

    د. باسمة لطفي دباس
  • تاريخ النشر

    2005-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    602
  • رقم الصفحة

    270

التفاصيل طباعة نسخ

 

شرط التحكيم بالإحالة في اتفاقية نيويورك

  إن تنظيم اتفاقية نيويورك لمسألة التحكيم بطريق الإحالة قد أثار خلافاً كبيراً في الفقه والقضاء . وعليه سنعرض لموقف الفقه والقضاء من هذه المسألة.

أولا: موقف الفقه 

انقسم الفقه إلى اتجاهين :

1 - الاتجاه الأول: يرى أصحاب هذا الاتجاه أن اتفاقية نيويورك لعـــام١٩٥٨ ، لم تتضمن تنظيما لموضوع التحكيم بطريق الإحالة، والقول بخلاف ذلك معناه تحميل نصوص هذه الاتفاقية بأكثر مما تحتمل.

ويرجع ذلك إلى سبب بسيط، وهو أن فرض التحكيم بطريق الإحالة لم يكن قد فَرَضَ نفسه بعد، عند وضع هذه الاتفاقية .

٢ - الاتجاه الثاني ويرى أصحابه- أن اتفاقية نيويورك لا تستبعد مطلقاً هذا الطريق من طرق الاتفاق على التحكيم، إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في شروط صحة التحكيم بطريق الإحالة، وفيما إذا كانت تكفي الإحالة العامة، بحيث إن مجرد قبول الأطراف بها يكفي للقول بوجود شرط التحكيم بالإحالة أم يتعين أن تتضمن الإحالة إشارة خاصة إلى وجود شرط التحكيم في الوثائق المحال إليها. 

وبالنسبة لهذه الشروط فقد انقسم أنصار هذا الاتجاه الأخير بين اتجاهين: 

- الاتجاه الأول : يرى أن الإحالة يجب أن تتضمن إشارة صريحة إلى وجود شرط التحكيم في الوثائق المحال إليها.

الاتجاه الثاني: ويذهب أصحابه إلى أن الإحالة العامة تكفي للقول بوجــود شرط التحكيم في الوثائق المحال إليها، حيث إن مجرد قبول الأطراف بها - أيا كان شكل هذا القبول يكفي للقول إن إرادة الأطراف قد انصرفت بالفعل إلى اختيار التحكيم كوسيلة لحسم منازعاتهم .

بل يذهب بعض أنصار هذا الاتجاه إلى أبعد من ذلك، حيث يعتبر "الإحالة بطريق التلكس إلى شروط عامة تتضمن شرط التحكيم، بمثابة اتفاق التحكيم على النحو الذي تتطلبه المادة الثانية من اتفاقية نيويورك..

فيكفي علــم الطــرف الآخر بها وقبوله لها .

ويستند أصحاب هذا الاتجاه إلى حجتين: 

الحجة الأولى : إن تطلب شكلية معينة لا يكون إلا بالنسبة للشروط غير العادية التي من شأنها أن تحقق ميزة لأحد الأطراف على حساب الطرف الآخر. ومن ثم فإن تطلب الشكلية إنما يكون بهدف حماية الطرف الضعيف. 

الحجة الثانية: إن تطلب شكلية معينة بالنسبة لشرط التحكيم بالإحالة من شأنه زعزعة الاستقرار المطلوب في علاقات التجارة الدولية. 

وينتقد جانب من الفقه ونحن نؤيده ما ذهب إليه هذا الاتجاه قائلا: 

يُبدي الملاحظتين التاليتين: 

الملاحظة الأولى : إن تطلب شكلية معينة، لا يعني بالضرورة التشكيك في حيادية شرط التحكيم، بل إن هناك اتجاها قويا يضع هذا الشرط في مصاف الشروط التعسفية.

 أما الملاحظة الثانية : لا يمكن التسليم بمنطق الرأي بأن تطلــب شكلية معينة في شرط التحكيم، من شأنه زعزعة الاستقرار المطلوب في علاقات التجارة الدولية، إذ يتعين على الأطراف تحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاقهم، حتى يمكنهم احترام الشكلية المفروضة طبقاً لهذا القانون .

ثانياً: موقف القضاء

  لقد كان الاتجاه السائد وحتى عهد قريب أن اتفاقية نيويورك، لا تطبق أصلاً إلا إذا تعلق الأمر بالاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها. وهذا ما ذهبت إليه محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في ٢١ فبراير سنة ۱۹۸۰ عندما قضت بأن نصوص اتفاقية نيويورك والمخصصة لتسهيل الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم، لا تطبق طالما كان موضوع الطلـب لا يهدف إلى تنفيذ حكم من أحكام التحكيم التجاري الدولي"

  وأكدت على هذا الاتجاه بعض قرارات التحكيم، والتي ذهبت إلى إمكانية رفض الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه، متى كان قد صدر بناء على اتفاق تحكيم لا يتفق، وأحكام القانون الوطني المطبق على هذا الاتفاق.

   وعليه نخلص من هذه الأحكام إلى أن اتفاقية نيويورك لا تطبق إلا إذا تعلق الأمر بالاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه، ولا علاقة لها بصحة أو صحة اتفاق التحكيم والمرجع في ذلك هو القانون الوطني الذي اختاره الأطراف، أو قانون مكان التحكيم في حال عدم اتفاقهم على قانون معين. 

  ومن ناحية أخرى خلصت بعض الأحكام إلى إجازة التحكيم بطريق الإحالة في ضوء اتفاقية نيويورك. وفي سبيل ذلك عمدت هذه الأحكام إلى البحث عن أسباب لتطبيق اتفاقية نيويورك على التحكيم بطريق الإحالة. 

وعليه فقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في ٢٥ فبراير سنة ١٩٨٦ بأنه : "لما كان تطبيق اتفاقية نيويورك لسنة ١٩٥٨، والتي تتطلب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً، قد أثير أمام محكمة الاستئناف، فلا يجوز للشركة بعد ذلك الادعاء بأنه في مسائل التحكيم التجاري الدولي، لا يخضع اتفاق التحكيم لأي شروط شكلية .

  وفي حكم آخر قضت المحكمة المذكورة وبعبارات صريحة بأن: "اتفاقية نيويورك لا تستبعد أن يكون الاتفاق على شرط التحكيم عن طريق الإحالة إلى وثائق تتضمن هذا الشرط... .

  وقد كان هذا القضاء محل نقد. إذ لا يكفي للقول إن اتفاقية نيويورك تكون واجبة التطبيق - لمجرد أن مسألة تطبيقها قد أُثيرت أمام قاضي الموضوع ، وإنما يتعيّن وكما يذهب بعض الفقه أن تتوافر باقي الشروط اللازمة لتطبيقها ، وأهمها وجود حكم تحكيم، إذ إن هذا الحكم هو مناط تطبيق الاتفاقية التي تعالج مسألة الاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها.

  ويذهب جانب من الفقه إلى أن هذا القضاء يتسم بالغموض، بحيث لا يمكن الاستناد من أجل استخلاص موقف واضح من اتفاق التحكيم بطريق الإحالة في اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ ، ويتجلى هذا الغموض في ناحيتين: 

1- إن التعبير الذي استخدمته محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في ۱۱ أكتوبر ۱۹۸۹ والذي قضت فيه: "إن نصوص الاتفاقية لا تستبعد أن يكون الاتفاق على التحكيم بطريق الإحالة " يعني على الأقل ضمنيا- اعتراف المحكمة بأن اتفاقية نيويورك لم تتعرض صراحة للتحكيم بطريق الإحالة .

2 - إن الحكم السابق وبعد أن أوضح أن اتفاقية نيويورك لا تستبعد التحكيم بالإحالة، أشار إلى القانون الفرنسي باعتباره القانون الواجب التطبيق، فيمـا يتعلق بصحة هذه الصورة من صور الاتفاق على التحكيم، فهذه الإشارة تؤكد ما سبق وذكر بأن اتفاقية نيويورك لم تنظم موضوع التحكيم بالإحالة، وإلا لِّما كانت المحكمة في حاجة إلى الاستناد إلى قانون وطني لتبرير موقفها. 

  مما تقدم يمكن القول إن اتفاقية نيويورك لم تنظم موضوع التحكيم بطريق الإحالة. ذلك لأنها وضعت في الأساس لمعالجة مسألة الاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها ومن ثم وفيما يخص شروط صحة اتفاق التحكيم، يُرجع إلى القانون الوطني الذي اختاره الأطراف ليحكم اتفاقهم، أو لقانون مكان التحكيم في حال عدم اتفاقهم على قانون معين.