سبق القول إن الفرض في هذه الحالة يتمثل في عدم وجود اتفاق على التحكيم في العقد الأصلي، إلا أن الأطرف يحيلون في علاقتهم الأصلية إلى شروط نموذجية أو غير ذلك من الوثائق المعدة بواسطة أحد الأطراف أو إحدى الهيئات الدولية المتخصصة أو التجمعات المهنية.
بداية يتعين عدم الخلط بين التحكيم بالإحالة على النحو السابق بيانه، وبين فرض آخر يحدث في العمل وهو: إحالة أطراف التحكيم بشأن ال أحكامه إلى اتفاقية دولية أو عقد نموذجي أو غير ذلك. ففي الحالة الأخيرة بار تتعلق المشكلة المثارة بإخضاع التحكيم للقواعد المنصوص عليها في الاتفاقية الفرض الأول - الدولية أو الوثائق المحال إليها، في حين أن المشكلة فـ التحكيم بالإحالة - تتعلق بالاتفاق على التحكيم ذاته من حيث وجوده.
أن نص المادة (٦) من قانون التحكيم المصري والتي تنص على أنه : "إذا اتفق طرفا التحكيم على إخضاع العلاقة القانونية بينهما لأحكام عقد نموذجي، أو اتفاقية دولية، أو أي وثيقة أخرى وجب العمل بأحكام هذه الوثيقة بما تشمله من أحكام خاصة بالتحكيم"
شرط التحكيم بالإحالة في الأنظمة القانونية الوضعية
سندرس شرط التحكيم بالإحالة في كل من القانون الفرنسي والقانون المصري.
أولاً: شرط التحكيم بالإحالة في القانون الفرنسي:
لئن كان المشرع الفرنسي قد أجاز صراحة إبرام شرط التحكيم بالإحالة، وذلك بموجب نص المادة (١٤٤٣) من قانون المرافعات الفرنسي الصادر سنة ١٩٨٠، والتي توجب أن يكون شرط التحكيم مكتوباً، سواء ورد هذا الشرط في عقد الأساس أو في وثائق أخرى أحال إليها العقد ، على أن الوثائق الملحقة بالعقد من قبل أحد الطرفين، لا تندمج بهذا العقد، وبالتالي لا تُعد جزءا منه إلا إذا توافر الشرطان التاليان
1- أن يكون الطرف الآخر عالماً بإلحاق هذه الوثائق بالعقد.
2- أن يكون هذا الطرف أيضاً على علم بمحتوى الوثائق الملحقة بالعقد.
وتجدر الإشارة إلى أن نص المادة (١٤٤٣) من قانون المرافعات الفرنسي، قد أثار خلافا كبيرا في الفقه الفرنسي بشأن مدى ضرورة الكتابة بالنسبة للإحالة، لأنها وإن كانت قد اشترطت أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً، سواء ورد في عقد الأساس أو في وثيقة أخرى أحال إليها الأطراف، إلا أنها لم تبين ما إذا كانت الكتابة تلزم أيضاً في الإحالة، أم يكفي قبول الأطراف بها أياً كان شكل هذا القبول.
إن الإجابة على هذا التساؤل تتطلب منا بيان موقف الفقه والقضاء الفرنسيين.
۱ - موقف الفقه الفرنسي:
- الاتجاه الأول : يذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى ضرورة الكتابة بالنسبة للإحالة ذاتها، فلا يكفي مجرد القبول بل ويذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أبعد من ذلك، حيث إن الإحالة العامة لا تكفي لصحة شرط التحكيم بالإحالة، حتى ولو كانت هذه الإحالة مكتوبة، وإنما يجب أن تتضمن الإحالة إشارة صريحة إلى وجود شرط التحكيم في الوثائق المحال إليها.
- الاتجاه الثاني: يرى أنصار هذا الاتجاه أن نص المادة (١٤٤٣) من قانون المرافعات الفرنسي الصادر عام ۱۹۸۰ ، لم يشترط الكتابة إلا بالنسبة لاتفاق التحكيم. ومن ثم إن تطلب الكتابة بشأن الإحالة إنما يُعدُّ قيدا لم يفرضه النص. وعليه لا يشترط أصحاب هذا الاتجاه أن تكون الإحالة مكتوبة، إذ يكفي مجرد قبول الأطراف بها أيّاً كان شكل هذا القبول. كما لا يُشترط أن تتضمن الإحالة إشارة صريحة إلى وجود شرط التحكيم في الوثائق المحــــال إليها، بل تكفي الإحالة العامة للقول بصحة هذا الطريق من طرق الاتفاق على التحكيم.
2- موقف القضاء الفرنسي:
يُلاحظ من تتبع أحكام القضاء الفرنسي أنه مازال متردداً بخصوص الشكل الذي يجب أن تفرغ فيه الإحالة، وهل تلزم الكتابة بشأن الإحالة كما هو الحال بالنسبة لاتفاق التحكيم ذاته، أم أن مجرد قبول الأطراف بها يكفي للقول بصحة شرط التحكيم بالإحالة.
إلا أن القضاء الفرنسي لم يتوصل في الحقيقة إلى وضع قاعدة عامة قابلة للتطبيق علــى جميع الحالات.
فأحياناً يتشدد القضاء الفرنسي، ويشترط لصحة التحكيم بالإحالة أن تكــــون الإحالة مكتوبة، وأن تكون هناك إشارة صريحة إلى وجود شرط التحكيم في الوثائق المحال إليها.