عندما ينشأ الاختصاص التحكيمي الذي يتولد عن اتفاق التحكيم بشــأن نزاع معين ، وحتى يتحقق الهدف من نشأة هذا الاختصاص التحكيمي ، وهو حل النزاع فيما بين أطراف اتفاق التحكيم ، وهم الخصوم في النزاع المبرم بشأنه هــــــذا الاتفـــاق فلابد من وجود الأشخاص المنوط بهم حل هذا النزاع ، هؤلاء الأشخاص الذين ينعقـــــــد لهم الاختصاص التحكيمي ، لمباشرته للتوصل إلي المحل المنشود لهذا النزاع الذي نشـــــاً بشأنه هذا الاختصاص التحكيمي ، وهؤلاء الأشخاص هم المحكمين الذين يتم اختيارهم وتعيينهم وتقليدهم سلطة الحكم في النزاع فيما بين الخصوم. وعلي ذلك فلابد من تعيين المحكم أو المحكمين وتحديدهم ، حتى تتم عملية التحكيم تنفيذا لاتفاق التحكيم المبرم فيما بين أطراف النزاع ، وصولا للهدف من نشأة الاختصاص التحكيمي ، وهو الحكم المنهي لهذا النزاع .
أولا : كيفية تحديد وتعيين المحكمين
ويثور التساؤل في هذا الصدد عما إذا كان يلزم تحديد أو تعيين المحكمين من قبل الأطراف المتنازعة وذلك في اتفاق التحكيم ذاته، أم أنه ليس بشرطا لازما أن يقوم هؤلاء الأطراف بهذا التحديد ، حيث من الممكن أن تتم عملية تحديد أو تعيين المحكمين بواسطة الغير ولا يؤثر ذلــــــك على صحة اتفاق التحكيم ، وللإجابة علي هذا التساؤل ثار الجدل واختلفت الآراء حول مدي تأثير عدم تحديد أو تعيين المحكمين أو بيان طريقة تعيينهم أو تحديدهم في اتفاق التحكيم وهـــــل يترتب على ذلك بطلان اتفاق التحكيم أم لا ؟ وبمراجعة التشريعات المختلفة الصادرة في هذا الشأن نجدها قد أجمعت علي ضرورة تعيين المحكمين في اتفاق التحكيم ذاته، أو في اتفاق مستقل عند حدوث النزاع فقد نصت المادة ٣/٥٠٢ من قانون المرافعات المصري - باب التحكيم – الملغي علي أنه (( ومع مراعاة ما تقضي به القوانين الخاصة بب تعيين أشخاص المحكمين في الاتفاق علي التحكيم أو في اتفاق مستقل ، فلا يكون لأي من طرفي النزاع الالتجاء إلى المحكمـــــة المختصة لتعيين المحكم أو المحكمين ، ولو كان بينه وبين خصمه اتفاق علي التحكيم في هذا النزاع من حيث المبدأ ، إذ إن تعيين أشخاص المحكمين في اتفاق التحكيم شرط لصحته ، حيث إن الثقة في حسن تقدير المحكمين و حسن عدالتهم ، هي الباعث للاتفاق علي التحكيم .
وبمراجعة نصوص التحكيم في القانون الكويتي رقم ٣٨ لسنة ١٩٨٠ ، نجد أن القانون الكويتي يوجب في نص المادة ١٧٤ منه تعيين المحكم في الاتفاق علي التحكيم أو في اتفاق مستقل ، إلا أنه في حالة عدم اتفاق الخصوم علي المحكمين أو عدم تعينهم يكون للمحكمة المختصة - طبقا لنص المادة ١٧٥ من ذات القانون - أصلا بنظر النزاع الحق في تعيين من يلزم من المحكمين وذلك بناء علي طلب الخصوم. وكذلك تنص المادة ۸۳۰ من قانون أصول المحاكمات اللبناني علي أنه يجوز أن يقضي العقد بتعيين حكم فرد ، أو يقضي بأن كل فريق يمكنه أن يعين حكما . وفي هذه الحالة يعين محكمو المتعاقدين حكما إضافيا يكون له الصوت المرجح .
وإذا لم يتمكن محكمو المتعاقدين من الاتفاق علي اختيار المحكم الإضافي ، فيعين بمقتضى قرار من رئيس المحكمة يتخذه بناء علي طلب الأسبق من الفريقين .
ونجد أيضا نظـام التحكيم السعودي حيث تنص المادة الخامسة منه علي أنه : ( يودع أطراف النزاع وثيقة التحكيم لدي الجهة المختصة أصلا بنظر النزاع ويجب أن تكون هذه الوثيقة موقعة من الخصوم أو من وكلائهم الرسميين المفوضين ومن المحكمين ، وان يبين بما موضوع النزاع وأسماء الخصوم وأسماء المحكمين ...)) .
إلا أن المادة العاشرة من هذا النظام تقضي بأنه في حالة عدم تعيين الخصوم للمحكمين أو امتناع أحدهم عن تعيين محكمه ، يجوز تعيين المحكمين أو من يلزم من المحكمين عن طريق المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع بناء علي طلب من يهمة التعجيل من الخصوم.
وكذلك نجد القانون الفرنسي في المادة ٢/١٤٤٨" من قانون المرافعات الجديد قد استلزم ضرورة أن تشتمل مشارطه التحكيم علي تعيين المحكمين أو بيان طريقة تعينهم ، إلا أنـــه بالنسبة لشرط التحكيم فقد جاءت المادة ١٤٤٤ من قانون المرافعات ذاته بإعطاء الحـــــق لرئيس المحكمة الكلية ، في تعيين المحكمين بناء علي طلب الخصوم ، إذا ما تحقق التراع بالفعل ، ولم يكن شرط التحكيم قد تضمن ، بطبيعة الحال ، أسماء المحكمين أو طريقة تعينهم . فالمشرع الفرنسي هنا قد فرق في مسألة : تعيين المحكمين وتحديدهم أو بيان طريقة تعينهم فيما بين شرط التحكيم ومشارطه التحكيم ، حيث اشترط ضرورة التحديد أو التعيين في المشارطة أو علي الأقل بيان طريقة التعيين ، ولكنه لم يشترط ذلك في شرط التحكيم ، وقد رتب المشرع الفرنسي البطلان جـزاء علــي عـــدم التحديد والتعيين في المشارطة فقط وليس بالنسبة لشرط التحكيم .
هذا ومع ملاحظة أن المشرع الفرنسي لم يخضع التحكيم الدولي ، أي التحكيم في العلاقات الدولية الخاصة لتلك القواعد المنصوص عليها في المادتين سالفتي الذكر ، حيث جاءت المادة ١٤٩٥ من قانون المرافعات الفرنسي بالنص علي عدم خضوع التحكيم الدولي ( حتى ولــــو كـــان خاضعا للقانون الفرنسي ( للقواعد التي توجب تعيين أسماء المحكمين في عقد التحكيـم إلا كان باطلا .. الخ. هذا ونجد كذلك قانون المرافعات الإيطالي يقضي بموجب المادة ٢/٨٠٩ منه بضرورة أن يشتمل اتفاق التحكيم ، شرطا كان أو مشارطه ، على تعيين أو بيان بعدد هم وطريقة تعيينهم
موقف المشرع المصري بعد صدور قانون التحكيم الجديد:-
نظرا لما أثارته المادة ٥٠٢ من قانون المرافعات - الملغي - المصري من خلافات شديدة وجدل فيما بين الفقه والقضاء علي حد سواء ، فقد أراد المشرع المصري القضاء علي تلك الخلافات والجدل في شأن من ": تحديد أو تعيين المحكمين ، وأطلق العنان للخصوم في هذا الشأن وأعطي لهم الحرية الكاملة والواسعة في اختيار الحكمين أو الاتفاق علي طريقة ووقــــت اختيارهم ، علي أنه في حالة عدم اتفاقهم علي ذلك يكون اختيار المحكم أو المحكمين عن طريق المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع ، ويتم ذلك بناء علي طلب أحد الخصوم مع مراعاة المحكمة لما قد يكون قد تم الاتفاق عليه في هذا الشأن فيما بين الخصوم من شروط معينه يجب توافرها في المحكــم أو المحكمين الذين يتم اختيارهم عن طريق المحكمة . فقد نصت المادة ١٧ من قانون التحكيم الجديد رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ علي أنه (( لطرفي التحكيم الاتفاق علي اختيار المحكمين وعلي كيفيه ووقــــت اختيارهم بإذا لم يتفقا اتبع ما يأتي . وجاء باقي النص بتحديد المحكمة التي يتم اللجوء إليها بناء علــي طلب أحد الخصوم لاختيار الحكم أو المحكمين اللازمين لتشكيل هيئة التحكيم ، وهي ا المحكمة المشار إليها بالمادة 4 من ذات القانون وهي المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع ، أما بالنسبة للتحكيم التجاري الدولي فيكون الاختصاص بتلك المسألة - أي اختيار المحكمين – سواء جري التحكيم في مصر أو في الخارج - واتفق الخصوم علي إخضاعه لأحكام هذا القانون بالطبع طبقا لنص المادة الأولي من هذا القانون - يكون الاختصاص بمحكمة استئناف القاهرة أو أي محكمة استئناف أخري بمصــر يتفق الطرفان علي اختصاصها بذلك.
ويتضح من قانون التحكيم المصري الجديد أن المشرع المصري لم يعتبر خلو اتفاق التحكيم من أسماء المحكمين أو تحديدهم وتعيينهم أو حتى بيان طريقة اختيارهم ، سببا من أسباب بطلان اتفاق التحكيم ، وبالتالي لا يعتبر المشرع المصري مسألة تحديد أو تعيين المحكمين في اتفاق التحكيم شرطا من شروط صحة اتفاق التحكيم ، بل اعتبره طبقا لما أورده من أحكام في قانون التحكيم مجرد إجراء للخصوم الحق في إتمامه وبيانه في اتفاق التحكيم أو في اتفاق مستقل ، وعدم التزامهم بذلك لا يؤدي إلى بطلان أو عدم صحة اتفاق التحكيم ، لإجازته عملية اختيار المحكمين عن طريق المحكمة المختصة، حتى تتم عملية التحكيم تنفيذا للاتفاق المبرم فيما بين بإخضاع التراع فيما بينهم للتحكيم .
وقد جاء المشرع المصري في ذلك متفقا مع غالبية التشريعات الصادرة في هذا الشأن في مختلف الأنظمة القانونية ، حيث تجمع علي ضرورة تعيين أو تحديد المحكمين ، في اتفاق التحكيم أو في اتفاق مستقل ، إلا أن عدم التحديد أو التعيين أو بيان طريقة وكيفية تعيين المحكمين من قبل الخصوم في اتفاق التحكيم أو في اتفاق مستقل ، لا يعتبر سببا لعدم صحة اتفاق التحكيم أو للتقرير ببطلان اتفاق التحكيم ، حيث لا يعتبر تحديد المحكمين أو تعيينهم في اتفاق التحكيم ، شرطا من شروط صحة اتفاق التحكيم ، وذلك لإجازة مختلف الأنظمة إجراء عملية اختيار المحكمين وتعيينهم عن طريق المحكمة المختصة بناء علي طلب أحد الخصوم وذلك حتى تتلّم عملية التحكيم تنفيذا لاتفاق التحكيم ، ولا يؤدي عدم التزام أحد الخصوم باختيار محكمة سببا لإعاقة عملية التحكيم ، الأمر الذي سيؤدي دائما إلى سريان اتفاقات التحكيم في العلاقات الدولية الخاصة وعدم عرق قلة تنفيذها لما يساعد ذلك في انتشار التحكيم أكثر وذيوعه أكثر وأكثر كوسيلة لفض منازعات التجارة الدولية باعتباره الوسيلة المثلي والمفضلة حاليا فيما بين المتعاملين في هذا المجال.