لم يضع المشرع المصري في قانون التحكيم رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹4 تنظيما كاملا لعقد المحكم، ومن ثم، فإن دراستنا لهذا العفه ستمد في المقام الأول على القواعد الواردة والخاصة بأقرب العقود، والقواعد الواردة في نظرية العقد، وبعض الأحكام التي أشار إليها هذا القانون.
وإذا نظرنا إلى المحكم باعتباره يساعد في تسيير مرفق عام، وهو مرفق القضاء، الذي يهدف إلى تحقيق العدالة، فهل يعني ذلك أن العقد المبرم بينه وبين الخصوم يعتبر من عقود القانون العام؟ أم أنه من عقود القانون الخاص استنادا إلى الطبيعة التعاقدية للتحكيم، ومن ثم يمكن إدراجه تحت اسم أحد العقود التقليدية المعروفة في القانون الخاص.
ويقصد بعقد المحكم هو عبارة عن اتفاق بين كل من المتحاكمين والمحكم، بمقتضاه يلتزم الأخير بالفصل في النزاع الذي قد ينشأ بينهم أو الذي قد نشأ بالفعل، في مقابل التزام المتحاكمين بدفع الأتعاب المتفق عليها
أرى إذا جاز لي ذلك - أن اعتبار العقد من عقود القانون العام أو من عقود القانون الخاص، يتوقف على نظرنا إلى المحكم، فإذا نظرنا إليه على أنه كالقاضي، خاصة وأنه يساعد في تسيير مرفق مهم جدا، وهو مرفق القضاء، الذي يهدف إلى تحقيق العدالة، فإن العلاقة بينه وبين الخصوم، يمكن اعتبارها من علاقات القانون العام.
ولكن إذا كان المحكم يساعد في تسيير مرفق عام من مرافق الدولة، وهو مرفق العدالة، إلا أن المحكم يستمد سلطته من اتفاق الخصوم على اللجوء إلى التحكيم من خلال شرط أو مشارطة التحكيم، كما أن الخصوم يتمتعون بالحرية الكاملة في اختيار المحكمين، استنادا إلى ثقتهم أو اطمئنانهم إلى أشخاص محددين، مقابل أن يدفعوا لهم أتعابا عن قيامهم بالمهمة التحكيمية حتى الوصول إلى الحكم الفاصل للنزاع.
وتجدر الإشارة إلى أن المحكم قد يقبل أو لا يقبل المهمة المعروضة عليه من قبل الخصوم، فله الحرية الكاملة في ذلك، ولا يمكن إجباره على فعل هذا الأمر، وبالتالي لا يمكن النظر إليه على أساس أنه موظف ، ومن جانبي أرى، أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال النظر إلى المحكم على أساس أنه أحد أعضاء السلطة القضائية، فاعتباره قاضيا لا يستقيم مع المنطق الذي يستند إليه التحكيم، وهو الإرادة المشتركة الطريفي الخصومة.
كما ينبغي الإشارة إلى أن قيام الخصوم بترك عملية اختيار المحكمين لمؤسسة أو مركز تحكيم، لا يعني انتفاء الطبيعة الاتفاقية للتحكيم. واعتبار المحكم موظفا عاما، لأن قيام المؤسسة بعملية الاختيار تستد وتجد مصدرها في تفويض الخصوم لها للقيام بهذا العمل. بالإضافة إلى أن المحكمين يحصلون على أتعابهم من الخصوم وليس من المؤسسة، مما يؤكد على اعتبار العلاقة بين الخصوم والمحكمين من ال علاقات القانون الخاص، وليست من علاقات القانون العام.