اتفاق يتم بين المتعاملين في التجارة الدولية على تسوية نزاع قد نشأ بينهم بالفعل، وذلك عن طريق التحكيم .
وتختلف المشارطة بهذا المعنى عن شرط التحكيم؛ فإذا كان الأخير كما أوضحنا يتم الاتفاق عليه قبل نشوء النزاع، ويأتي في الغالب كبند من بنود العقد، فإن المشارطة يتم الاتفاق عليها بعد نشوء النزاع وفي اتفاق لاحق ومستقل عن العقد الأصلي.
ولا يتم اللجوء إلى مشارطة التحكيم إلا إذا خلا العقد الذي تم إبرامه بين الأطراف من شرط التحكيم، فإذا وجد الأخير فإنه يغنى عن تحرير تلك المشارطة. وقد عبر القضاء الفرنسي عن هذا المعنى في حكم أصدرته محكمة استئناف باريس فى ٨ من يونيه ١٩٧٢.
وقد جرى العمل أمام هيئات التحكيم الدولية وعلى الأخص غرفة التجارة الدولية بباريس على أن يقوم أطراف النزاع والمحكمين عند بدء إجراءات التحكيم بتحرير وثيقة يطلق عليها اسم وثيقة التفويض (Acte de mission يكون الهدف منها تيسير مهمة المحكم المحكمين) عند الفصل في الخصومة وذلك من خلال بيانات معينة تشتمل عليها تلك الوثيقة.
وتحرر وثيقة التفويض سواء جاء الاتفاق على التحكيم التجاري الدولي من خلال شرط التحكيم أو المشارطة، غير أن أهميتها تبدو أكثر في حالة شرط التحكيم، ذلك أن الأخير على خلاف المشارطة لا يمكن أن يحدد فيه موضوع النزاع، أو أسماء المحكمين، أو مكان التحكيم، إلى غير ذلك من البيانات التفصيلية، فتكون الوثيقة فى هذه الحالة بمثابة تكملة لهذا النقص أو الفراغ.
ولا يعنى ذلك أن وثيقة التفويض تفقد أهميتها كلية مع وجود المشارطة، بل تظل ضرورية؛ لأنها تعتبر كما عبر الفقه الفرنسي بمثابة العمل التمهيدى للخصومة (L'acte Introductif de l'instance)، وهذا يتطلب أن يكون هناك اتفاق تحكيم؛ إذ بدونه لا يمكن أن يبدأ العمل الإجرائي الذي تمثله تلك الوثيقة .
وبمعنى آخر فإن اتفاق التحكيم سواء كان شرطا أو مشارطة لا يمكن أن يستعاض عنه بوثيقة التفويض لمنح الاختصاص لهيئة التحكيم للفصل في النزاع. فعند غياب هذا الاتفاق، تنعدم كلية أهمية هذه الوثيقة التي لا يمكن بحال أن تقوم مقام اتفاق التحكيم.
ومؤدى ذلك، أنه بينما يمكن الاستغناء عن مشارطة التحكيم عند الفصل في النزاع، فإنه لا يمكن الاستغناء مطلقا عن اتفاق التحكيم، صحيح أن وثيقة التفويض ترجع أهميتها - كما سبق القول – في اعتبارها العمل التمهيدي للخصومة، إلا أنه على جليل أهميتها ليست هي الأساس في التحكيم؛ وآية ذلك أنه يجوز لأحد الأطراف الامتناع عن المشاركة في تحرير تلك الوثيقة أو التوقيع عليها دون أن يؤثر ذلك على سير إجراءات التحكيم ، بل إن هناك من مراكز التحكيم التجارى الدولى ما لا يتطلب أصلا تحرير تلك الوثيقة، أو على الأقل تجعلها اختيارية.
اتجاه محكمة استئناف باريس إلى جعل وثيقة التفويض بمثابة مشارطة تحكيم
ومع ذلك فقد ذهبت محكمة استئناف باريس في أحد أحكامها إلى اعتبار وثيقة التفويض التي يتم التوقيع عليها من قبل الأطراف والمحكمين عند غياب شرط التحكيم بمثابة مشارطة تحكيم.
والذي يبدو لي أن حكم محكمة استئناف باريس قد جانبه الصواب؛ إذ أنه خلط بين مشارطة التحكيم ووثيقة التفويض رغم ما بينهما من فارق كبير، فقد اعتبرت محكمة استئناف باريس أنه في ظل غیاب شرط التحكيم وقيام الأطراف بتحرير وثيقة التفويض يعد قرينة على رغبتهم الصريحة في اللجوء إلى التحكيم، الأمر الذي قررت معه جعل الوثيقة تأخذ حكم مشارطة التحكيم، وبالتالي فقد أعطت لهذه الوثيقة دورا مزدوجا أى باعتبارها اتفاق تحكيم وعمل إجرائي في نفس الوقت .
ولاشك أن هذا الاتجاه يحمل تناقضا كبيرا فى وظيفة وثيقة التفويض فالأصل أنه لا يتم تحريرها إلا إذا وجد اتفاق التحكيم حتى إذا رفض تحريرها أحد الأطراف أو التوقيع عليها ، لم يكن ذلك مانعا من الاستمرار في الإجراءات تأسيسا على وجود اتفاق التحكيم ذاته، وهو الأصل في تسوية النزاع.
وحسنا ، فقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في قضية هضبة الأهرام المصرية، إلى القول بأن اتفاق التحكيم لا يمكن توافره من خلال وثيقة التفويض ... وإنما من شرط التحكيم الوارد في العقد، وإن قيام الدولة المصرية بتحرير وثيقة التفويض، وتمسكها فيها بعدم وجود اتفاق تحكيم، لا يجعلها تحل محل هذا الاتفاق.
نخلص من كل ما سبق إلى أن وثيقة التفويض لا تعتبر في حكم مشارطة التحكيم، حتى ولو لم ينازع أى من الأطراف بعد توقيعها في اختصاص هيئة التحكيم؛ ذلك أن الحكم الذي يصدر في هذه الحالة سوف يكون معرضا للبطلان؛ إذ يكفى أن يتمسك الطرف الذي خسر الحكم بعدم وجود اتفاق تحكيم حتى يقضى ببطلانه أو بعدم تنفيذه، ثم إذا سلمنا باعتبار الوثيقة مشارطة، لكان معنى ذلك الأخذ في كل حالة ينبيء فيها موقف الأطراف عن عدم المنازعة في اختصاص هيئة التحكيم، بأنه اتفاق تحكيم «مشارطة». والأمثلة على ذلك كثيرة، والنتيجة في النهاية هي عدم الاعتراف بحكم التحكيم لكونه قد صدر بدون اتفاق، وهو سبب جوهرى لبطلان الحكم، سواء في الاتفاقيات الدولية أو التشريعات الوطنية.