ويمكن تعريف مشارطة التحكيم بأنها اتفاق بين طرفي النزاع علي تسوية نزاع معين نشأ بينهما بالفعل بطريق التحكيم ومشارطة التحكيم علي هذا النحو تصح بمجرد نشوء نزاع بين الطرفين إذا لا يشترط أن ينتظر الطرفان فترة معينة بعد نشوء النزاع لكي يبرما مشارطة التحكيم ، بل يجوز إبرام مشارطة التحكيم في أي وقت بعد نشوء النزاع حتى ولو لجا أحد طرفي النزاع إلي القضاء ، إلا أنه ومتى تم إبرام مشارطة التحكيم بعد لجوء أحد طرفي النزاع إلي القضاء فيجب أن يحدد الاتفاق المسائل التي يشملها التحكيم وإلا كان الاتفاق باطلا.
ذهب جانب من الفقه إلى أنه تصح مشارطة التحكيم بعد حكم أول درجة وبعد الطعن في الحكم بالاستئناف طالما لم يصدر في النزاع حكما نهائي. والواقع فإننا لا نؤيد هذا الرأي لعدة أسباب نابعة من عدة فرضيات نفترضها علي النحو الآتي:
أولا: حالة ما إذا كان محل التحكيم منازعة إدارية - كأن تكون المنازعة ناشئة عن عقد إداري ، فهنا ولما كانت الأحكام الصادرة من كل من المحكمة الإدارية ومحكمة القضاء الإداري واجبة النفاذ بمجرد صدورها ووضع الصيغة التنفيذية عليها ، فإنه لا يتصور بعد أن يحصل أحد طرفي النزاع - والذي غالبا ما سيكون الفرد الذي يقاضي الدولة - علي حكم قضائي في صالحة أن يترك هذا الحكم أو يتنازل عنه ويقوم بالاتفاق علي التحكيم مع الجهة الإدارية علي النزاع ، فبالإضافة إلى أن هذا الفرض غير متصور ، فإنه كذلك غير سليم من الناحية القانونية إذا لو حدث ذلك لأمكن أن يصدر حكم تحكيمي يتعارض مع الصادر من محاكم مجلس الدولة وهو ما يتنافى مع مبادئ حجية الأمر المقــ الذي ثبتت للحكم الصادر أمام أول درجة من محاكم مجلس الدولة.
ثانيا: حالة ما إذا كان التحكيم منصبا علي منازعة يختص بها في الأصل القضاء العادي :
ومن ثم ولكل ما سبق فإننا نرى أن إبرام مشارطة التحكيم بعد رفع الدعوى عن موضوع النزاع لا تصح إلا إذا أبرمت المشارطة وقدمت إلي المحكمة قبل إقفال باب المرافعة إذ أن بعد إقفال باب المرافعة تكون الدعوى مهيئة للفصل فيها ومن ثم في نظرنا لا يجوز إبرام مشارطة التحكيم لإمكان حدوث التعارض بين الحكم الذي ستصدره المحكمة و حكم التحكيم الذي سيصدره المحكم.
الطبيعة القانونية لشرط التحكيم
ومشارطة التحكيم هي عقد يبرمه طرفا النزاع لحــــل النزاع الذي نشأ بينهما بطريق التحكيم ومن ثم فإن هذا العقد يجب أن يشتمل علي بعض البنود الأساسية والتي من ضمنها أسماء أطراف المشارطة والقانون الحاكم للنزاع ومكان التحكيم ولغته وأتعاب المحكمين وما إذا كانت الأتعاب ستقسم بين الطرفين أم أنها سيتحملها الطرف الخاسر وحده ، وميعاد جلسات التحكيم وعنوان المراسلات بين طرفي النزاع والأجل الذي يتعين علي المحكمين إصدار حكم التحكيم خلاله.