الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / استقلال شرط التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / استقلال شرط التحكيم بين النظرية والتطبيق / أساس استقلال شرط التحكيم في التشريع المصري

  • الاسم

    أشرف محمد محسن خليل الفيشاوي
  • تاريخ النشر

    2021-01-01
  • عدد الصفحات

    403
  • رقم الصفحة

    148

التفاصيل طباعة نسخ

أساس استقلال شرط التحكيم في التشريع المصري

    كمعظم التشريعات الوطنية الحديثة المنظمة للتحكيم نص المشرع المصري على استقلالية شرط التحكيم بنصه في القانون رقم 27 لسنة 1994 الذي نظم التحكيم الدولي والداخلي على حد سواء بالمادة 23 على أن (يعتبر شرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى، ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته)، مما يظهر أن المشرع المصري قد قام بالنص صراحة على مبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي.

 

    قد جاء هذا النص ليؤكد على ما جرى عليه العرف التجاري الدولي من استقلال شرط التحكيم عن باقي بنود العقد، ومفاد ذلك أن شرط التحكيم يكون صحيحاً حتى وإن تم إبطال العقد أو فسخه لأي سبب، فيظل شرط التحكيم ساريا ما لم يطال الشرط ذاته من أسباب البطلان- كان يرد الاتفاق على مسألة لا يجوز تسويتها بطريق التحكيم أو بسبب غموض الشرط نفسه - فيكون شرط التحكيم باطلا ذاته حتى لو صحت كافة بنود العقد الأخرى.

  وقضت محكمة النقض بأن "النص في المادة 23 من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 بأن "يعتبر شرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد في في من الأخرى ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحاً ذاته"، يدل على أنه أحد القواعد الأساسية التي تعتبر ركائز التحكيم وهي استقلال شرط التحكيم الذي يكون جزءاً من عقد عن شروط هذا العقد الأخرى بحيث لا يعيبه ما قد يصيب العقد من جزاء الفسخ أو أسباب البطلان أو إنهائه، ومن ثم ففسخ العقد الأصلي أو بطلانه أو إنهاؤه لا يمنع من إنتاج شرط التحكيم لآثاره. طالما هو صحيح في ذاته. ومؤدى ذلك أن اتفاق التحكيم سواء كان منفصلاً في هيئة مشارطة التحكيم أو في بند من بنود العقد الأصلي فإنه يتمتع باستقلال قانوني بحيث يصبح بمنأى عن أي عوار قد يلحق الاتفاق الأصلي يترتب عليه فسخه أو بطلانه. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى في قضائه إلى بطلان حكم التحكيم لانتهاء عقلى النزاع وعدم وجود اتفاق جديد على التحكيم في حين أن شرط التحكيم الوارد بهذين العقدين صحيح في ذاته وبالتالي يكون بمنأى عن عوار قد يلحق الاتفاق الأصلي بما يعيبه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه". 

   وبناء على ما سبق فإن استقلال شرط التحكيم بعد عقداً قائماً بذاته، وذلك على الرغم من أنه أحد بنود العقد الأصلي، وهذا ما يستتبع إمكان إخضاع كل منهما لقانون يختلف عن الآخر. وقد ذهب الفقه إلى ضرورة استقلال اتفاق التحكيم وذلك خروجاً على القواعد العامة التي تقضي بكون اتفاق التحكيم يدور وجوداً وعدماً مع العقد الأصلي الذي ورد فيه، وذلك طالما كان اتفاق التحكيم صحيحاً في ذاته.

    وتجدر الإشارة هنا إلى أن شرط التحكيم شأنه شأن سائر العقود، إذا اشتمل الشرط على شق باطل اقتصر البطلان على هذا الشق دون يتعداه إلى باقي الشرط، فإذا اشتمل اتفاق التحكيم على منازعات لا يجوز فيها التحكيم لحقه البطلان في هذا الجزء دون سواه، وصح باقي الشرط بالنسبة للمنازعات التي يجوز فيها التحكيم.

    ومبدأ استقلال شرط التحكيم  ينطبق سواء ورد الاتفاق على التحكيم كشرط ضمن بنود العقد أو ورد بمشارطة تحكيم بعد نشأة النزاع، وهذا الاستقلال يجد أساسه اختلاف الموضوع الذي ينظمه شرط التحكيم عن موضوع العقد الأصلي كذلك في اختلاف السبب لكل في منهما.

    ويترتب على استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي عدم تأثر اتفاق التحكيم بمسألة عدم صحة العقد الأصلي أو بطلانه أو فسخه أو إنهائه فإذا قضي ببطلان العقد فإن الاتفاق يظل قائماً إذا ما كان الشرط صحيحاً في وإذا كان شرط التحكيم باطلا لعيب فيه فالشرط وحده هو الذي يبطل ويزول ذاته دون باقي بنود العقد.

    كذلك لا يخضع شرط التحكيم للقيود التي تضعها القوانين الوطنية وخاصة المتعلقة بقواعد التنازع، فالقانون الذي يخضع له العقد الأصلي قد يختلف عن القانون الذي يخضع له اتفاق التحكيم. 

   وتجدر الإشارة هنا إلى أنه وقبل صدور هذا القانون كان هناك اتجاه في مصر يؤيد الأخذ بمبدأ استقلال شرط التحكيم. حيث إن محكمة النقض المصرية قضت بأن مجرد تحرير مشارطة التحكيم والتوقيع عليها لا يقطع أيهما في ذاته مدة التقادم.

   وهذا الحكم حسب رأي البعض، قاطع في تحديد اتجاه القضاء المصري حول إعمال مبدأ استقلال شرط التحكيم، فمحكمة النقض تفرق تماماً بين اتفاق التحكيم وموضوعه عرض نزاع معين على محكمين سواء كان هذا الاتفاق في صورة مشارطة أو شرط، وبين موضوع الحق المتنازع عليه، وتعتبر أن كلا منهما له مجاله وقواعده وآثاره المستقلة تماماً عن الأخرى. 

    وقد ذهب البعض بالقول إن المحكمة العليا في مصر قد أعملت ذلك المبدأ بكل فروضه أي سواء كانت المعاملة داخلية أو متعلقة بالتجارة الدولية، ذلك أنها إذا أعملت المبدأ في معاملة داخلية، يكون إعماله في مجال التجارة الدولية من باب أولى.

   وقد ذهب البعض إلى أن تطبيق مبدأ استقلالية شرط التحكيم كان يجد سنده في تطبيق قواعد اتفاقية نيويورك 1958 حيث بالانضمام إليها صارت أوردتها هذه الاتفاقية في مجال تقنين مبدأ الاستقلالية ونتائجه واجبة التطبيق في شأن التحكيمات المتصلة بمعاملات دولية، بينما انتقد البعض هذا التسبيب الأخير تأسيساً على أن الاتفاقية لم تتعرض لهذا المبدأ وأنها خاصة بالاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها، وأياً كان الرأي الصائب، فإن قانون التحكيم المصري الجديد قد حسم هذا الخلاف مقرراً استقلال اتفاق التحكيم إذا كان شرط التحكيم صحيحاً في ذاته.