اتفاق التحكيم / استقلال شرط التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / استقلال شرط التحكيم بين النظرية والتطبيق / أساس مبدأ الاستقلال في التشريعات المقارنة
إن مبدأ الاستقلال يحرر اتفاق التحكيم من القيود التي تفرضها عليه قاعدة الأثر النسبي للعقد، حيث إن اتفاق التحكيم هو اتفاق إجرائي يقيد الحق في الدعوى وينظم ذلك الحق أمام محكمة التحكيم.
يشار إلى التحكيم بالعدالة الخاصة، من أهم مزايا التحكيم الدولي هو القدرة والفرصة الممنوحة للأطراف للتحكم في مسار عملية التحكيم، تخضع هذه العملية لإرادة أطراف النزاع، ويمكنهم اختيار مكان التحكيم والقانون المعمول به واللغة وتشكيل هيئة التحكيم التي ستفصل في النزاع عن طريق إصدار قرار التحكيم . هذا القرار له تأثير ملزم على الأطراف .
على الرغم من أن اللوائح الفرنسية في مجال التحكيم توفر نظاماً جذاباً، فقد نشأت الحاجة إلى إصلاح هذا القانون .جعل قانون التحكيم الفرنسي قانوناً حديثاً وواحداً من أكثر القوانين ليبرالية في العالم .شهد التحكيم الدولي تأثير الإصلاح الفرنسي لقانون التحكيم بموجب المرسوم عدد 48 لسنة 2011 المؤرخ في 13 يناير 2011، والذي لديه بالتأكيد طموح لمواجهة موقف باريس، المقعد الذي يتم اختياره كثيرا في التحكيم
التجاري الدولي.
ط - استقلالية شرط التحكيم
قبل ما يقرب من خمسين عاماً، أكدت محكمة النقض في حكم جوسيت الصادر في 7 مايو 1963.
استقلالية اتفاقية التحكيم:
في التحكيم الدولي، يقدم اتفاق التحكيم، سواء أبرم بشكل منفصل أو مدرج في الفعل القانوني الذي يتعلق به، دائما، إلا في ظروف استثنائية. استقلالا قانونيا يستبعد أنه يمكن أن يتأثر ببطلان محتمل من الفعل .
وبنفس المعنى، أكد المرسوم رقم 80-354 المؤرخ في 14 مايو 1980 قوة إرادة الأطراف من خلال الاعتراف بشرط التحكيم باعتباره اتفاق تحكيم" حقيقي . وبالتالي، فإن مصير اتفاق التحكيم لا يرتبط بمصير العقد الذي يتعلق به مبدأ استقلالية شرط التحكيم هو مبدأ من مبادئ قانون التحكيم الدولي، فهو يعتبر قاعدة عالمية.
لم يتم كتابة هذه القاعدة في القانون ولكن تم الاستشهاد بها في حكم جوسيت، وفي هذا الحكم يتم استبدال مصطلح الاستقلالية بمصطلح الاستقلال.ولا يعلن مبدأ استقلال شرط التحكيم صحة شرط التحكيم بطريقة مطلقة، ولكنه يعني ببساطة أن بطلان العقد الأساسي لا يمنع التحكيم .ومن المعروف أن هذا الاستقلال يعني أن اتفاق التحكيم قد يخضع، من حيث صحته، لقانون يختلف عن ذلك الذي يحكم العقد الرئيسي. في هذا السياق، يتحدث حكم جوسيت عن الاستقلال القانوني وعدم وجود استقلال مادي بين العنصرين.
بحكم قاعدة موضوعية من قانون التحكيم الدولي، فإن شرط التحكيم مستقل قانوناً عن العقد الرئيسي الذي يحتوي عليه بشكل مباشر أو بالإحالة، ويتم تقييم وجوده وفعاليته، وفقاً للقواعد الإلزامية للقانون الفرنسي. والنظام العام الدولي، وفقاً للإرادة المشتركة للأطراف دون الحاجة إلى الرجوع إلى قانون الدولة.
لذلك يعلن الحكم أن هناك نظاماً جوهرياً خاصاً باتفاق التحكيم. يؤكد هذا الحكم أن وجود اتفاق التحكيم وفاعليته محفوظ من قبل الأطراف، ويتم تقييمه بالإرادة المشتركة للأطراف دون الحاجة إلى الرجوع إلى قوات الدولة. يذهب القانون الفرنسي إلى أبعد من الحقوق الأخرى، فكلمة "الصلاحية" تستبدل بالفاعلية والوجود .
لم يكن الأمر كذلك حتى عام 1999 في حكم زانزي، عندما أعلنت محكمة النقض أخيراً صلاحية كلمة اتفاقية التحكيم الدولية، بموجب القانون الفرنسي، اتفاقية التحكيم بدون قانون. يرفض القانون الفرنسي إسناد قانون إلى اتفاق التحكيم، فهو ينسبه إلى إرادة الأطراف علاوة على ذلك، فإن هذه الإرادة من الطرفين ليست كافية لمنح القوة الملزمة على العقد. ولا يمكن إبطال هذه الاتفاقية إلا بقاعدة من قواعد النظام الدولي العام.
وهذه الفكرة فكرة أممية يمكننا أن نرى من هذا المنطق أن يكون دعما للقانون الفرنسي لاستقلالية التحكيم الدولي.
من خلال إصلاح قانون التحكيم الفرنسي في عام 2011، کرس المرسوم الصادر في 13 يناير 2011 مبدأ الاستقلال الذاتي لاتفاقية التحكيم الدولية، المعترف به سابقاً بموجب السوابق القضائية، في 1447 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي. وبحسب هذه المادة، فإن الاتفاقية مستقلة عن العقد الذي تشير إليه، بحيث لا يبطل بطلان العقد المادة الثاني الأول.
هناك فرق ملحوظ في حالة شكل اتفاق التحكيم، بين حق التحكيم الداخلي من جهة والتي تتطلب في المادة 1443 من قانون الإجراءات الجنائية أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً تحت العقوبة من البطلان. وقانون التحكيم الدولي من ناحية أخرى في المادة 1507 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تنص صراحة على أن اتفاقية التحكيم الدولية لا تخضع لأي شرط من شروط الشكل. وفقا للقانون الفرنسي، في المسائل الدولية، يكون اتفاق التحكيم ساري المفعول، مهما كانت وسيلته، بشرط تقديم دليل على نية الطرفين في اللجوء إلى التحكيم.
وجود اتفاق تحكيم له أثران بموجب القانون الفرنسي؛ تأثير إيجابي الذي يؤسس اختصاص هيئة التحكيم، وتأثيرا سلبيا يزيل اختصاص قاضي الولاية، لأنه بموجب قانون التحكيم الفرنسي، في حالة وجود اتفاق تحكيم، يقرر المحكم بنفسه الكفاءة الخاصة ،وبالتالي، نلاحظ أن سلطات هيئة التحكيم معززة بمبدأ الاختصاص – الاختصاص هذا.
أساس مبدأ الاستقلال في التشريع الأردني:
استحدث قانون التحكيم الأردني لسنة 2001 أحكاماً جديدة منها استقلال شرط التحكيم. أقرت المادة 22 من القانون المذكور هذا المبدأ بقولها: "بعد شرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى، ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته." وتجدر الإشارة إلى أن هذا النص يطبق تبعاً لتطبيق قانون التحكيم الأردني على كل تحكيم اتفاقي يجري في المملكة سواء تعلق بالتجارة الدولية أم لا.
أساس مبدأ الاستقلال في التشريع المغربي:
عرف شرط التحكيم بالاستقلالية جدلا إذ لم يتضمن قانون المسطرة المدنية سنة 1974 أحكام صريحة تكرس هذا المبدأ، مما جعل الفقه يأخذ بالفصل 309 من ظهير الالتزامات والعقود أي أخذ بنظرية انتقاص العقد لتكريس المبدأ.
وفي إطار تعديل قانون المسطرة المدنية، أضفي المشرع هذه الاستقلالية في النص الخاص بموجب الفصل 318 الذي ينص على أنه: "يعتبر شرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى، ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته."
أساس مبدأ الاستقلال في التشريع الجزائري
يقر المشرع الجزائري مبدأ استقلالية شرط التحكيم من خلال نص المادة 458 مكررا/ 1 من قانون المرافعات غير أن هذا الإقرار لم يكن صريحا، بل تم استنباطه من نص المادة 458 مكررا/1 أي المشرع الجزائري أشار إلى المبدأ ضمنياً، ويلاحظ أن نص المادة لم يشر إلى الفسخ، أو إنهاء العقد، أو غيرها من الحالات التي ينقضي فيها العقد؛ بل اقتصر على تحديد حالة واحدة فقط وهي البطلان من أجل الإفهام بمبدأ الاستقلالية، وقد عرض على القضاء الجزائري إحدى حالات انقضاء العقد الأساسي التي لم يذكرها المشرع في نص المادة 458 مكررا/1.
موقف القانون السوري:
حيث قررت محكمة النقض السورية أن البحث في موضوع العقد الأصلي يعتبر من المسائل الموضوعية التي يعود تقديرها لقضاء الأساس وتطبيقاً لهذه القاعدة "إذا جرى تحكيم في سورية بخصوص عقد وطني أو دولي، وتمسك أحد الأطراف ببطلان العقد الأصلي، وانسحاب هذا البطلان على اتفاق التحكيم، فإن المحكمين يلزمون بوقف التحكيم وإحالة الأطراف إلى القضاء للفصل في الدفع المذكور عملاً بالمادة (525) من قانون الأصول السوري، دون أن تأخذ بعين الإعتبار سلطة المحكمين الواسعة في الفصل في مثل هذه الدفوع المتعلقة بعقود التجارة الدولية.
وقد وجه الفقه السوري نقداً لهذه الاتجاه، ونادي بضرورة منح هيئة التحكيم سلطة الفصل في الدفوع اختصاصها بما في ذلك الدفوع المبنية على بطلان العقد الأصلي أو فسخه وإنهائه، تطبيقاً لمبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي وذلك على صعيد المعاملات الداخلية والمعاملات المتعلقة بعدم الدولية على حد سواء .
كذلك أكد قضاء التحكيم, في سورية على مبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي، وما يترتب عليه من ضرورة منح هيئة التحكيم سلطة الفصل في كافة الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها بما فيها الدفوع المبنية على بطلان العقد الأصلي أو فسخه أو إنهائه. وجدير بالذكر أن قانون أصول المحاكمات السوري جاء خالياً من أي نص يقرر مبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي، ومن ثم يحسم الخلاف بشأن هذه المسألة.