اتفاق التحكيم / استقلال شرط التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / استقلال شرط التحكيم بين النظرية والتطبيق / أساس استقلال شرط التحكيم في التشريع المصري
كمعظم التشريعات الوطنية الحديثة المنظمة للتحكيم نص المشرع المصري على استقلالية شرط التحكيم بنصه في القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ الذي نظم التحكيم الدولي والداخلي على حد سواء بالمادة ٢٣ على أن (يعتبر شرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى، ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته)، مما يظهر أن المشرع المصري قد قام بالنص صراحة على مبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي.
قد جاء هذا النص ليؤكد على ما جرى عليه العرف التجاري الدولي من استقلال شرط التحكيم عن باقي بنود العقد، ومفاد ذلك أن شرط التحكيم يكون صحيحاً حتى وإن تم إبطال العقد أو فسخه لأي سبب، فيظل شرط التحكيم سارياً ما لم يطال الشرط ذاته أي من أسباب -البطلان - كأن يرد الاتفاق على مسألة لا يجوز تسويتها بطريق التحكيم أو بسبب غموض الشرط نفسه فيكون شرط التحكيم باطلًا في ذاته حتى لو صحت كافة بنود العقد الأخرى.
وقضت محكمة النقض بأن النص في المادة ۲۳ من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ بأن يعتبر شرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته"، يدل على أنه أحد القواعد الأساسية التي تعتبر من ركائز التحكيم وهي استقلال شرط التحكيم الذي يكون جزءاً من عقد عن شروط هذا العقد الأخرى بحيث لا يعيبه ما قد يصيب العقد من جزاء الفسخ أو أسباب البطلان أو إنهائه، ومن ثم ففسخ العقد الأصلى أو بطلانه أو إنهاؤه يمنع من إنتاج شرط التحكيم لآثاره. طالما هو صحيح في ذاته. ومؤدى ذلك أن اتفاق التحكيم سواء كان منفصلاً في هيئة مشارطة التحكيم أو في بند من بنود العقد الأصلي فإنه يتمتع باستقلال قانوني بحيث يصبح بمنأى عن أي عوار قد يلحق الاتفاق الأصلى يترتب عليه فسخه أو بطلانه. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى في قضائه إلى بطلان حكم التحكيم لانتهاء عقدی النزاع وعدم وجود اتفاق جدید على التحكيم في حين أن شرط التحكيم الوارد بهذين العقدين صحيح في ذاته وبالتالي يكون بمنأى عن أي عوار قد يلحق الاتفاق الأصلي بما يعيبه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه".
وتجدر الإشارة هنا إلى أن شرط التحكيم شأنه شأن سائر العقود، إذا اشتمل الشرط على شق باطل اقتصر البطلان على هذا الشق دون أن يتعداه إلى باقي الشرط، فإذا اشتمل اتفاق التحكيم على منازعات لا يجوز فيها التحكيم لحقه البطلان في هذا الجزء دون سواه، وصح باقي الشرط بالنسبة للمنازعات التي يجوز فيها التحكيم.
وقد استقرت محكمة النقض المصرية على أنه لئن كان من غير الجائز التحكيم بصدد تحديد مسئولية الجاني عن الجريمة الجنائية وإلا عد باطلاً لمخالفته للنظام العام، إلا أنه إذا اشتمل الاتفاق على التحكيم بالقضاء في منازعات لا يجوز فيها، فإنه شأنه في ذلك شأن سائر العقود — يصح بالنسبة إلى ما يجوز فيه التحكيم ويقتصر البطلان على الشق الباطل وحده ما لم يقدم من يدعي البطلان الدليل على أن الشق الباطل أو القابل للإبطال لا ينفصل عن جملة التعاقد.
كما قضت بأن "المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لما كانت المادة ٥٠١ من قانون المرافعات المنطبقة على واقعة الدعوى تنص في فقرتها الرابعة على أنه "ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح …….." كما أن المادة ٥٥١ من القانون المدني تنص على أنه "لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام ..." ومفاد ذلك أنه لا يجوز التحكيم بصدد تحديد مسئولية الجاني عن الجريمة الجنائية وإلا عد باطلا لمخالفته للنظام العام وإذ كانت المسألة التي انصب عليها التحكيم وبالتالي كانت سببا للالتزام في السند إنما تتناول الجريمة ذاتها وتستهدف تحديد المسئول عنها وهي من المسائل المتعلقة بالنظام العام فلا يجوز أن يرد الصلح عليها وبالتالي لا يصح أن تكون موضوعا لتحكيم وهو ما يستتبع أن يكون الالتزام المثبت في السند باطلا لعدم مشروعية سببه".
ومبدأ استقلال شرط التحكيم (Separability or Severability) ينطبق سواء ورد الاتفاق على التحكيم كشرط ضمن بنود العقد أو ورد بمشارطة تحكيم بعد نشأة النزاع، وهذا الاستقلال يجد أساسه في اختلاف الموضوع الذي ينظمه شرط التحكيم عن موضوع العقد الأصلي كذلك في اختلاف السبب لكل منهما.
ويترتب على استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي عدم تأثر اتفاق التحكيم بمسألة عدم صحة العقد الأصلي أو بطلانه أو فسخه أو إنهائه فإذا قضي ببطلان العقد فإن الاتفاق يظل قائماً إذا ما كان الشرط صحيحاً في ذاته وإذا كان شرط التحكيم باطلا لعيب فيه فالشرط وحده هو الذي يبطل ويزول دون باقي بنود العقد.
كذلك لا يخضع شرط التحكيم للقيود التي تضعها القوانين الوطنية وخاصة المتعلقة بقواعد التنازع، فالقانون الذي يخضع له العقد الأصلي قد يختلف عن القانون الذي يخضع له اتفاق التحكيم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه وقبل صدور هذا القانون كان هناك اتجاه في مصر يؤيد الأخذ بمبدأ استقلال شرط التحكيم حيث إن محكمة النقض المصرية قضت بأن مجرد تحرير مشارطة التحكيم والتوقيع عليها لا يقطع أيهما في ذاته مدة التقادم، لأن المشارطة ليست إلا إتفاقا على عرض نزاع معين على محكمين والنزول على حكمهم ، ولا يتضمن مطالبة بالحق أو تكليفا للخصوم بالحضور أمام هيئة التحكيم وإنما يمكن أن يحصل الانقطاع نتيحة للطلبات التي يقدمها الدائن للمحكمين أثناء السير في التحكيم إذا كانت تتضمن تمسكه بحقه، لأن قانون المرافعات نظم إجراءات التحكيم على نحو يماثل إجراءات الدعوى العادية والزم المحكمين والخصوم باتباع الأصول والمواعيد المتبعة أمام المحاكم إلا إذا حصل إعفاء المحكمين منها صراحة، كما أوجب صدور الحكم منهم على مقتضى قواعد القانون الموضوعي".
وقد ذهب البعض إلى أن تطبيق مبدأ استقلالية شرط التحكيم كان يجد سنده في تطبيق قواعد اتفاقية نيويورك ١٩٥٨ حيث بالانضمام إليها صارت القواعد التي أوردتها هذه الاتفاقية في مجال تقنين مبدأ الاستقلالية ونتائجه واجبة التطبيق في شأن التحكيمات المتصلة بمعاملات دولية، بينما انتقد البعض هذا التسبيب الأخير تأسيساً على أن الاتفاقية لم تتعرض لهذا المبدأ وأنها خاصة بالاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها، وأياً كان الرأي الصائب، فإن قانون التحكيم المصري الجديد قد حسم هذا الخلاف مقرراً استقلال اتفاق التحكيم إذا كان شرط التحكيم صحيحاً في ذاته.