اتفاق التحكيم / استقلال شرط التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / استقلال شرط التحكيم بين النظرية والتطبيق / مفهوم تكميلي حديث الاستقلال شرط التحكيم "الانفصال" استقلال اتفاق التحكيم بالنسبة للقانون الذي يخضع له العقد الأصلي
مفهوم تكميلي حديث الاستقلال شرط التحكيم "الانفصال" استقلال اتفاق التحكيم بالنسبة للقانون الذي يخضع له العقد الأصلي
نشأ مبدأ استقلال اتفاق التحكيم حماية لاتفاق التحكيم وبهدف فصله عن النزاعات والتخبط التي قد تصيب العقد الأصلي وموضوع العقد الأصلي، وهذا المبدأ بدأ يأخذ شيئاً فشيئاً مفهومًا جديدًا، فخلق القضاء الفرنسي مبدأ يقرر صحة اتفاق التحكيم، وعدم خضوعه لمنهج التنازع التقليدي. فظهر اتجاه يخلص اتفاق التحكيم من الخضوع لأي تشريع داخلي يمكن أن يطبق عليه، لتقدير مدى صحته وبالتالي مدى اختصاص المحكم.
وتطورت هذه النتيجة إلى أن أصبحت مبداً قائماً بحد ذاته، وإن لم يحل محل المفهوم السابق لهذا المبدأ ولكنه أضيف له، فخلق مبدأ يقرر صحة اتفاق التحكيم الدولي، وعدم خضوع هذا الاتفاق لمنهج التنازع التقليدي. فلم يعد يقتصر مبدأ استقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي على عدم ارتباط مصير شرط التحكيم بمصير العقد الأصلي، بل وإلى إمكانية خضوع شرط التحكيم لنظام قانوني مختلف عن القانون الذي يخضع له العقد الأصلي، فلا تتوقف صحة شرط التحكيم على حكم القانون واجب التطبيق على العقد الأصلي.
وهو ما انتهى إليه القضاء الفرنسي بالإشارة إلى هذا المبدأ في الحكم الصادر من محكمة النقض الفرنسية والذي تعلق بنزاع بقيام إحدى الشركات الهولندية بإلغاء عقد وكالة تجارية مع أحد الفرنسيين وكان غير تاجر، وقام الأخير باللجوء للتحكيم مطالباً الشركة الهولندية بالتعويض جراء فسخها للعقد، وقامت الشركة بالدفع ببطلان شرط التحكيم الوارد بعقد الوكالة على أساس أن القانون الفرنسي الواجب التطبيق على العقد يمنع شرط التحكيم في العقود المبرمة ما بين التجار وغير التجار، وعند عرض النزاع أمام محكمة النقض الفرنسية رفضت المحكمة هذا الدفع مقررة صراحة مبدأ استقلال شرط التحكيم عن القانون الذي يحكم العقد الأصلي .
وإعمال هذه المبادئ المتقدمة على اتفاق التحكيم يؤدي إلى تنازع في التكييفات، بشأن تحديد طبيعة اتفاق التحكيم وبالتالي إمكانية خضوعه إما للقانون الذي يحكم الإجراءات أو لقانون الإرادة فالنظر إلى اتفاق التحكيم من حيث ما يرتبه من أثر يتعلق باختصاص القضاء العام يجعل منه مسألة تتعلق بالإجراءات التي تخضع للقانون الذي يحكم هذه الأخيرة، بينما النظر إلى اتفاق التحكيم على أنه عقد مستقل عن الإجراءات التي يعد مصدرها أو أساسها ، يؤدي إلى إخضاع اتفاق التحكيم إلى القانون واجب التطبيق، الذي اختاره الأطراف وفقاً للقواعد المستقرة والمعمول بها بشأن العقود الدولية بصفة عامة. وقد انقسم الفقه إلى قسمين تبنى القسم الأول التكييف الإجرائي لاتفاق التحكيم بينما ذهب القسم الآخر إلى تبني التكييف العقدي لاتفاق التحكيم.
أما من جهة التكييف الإجرائي ففي هذه الحالة، القانون الواجب التطبيق هو قانون مكان إجراء التحكيم، رغم أن هذا الحل شاع في السابق لا سيما في الفقه المستوحى من القانون الإنجليزي ، الذي تبنى يتمثل في تقدير صحة اتفاق التحكيم تخضع وجوباً إلى قانون مكان التحكيم وهو موقف أخذت به بعض قرارات التحكيم.
بالإضافة إلى أن إخضاع اتفاق التحكيم لقانون مكان التحكيم، عملياً هو مصدر صعوبة إضافية.
وقضت محكمة النقض بأن "اختيار الأطراف لمكان معين الإجراء التحكيم ينطوي ضمنًا على اختيارهم القانون الإجرائي لهذا المكان لتخضع له إجراءات التحكيم ما لم يعلنوا صراحة عن إرادتهم باختيار قانون آخر.
ويجب التفرقة بين المكان المادي للتحكيم الذي تنعقد فيه جلسات التحكيم، وبين مكان التحكيم كفكرة قانونية مقر التحكيم تترتب عليها الآثار القانونية سالفة الذكر، فيجوز أن تنعقد جلسات التحكيم في أماكن مادية مختلفة ورغم ذلك يبقى مكان التحكيم كفكرة قانونية واحدًا، ومؤدى ذلك أن مخالفة هيئة التحكيم لمكان التحكيم الذي اتفق عليه الطرفان أو للمكان الذي قررت اختياره لا يترتب عليه بطلان الإجراءات، وإنما يتيح لأي من الطرفين مطالبة هيئة التحكيم بالتعويض عما أصابه من أضرار جراء هذه المخالفة، ما لم يتبين أن اختيار الهيئة مكانًا معينًا للتحكيم قد أخل إخلالا جوهريًا بمبدأ المساواة بين الطرفين أو لم يُمَكِّن أحدهما من تقديم دفاعه. لما كان ذلك، وكان الثابت في الأوراق أن اتفاق التحكيم بين الطرفين حدد مدينة القاهرة مكانا للتحكيم والذي جرى طبقًا لقواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، وكان الثابت في حكم التحكيم مثار النزاع أنه صدر في القاهرة باعتبارها المقر القانوني للتحكيم، فإن قيام أعضاء هيئة التحكيم بإجراء المداولة فيما بينهم والتوقيع على حكم التحكيم خارج مدينة القاهرة وعدم تواجدهم بها وقت إصداره لا يترتب عليه بطلان الحكم، سيما وأن الطاعنة لم تدع أن اتخاذ تلك الإجراءات في الخارج - وهو ما خلت الأوراق من دليل إثباته – قد أخل إخلالا جوهريا بمبدأ المساواة بينها وبين المطعون ضدهما أو لم يُمَكِّنها من تقديم دفاعها، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى إلى رفض القضاء ببطلان حكم التحكيم لهذا السبب فإن النعي عليه بهذا الوجه يكون على غير أساس".
وهذا الرأي الذي يأخذ بالتكييف العقدي لاتفاق التحكيم يرى أن اتفاق التحكيم هو عبارة عن عقد ولا يعامل في إطار القانون الدولي الخاص معاملة مختلفة عن باقي العقود الأخرى. ومن ثم فإن قواعد القانون الدولي الخاص التي تحكم العقود بصفة عامة تطبق على اتفاق التحكيم.
وفي حالة اختيار الأطراف للقانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم بشكل واضح وصريح، فعلى القاضي أو المحكم الأخذ بما اتفق عليه الأطراف .
تنص المادة (۲٥) من قانون التحكيم المصري على أنه "لطرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم، بما في ذلك حقها في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمة أو مركز تحكيم في جمهورية مصر أو خارجها".
ويعد أهم ضابط هو احترام إرادة الأطراف المتنازعة فقد نصت معاهدة جنيف الموقعة سنة ١٩٦١ على أنه إذا تعلق الأمر بوجود وصحة اتفاق التحكيم، فإن محاكم الدول المتعاقدة تفصل في هذه المسألة وفقاً للقانون الذي اختاره الأطراف ليسري على اتفاق التحكيم ، فالتحكيم يعتبر طريقة اختيارية يتفق عليها الأطراف للجوء إليه لحل النزاع، ولما كان الأصل في اتفاق التحكيم أن مصدره إرادة الأطراف، فلا يمكن أن تكون هذه الإرادة مصدراً لبطلانه وبذلك فلا يجوز لأي من أطراف العقد الأصلي الادعاء بأن اتفاق التحكيم غير صحيح لمخالفته لقاعدة قانونية مستوحاة من القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم والحكم ببطلانه .
وفي حالة عدم صدور أي حكم تحكيمي فإن المادة ٦ فقرة ٢ أ، ب من معاهدة جنيف تحظر على القاضي أن يمتنع عن ترتيب الآثار على اتفاق تحكيم صحيح وفقا للقانون المختار من قبل الأطراف، وفي حالة سكوت الإرادة عن الاختيار، وفقا لقانون دولة المقر .
المادة ٢/٦ من اتفاقية جنيف ١٩٦١:" ۲ عندما يتوجب على محاكم الدول المتعاقدة إصدار قرارها حول وجود أو صحة إحدى اتفاقيات التحكيم، فهي تصدرها فيما خص أهلية الفرقاء وفقًا للقانون المطبق عليهم وفي ما خص بقية المواضيع: (أ) وفقا للقانون الذي أخضع الأطراف اتفاقية التحكيم إلى أحكامه. (ب) وفي حال عدم وجود إشارة ما بهذا الصدد، يكون ذلك وفقا لقانون البلد الذي سيصدر حكم التحكيم فيه".
وقد كرست الأحكام الصادرة من محكمة باريس ومحكمة النقض الفرنسية منهجاً يسمح بتقدير وجود وصحة اتفاق التحكيم من خلال إعمال القواعد المادية استقلالا عن البحث عن القانون واجب التطبيق، ففي بداية الستينيات استخلص القضاء الفرنسي مبدأ صحة اتفاق التحكيم من مبدأ استقلالية هذا الاتفاق، وهو ما ظهر في الأحكام في الثمانينيات والتسعينيات، والتي أكدت على تمتع شرط التحكيم بصحة وفعالية ذاتية في المسائل الدولية. وهو ما أكده الفقه الفرنسي من كون اتفاق التحكيم يتضمن في ذاته صحته وفعاليته وأن ذلك القضاء والأحكام القضائية ليس إلا مجرد طريقة أخرى لفرض مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن كل نظام قانوني وضعي يحكم هذا الاتفاق. فقد قررت أحكام القضاء الفرنسي مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن كل قانون وضعي ولم تكتف بتقريرها السابق لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي.
فكأن استقلالية اتفاق التحكيم بالنسبة للقانون الذي يحكم هذا العقد، وهي مسألة قد لا تستخلص بشكل تلقائي على النحو الذي ذهب إلى تقريره القضاء الفرنسي. فاستقلالية شرط التحكيم بالنسبة للقانون الذي يحكم العقد، تعني أن القانون الذي يحكم هذا الشرط من الممكن تحديده من خلال قاعدة تنازع القوانين.