المفهوم التقليدي لاستقلال شرط التحكيم "استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي"
يعد هذا المبدأ من المبادئ المستقرة حالياً في إطار القوانين الوضعية والمعاهدات الدولية ولوائح التحكيم استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلى .
وحول هذه النقطة، فإن السوابق القضائية الفرنسية، لا تعول على ما عدم إذا كان يتم طرح مسألة المشروعية كأمر رئيسي أو حادث. ورأت محكمة باريس La Cour de Paris" أن "بطلان الحل التوفيقي لا ينشأ عن حقيقة أن النزاع يتعلق بمسائل النظام العام، لمجرد انتهاك النظام العام". والسبب هو أنه إذا كان المحكم بإمكانه الحكم على المشروعية، فيجب السماح له بذلك ليس بصورة عرضية ولكن أيضا بشكل أساسي.
وخلاصة هذه التعريفات أنها تبين عدم وجود علاقة تربط بين اتفاق التحكيم والعقد الأصلي الذي يتضمنه في حالة ما إذا أصاب العقد الأصلي عيب يؤدي إلى زواله. وعلى الرغم من وضوح هذه النظرية إلا أنها كانت محلاً للجدل والنقاش، إذ ظهرت الحاجة في العديد من الأنظمة القانونية إلى ضرورة بحث العلاقة التي تربط بين العقد الأصلي الذي يثار النزاع بمناسبته، وبين الاتفاق على التحكيم. وهناك تعريفات ذكرت بعض الحالات التي تثير هذه الاستقلالية مثل حالة بطلان أو فسخ العقد الأصلي حيث لا يؤثر ذلك على اتفاق التحكيم، فيبقى قائماً ومنتجاً لآثاره ما دام كان صحيحاً ولا يشوبه أي عیوب.
لاتفاق التحكيم أثران هامان؛ الأول سلبي يتمثل في عدم إمكانية اللجوء إلى القضاء العادي لحل النزاع، والثاني إيجابي يتمثل في الزامية إخضاع النزاع إلى التحكيم.
يرجع الفضل في ظهور هذا المصطلح لأول مرة إلى القضاء الفرنسي، وذلك بالرغم من أنه لم يتضمن القانون الفرنسي نصاً صريحاً يكرس استقلالية شرط التحكيم ولكنه كرّس في المادة (١٤٦٦) مبدأ الاختصاص بالإختصاص .
تنص المادة ١٤٦٦ مرافعات على أنه إذا نازع أحد الأطراف أمام المحكم- في أساس، ومدى سلطته القضائية، فإن المحكم هو الذي يختص بالفصل فيما يتعلق بصلاحية وحدود اختصاصه.
وتجدر الإشارة إلى أن القضاء الفرنسي وإن جرى الأمر بداية على التمسك بمبدأ تبعية شرط التحكيم للعقد الأصلي، ورتب على ذلك حرمان المحكم من نظر المنازعات المتعلقة ببطلان العقد، إلا أن الأمر شهد تطوراً، حيث أصدر القضاء الفرنسي في السابع من مايو 1963، حكماً يقضي باستقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي.
الحكم الشهير Gosset وتتعلق وقائع هذه الدعوى التي صدر فيها حكم محكمة النقض الفرنسية في النزاع حول تنفيذ حكم تحكيم صدر في إيطاليا إعمالاً لشرط التحكيم المدرج في العقد بين مستورد فرنسي ومصدر إيطالي، وهذا الحكم الذي قضى بالتعويض للمصدر الإيطالي بسبب خطأ المستورد الفرنسي في تنفيذ التزاماته التعاقدية، الأمر الذي دفع المستورد الفرنسي إلى عدم تنفيذ حكم التحكيم استناداً إلى أن العقد الأصلي الذي ورد فيه شرط التحكيم يعد باطلاً بطلاناً مطلقاً لمخالفته للنظام العام الفرنسي، لعدم احترامه للقواعد الآمرة المتعلقة بالاستيراد، ولما كان العقد الأصلي باطلاً فإن شرط التحكيم يبطل بالتبعية، وقد رفضت محكمة النقض الفرنسية هذا النظر إعمالاً لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي وهذا الحكم قرر مبدأ قانونياً مقتضاه أنه في مجال التحكيم الدولي فإن اتفاق التحكيم سواء أبرم منفصلاً عن التصرف القانوني، أو متضمناً إياه يمثل دائماً عدا أحوال استثنائية استقلالاً قانونياً متكاملاً كما يستبعد إمكانية تأثره بعدم الصحة المحتمل لهذا التصرف ومما قالته المحكمة لتبرير هذه الاستقلالية (إن اتفاق التحكيم وإن تم إدراجه في العقد فإنه يرد على موضوع غير موضوع العقد فإذا كان العقد بيعاً مثلاً وأدرج فيه شرط التحكيم، فإن العقد يتناول مسائل البيع من تعيين الثمن، وزمان تسليم المبيع، والمطابقة وآثار التخلف عن تنفيذ الالتزام وغيرها من الأمور المتصلة بالعقد الأصلي، بينما يرد اتفاق التحكيم على إجراء يتبع عند قيام النزاع بشأن البيع، فالعقد والإجراء وإن سكنا وثيقة واحدة فإنهما منفصلان لا يتأثر أحدهما بالآخر ولا يؤثر فيه شرط التحكيم).
وتأسيساً على ذلك اعترف أغلب الفقه بأن القضاء الفرنسي هو من وضع حدا للجدل الذي كان قد ثار في الفقه حول استقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي.
وتأسيساً على ذلك اعترف أغلب الفقه بأن القضاء الفرنسي هو من وضع حدا للجدل الذي كان قد ثار في الفقه حول استقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي.
وقد أصبح المبدأ المذكور من الأمور المسلم بها في التحكيم التجاري الدولي حتى وإن لم ينص عليها المشرع الفرنسي في قانونه.
وكما أشرنا سابقاً إلى أن المادة 1446 نصت على أنه إذا كان شرط التحكيم باطلاً فإنه يعتبر كأن لم يكن، وتظهر أهمية هذا النص بالنسبة للحالات التي يتفق فيها الأطراف على التحكيم ثم يتبين أن القانون يمنع التحكيم فيها أو أن اتفاق التحكيم باطل فما هو مصير العقد الأصلي؟ فإذا انصب التحكيم على إحدى المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم يكون التحكيم باطلاً بطلانا مطلقاً، ومع ذلك يبقى العقد الأصلي صحيحاً منتجاً لكافة آثاره القانونية ويفصل القضاء العادي في منازعاته والعكس صحيح.
وهذه المسائل هي: الحالة الأهلية، مسائل الإفلاس التسوية القضائية، المنازعات
المتعلقة ببراءات الاختراع والملكية الأدبية والذهنية ونزاعات العمل والرقابة على النقض.
ولقد حظي مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي بمبررات فقهية عديدة، بداية من احترام لإرادة الأطراف المشتركة وحتى اختلاف موضوع العقد الأصلي والاتفاق على التحكيم.
ومما سبق كله نستخلص أنه أصبح من المسلم به أن الأمر يتعلق بمبدأ عام من مبادئ القانون التجاري الدولي، وأن مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي من المبادئ المستقرة سواء في القوانين الوطنية أو الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وكذلك في أنظمة ولوائح مراكز التحكيم الدائمة، كما أشارت إليها العديد من أحكام التحكيم، وهو ما يؤكد ويوضح اعتبار هذا المبدأ من المبادئ العامة المستقر عليها في القانون التجاري الدولي.