تطور أمر استقلالية شرط التحكيم تطوراً هاماً حتى استقر على مفهومه الحالي ، ففي خلال القرن التاسع عشر كان المبدأ في فرنسا هو اعتبـار شـرط التحكيم مجرد وعد بإبرام مشارطة تحكيم وبالتالي لم يكن الشرط مانعـاً مـن اختصاص القضاء بالنظر في النزاع وحسمه بحكم قضائي . غير أن الوضع بدأ في التحول بعد أن انضمت فرنسا إلى بروتوكول جنيف سنة 1923 . وعقب هذا الانضمام صدر في سنة 1925 قانون يقر مبدأ استقلال شرط التحكيم . ولكـن هذا الاستقلال فهم بمعنى أن بطلان شرط التحكيم لا يؤثر علـى صحة العقد الأصلي ، بما مؤداه انعقاد الاختصاص بمنازعات العقد للمحاكم القضائية . غير أن التساؤل بقي قائماً حول الفرض العكسي وهو بطلان العقد الأصلى وصـحة شرط التحكيم ؟ وهل يتأثر هذا الأخير ببطلان الأول . والإجابـة علـى هـذا التساؤل مفادها أنه إذا قيل بعدم تأثر شرط التحكيم ببطلان العقد الأصلي فإن ذلك يعني أن للمحكم أن ينظر النزاع باحثاً في مدى صحة العقد الأصلى برابطة تبعية تؤدى إلى أن الأول يدور مع الثاني وجوداً وعدماً فإن بطـلان الثـاني ( العقـد الأصلي ) يؤدى إلى زوال الأول فلا تبقى للمحكم أية ولاية بعـد ذلـك، وهـذا الاتجاه الثاني هو ما أخذت به بعض أحكام النقض الفرنسية سنة 1958 ثم عادت وخفضت من صرامة هذا الاتجاه بالتفرقة بين العلاقات الداخليـة والعلاقـات الدولية فأبقت على مبدأ التبعية بمعناه سـالـف الـذكر فـي العلاقات الداخليـة واستبعدته في العلاقات الدولية حيث أخذت بمبدأ الاستقلالية ، ثم تدخل المـشرع الفرنسي بتعديل في قانون المرافعات نص في المادة 1466 منه على أنه : " إذا نازع أحد الطرفين أمام المحاكم في أساس أو مدى سلطة أو نطـاق اختصاص المحكم فإن لهذا الأخير الفصل في صحة الاتفاق علـى التحكــم أو حـدود اختصاصه .
وقد أخذ المشرع المصري في القانون رقم 27 لسنة 1994 بمبدأ استقلال شرط التحكيم فنصت المادة 23 على أنه : " يعتبر شرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان الشرط صحيحاً في ذاته . " ويظهر من هذا النص أن المشرع المصري قد اتخذ موقفاً واضحاً مؤيداً لمبدأ استقلال شرط التحكيم وعدم تأثره بأي بطلان يطرأ على العقد الأصلي . كما أن فسخ العقـد الأصلى أو إنهائه لا يؤثر في شرط التحكيم ولا فرق في ذلك بين تحكيم داخلـى وتحكيم دولي . كذلك يظهر من هذا النص أن بطلان شرط التحكيم وحده لا يؤثر على العقد الذي يتضمن هذا الشرط . فبطلان شرط التحكيم أو إنهائه أو فسخه لا يؤثر على العقد الاصلي . ولكن يلاحظ أن هناك حالات يكـون فيهـا بـطـلان الاتفاق الأصلى مؤثراً في شرط التحكيم كما لو أبرم الاتفاق من شخص عـديم الأهلية أو ناقصها فإن الاتفاق يبطل بما فيه شرط التحكيم ، ولـذلك اشترطت المادة 23 من قانون التحكيم للاستقلال وعدم تأثر شرط التحكيم بالاتفاق الأصلى أن يكون شرط التحكيم صحيحاً في ذاته . ويترتب على ذلك أيضاً أن بعـض عيوب الإرادة قد تمتد إلى شرط التحكيم فمثلاً عيب الغلط إذا كان غلطـاً فـي شخص المتعاقد في العقد الأصلى فإنه يمتد إلى شرط التحكيم لوحدة الشخص في الاتفاق الأصلى وفي شرط التحكيم أما الغلط في القيمة أو الغلط في الـشئ فـلا يمتد إلى شرط التحكيم .
وفي قضية تتلخص وقائعها بمنازعة مستورد فرنسي في تنفيذ حكم تحكيم صدر في ايطاليا لصالح مصدر إيطالي وتمسك الفرنسي ببطلان عقـد التوريـد الذي اشتمل على شرط التحكيم ، لمخالفته قواعد الاستيراد المقررة في القـانون الفرنسي ، مما يستتبع بطلان شرط التحكيم الوارد فـي هـذا العقـد الباطـل فرفضت محكمة النقض هذا الدفع مقررة " أن اتفاق التحكيم سواء ورد مستقلاً أو مندمجاً في تصرف قانوني له استقلال قانوني كامل يستبعد تأثره بما قـد يـطـراً على التصرف من بطلان ، وذلك فيما عدا أي ظرف استثنائي ويبدو أن إشـارة الحكم إلى مراعاة الظروف الاستثنائية كان نتيجة لرغبة المحكمة فـي الـتحفظ باعتبار أن استقلال شرط التحكيم يمثل القاعدة العامة وهو ما لا يتعارض مـع احتمال وجود حالات تتقرر فيها استثناءات على هذه القاعدة .
وإذا ورد شرط التحكيم في العقد الأصلى فإنه يستقل عن هذا العقد . ولهـذا فإنه يتصور بطلان العقد وصحة الشرط . وهو ما يؤدى إلـى إمكـان عـرض صحة أو بطلان العقد الأصلى على المحكمين إعمالا للشرط الوارد فيه . وهو ما يؤدى إلى إمكان عرض صحة أو بطلان العقد الأصلى على المحكمين إعمـالاً اللشرط الوارد فيه . كما يؤدى إلى احتمال بطلان الشرط وصحة العقد .
استقلالية شرط التحكيم في قواعد اليونسترال : تأيد المبدأ سالف الذكر فـي المادة 21 من قواعد لجنة الأمم المتحدة سواء المبدأ ، أو النتائج المترتبة عليـه وذلك على النحو الآتى :
أ- أن من سلطة المحكم الفصل في موضـوع اختصاصه حتـى ولـو كـان الاعتراض على اختصاصه يعود إلى المنازعة في وجود أو صحة اتفاق التحكيم شرطاً أو مشارطة .
ب- للمحكم أن يبحث في وجود وصحة العقد الأصلى وأن يقضي بانعدامـه أو ببطلانه متى ثبت لديه ذلك . حتى ولو كان اتفاق التحكيم جزء لا يتجزأ من العقد الأصلى .
جـ- اتفاق التحكيم ، الوارد ضـمـن نـصوص العقـد الأصـلى ، لا يخـضع بالضرورة لمصير هذا الأخير، حيث يجب أن يعتبر اتفاقاً مستقلاً منفصلاً عـن سائر نصوص العقد الاصلي
فبطلان شرط التحكيم يعني أن اتفاق مستقل عن العقد الأصلى قـد أبطـل فيبقى هذا العقد قائماً ، طالما لم يلحقه عيب ، وقد أقرت مبدأ استقلال شرط التحكيم – لوائح هيئات التحكيم الدائمة مثل القواعد التي أقرتهـا لجنـة الأمـم المتحدة لقانون التجارة الدولى ، التي تقضى المادة 21 منها أن شـرط التحكيم الذي يرد في عقد ينص على التحكيم وفقاً لهذه القواعد سيعامل باعتباره اتفـاق مستقل عن شروط العقد الأخرى ويجرى المحكمين في حل منازعات التجـارة الدولية على إقرار مبدأ استقلال شرط التحكيم ، وتأكيد اختصاص المحكم بتحديد اختصاصه ، ففي قضية تناولت هذا الأمر وعرضت للحل بالتحكيم فـي إطـار غرفة التجارة الدولية تتعلق بعقد بين شركة إيطالية وشركة سويسرية تمسكت الشركة الإيطالية المدعى عليها بعدم اختصاص هيئة التحكيم التي انعقـدت فـي زيورخ ، واستندت في ذلك إلى سببين أساسيين :
السبب الأول : بطلان العقد المبرم بين الشركتين مما يستتبع بطـلان شـرط التحكيم الذي يشتمل عليه هذا العقد ، مما يفقد ادعاء الشركة السويسرية الأساس الذي تستند إليه في ادعائها .
هذا وتشترط قوانين التحكيم العربية في حكم التحكيم شروطاً تتفق في مجملها مع الشروط التي يتطلبها القانون المقارن وقواعد مؤسسات التحكيم الدولية وهذه الشروط تتعلق بشكل وموضوع الحكم وهي كالتالي :
1- يجب أن يصدر الحكم بعد مداولة يشترك فيها جميع المحكمين دون غيرهم ، فالمداولة هنا إجراء جوهري ويترتب على إغفالها بطلان التحكيم لأنها من النظام العام ، ويجب أن تكون سرية ، لكي لا تفشى أسرار الخصوم .
2- يجب أن يصدر الحكم بأغلبية الآراء ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك
3-يجب. أن يكون الحكم شاملاً كل جوانب النزاع دون تجاوز المحكمين لحدود ولايتهم .
4- يجب أن يصدر حكم التحكيم وفقاً لقواعد القانون الذي اختاره الأطراف .
5- يجب أن يكون حكم التحكيم مكتوباً ، لأنه شرط لوجوده لا لإثباته لأن . التحكيم الشفهي لا يكتسب حجية الأمر المقضى ولا يكون ممكناً تنفيذه .
6- يجب أن يكون الحكم موقعاً من المحكمين.
7- تسبيب حكم التحكيم ، الأصل أن يكون حكم التحكيم مسبباً ولو كان المحكـم مفوضاً بالصلح ، وإن كان القانون 1994/27 المصري جعل من حق الخصوم أن يتفقوا على عدم التسبيب وأعفى المحكمون منه في حالة . عدم اشتراط القانون واجب التطبيق أن يكون الحكم مسبباً .
8- يجب أن يتضمن حكم التحكيم بيانات معينة ، كالتالي :
أ- يجب أن يشمل حكم التحكيم علـى ملخـص لأقـوال الخـصوم وطلبـا تهم ومستنداتهم
ب- يجب ذكر أسماء الخصوم وصفاتهم وعناوينهم .
ت- يجب أن يتضمن الحكم أسماء المحتكمين وعناوينهم وجنسياتهم وصفاتهم في التحكيم جـ- يجب أن يتضمن الحكم صورة من اتفاق التحكيم .