اتفاق التحكيم / استقلال شرط التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / اتفاق التحكيم وفقاً لقانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 / موقف الفقه والقضاء المصرى ومبدأ استقلالية شرط التحكيم
موقف الفقه والقضاء المصرى ومبدأ استقلالية شرط التحكيم
أولا: موقف الفقه المصرى ومبدأ استقلالية شرط التحكيم:
ان مبدأ استقلالية اتفاق التحكيـم بأبعاده الثلاثة المتصلة بالعلاقات الوطنية البحتة وهو: امکان بطلان اتفاق التحكيم مع بقاء العقد الأصلي صحيحا، امكان التمسك ببطلان العقد الأصلي أو بفسخه أو بانهائه مع بقاء اتفاق التحكيم صحيحا وقائما قانونا والثالث أحقية هيئة التحكيـم فـي أن تنظر هي ذاتها الادعاءات التي يتقدم بها الأطراف حول بطلان العقد الأصلي أو فسخه أو انهائه، ومدى تأثير ذلك على اتفاق التحكيم.
لم يلق مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم العناية الكافية من جانب الفته المصري. وسوف نعرض رأى بعض منهم في هذه المسألة.
لم يتعرض أستاذنا الدكتور لم يتعرض أحمد أبو الوفا عند معالجته لموضـوع التحكيم لمبدأ استقلالية شرط التحكيم الا بطريق ضمني غير مباشر عندما تناول جانبا واحدا فقط في صدد مناقشة "أثر اتفاق التحكيم في شأن تنفيذ عقد على الطلبات الخاصة بفسخه أو بطلانه."
وفي نفس الاتجاه ذكر أستاذنا الدكتور محسن شفيق تحت عنوان "استقلالية شرط التحكيـم وفقا للرأى الراجح فقها ، فان شرط التحكيم لا يستقل عن العقد الذي تضمنه، ونتيجة لذلك، فانه اذا الادعاء أمام هيئة التحكيم ببطلان العقد، فان هيئة التحكيم هذه بوصفها خارجة عن اطار محاكم الدولة لا تستطيع الفصل في ذلك الادعاء. ويتعين على هيئة التحكيم عندئذ أن توقف الاجراءات أمامها الى حين صدور حكم قضائي يفصل في مسألة بطلان العقـد مـن المـحـاكم القضائيـة المختصة.
واستطرد الدكتور محسن شفيق ليرتب على ذلك الرأي الذي اعتبره الراجح فقهـا النتيجة المنطقية في شأن سلطة هيئة التحكيم الفصل في موضوع اختصاصها حيث انتهى الى ضرورة أن تقوم هيئة التحكيم بوقف الاجراءات الى أن تفصل المحاكم في المسألة المطروحة " وأضـاف الى ذلك قائلا ان" الاشتراك في التحكيم دون الاعتراض على اختصاص هيئة التحكيم يمكن أن يعد قبولا لحكم التحكيم ، ما لم يتعلق عدم الاختصاص بانعدام أو بطلان اتفاق التحكيم".
والآن وبعـد صـدور قانون التحكيم الجديد والذي أخذ صراحة بمبدأ استقلالية شرط التحكيم – نستطيع القول ان د. محسن شفيق قد تراجع عن هذا الرأى حيث إنه كان دعامة كبيرة من الدعائم الأساسية في اعداد قانون التحكيم المصرى الجديد، وهذا يؤكد وجهـة نظـره الجديدة والصريحة بخصوص تأصيل مبدأ استقلالية شرط التحكيم.
هذا وقد ذهب أستاذنا الدكتور فتحى والى الى عكس ما ذهب اليه الفقه مـن قبـل حيث انه يرجح صراحة مبدأ استقلالية شرط التحكيم وذلك بقوله "ورغم ورود شرط التحكيم في العقد الأصلي ، فانه يجب القول باستقلاله عن هذا العقد . فهو تصرف قانونی مستقل.
وتتفق مع الفقه الذي يؤيد مبدأ استقلالية شرط التحكيم على أساس انضمام مصــر لاتفاقيـة نيويورك لسنة ١٩٥٨. نضيف الى ذلك أن القانون النموذجي "Model Law" والذي سبقت الاشارة اليه ينص صراحة على استقلالية شرط التحكيم وهو دعوة من الأمم المتحدة لدول العالم لتتبناه كما هو – قدر المستطاع – وقد بدأت تأخذ به كثير من دول العالم ومنها بعض دول عربيـة كتونس والبحرين ومصر حتى تتسق تشريعاتها مع الاتجاه العالمي بخصوص التحكيم التجاري - الدولي.
ثانيا : موقف القضاء المصرى ومبدأ استقلالية شرط التحكيم
كما سبق القول، كان التحكيم الدولي في علاقته القانونية بمصر في أزمة كان سببها (المـادة ٥٠٢) من قانون المرافعات المدنية، التي تلزم بتسمية المحكمين في شرط التحكيم. فهل كان هذا الالزام يقضى الى بطلان التحكيم الذي يسفر عن حكـم تحكيم ولا يكون شرط التحكيـم قـد سـمى المحكمين ، هل كان لمعاهدة نيويورك التي لا تشترط ذلك أرجحية على (المادة ٥٠٢) ؟ وسال حبر كثير في الاجابة عن هذا السؤال...
وسوف نقسم موقف القضـاء المصري في خصوص المسألة المطروحة وهي استقلالية شرط التحكيم الى مرحلتين هما:
- قبل الانضمام الى اتفاقية نيويورك
لم ير القضاء المصرى قبل ابرام اتفاقية نيويورك في نصوص قانون المرافعات القديمـة ما يمنع الاتفاق على التحكيم في الداخل والخارج.
والحكم المصرى المشار اليه عندما سردنا وجهة نظر الدكتور أبو الوفا وهو حكم محكمة النقض الصادر في ١٩٥٢/١/٣، تلاحظ عليه الدكتورة سامية راشـد أنـه ليـس قاطعا فی المسألة المطروحة اذا ما دققنا النظر في تحليلـه واستخلاص الدروس المستفادة منه هذا فضلاً عن أن التحكيم المذكور كان تحكيما داخليا ونحن نتفق معها في ذلك.
- بعد الانضمام الى اتفاقية نيويورك
لم تتضمن اتفاقية نيويورك صراحة استقلالية شرط التحكيم وكذلك اختصاص محكمة التحكيم مما جعل باب الاجتهاد مفتوحا للقاضي المصري وسوف نعرض ذلك كما يلي:
الاتجاه الأول: رفض فكرة استقلالية اتفاق التحكيم (شرط التحكيم) واختصاص محكمة التحكيم بما يعرض عليها من صحة اتفاق التحكيم ، ويلجأ الى تطبيق نصـوص المرافعات مـن (المادة 501 - 513) الأمره ولا يأخذ بما تضمنته اتفاقية نيويورك رغم نفاذها في مصر، وهو ما استجاب له قضاء استئناف القاهرة بتاريخ ١٩٨٣/٥/١٨، حيث قضى باختصاص القضـاء المصري في دعوى الحكومة المصرية ضد شركة وستلاند وضد غرفة التجارة الدولية بباريس وذلك على أساس انعدام شرط التحكيم ، وتكرر ذلك في الأمر الصادر من ريئس محكمة جنوب القاهرة في ۱۹۸۳/۱۲/۳۱ بوقف اجراءات التحكيم اعمالا لنص (المادة 506) مرافعات التي تقضي بوقف التحكيم اذا عرضت أمام المحكمين مسائل أولية تخرج عن ولاية المحكمين ، تأسيسا على: أن القاضي الوطني يجب أن يستلهم الحلول التي تتفق مع النظام القانوني الوطني وما يحقق المحافظة على المصالح الأساسية للمجتمع.
الاتجاه الثاني: على العكس يسلم بمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم واختصاص هيئة التحكيم بمـا يعرض عليها من صحة اختصاص التحكيم وهذا الاتجاه ينادي بضرورة تطبيق المادة الثانيـة مـن اتفاقية نيويورك وذلك عملا بنص (المادة 301) مرافعات. وهذا الأمر يتطلب أن تتسع مظلة القانون الوطني لأحكام هذه الاتفاقية.
فاتفاق التحكيم الذي يتم في مصر ولكنه يتعلق بعلاقات تجارية دولية، أي يخضع لاتفاقيـة نيويورك فان القانون المصرى يسرى. فاذا وقع تعارض بينهما كانت الأولوية لأحكام الاتفاقية أما اذا تعلق الأمر باتفاق تحكيم لا يخضع للقانون المصري فالعبرة بالقانون الأجنبي واجب التطبيـق حتى ولو تعارضت نصوصه مع نصوص القانون المصرى، حتى ولو كانت هذه النصوص الأخيرة، نصوصا أمـرة وهذا ما أعلنـه وأرسـاه قضـاء النقض المصـرى فـي قضـائـه بـتـاريخ ۱٩٨٢/٤/٢٦ – طعن ٧١٤ سنة 47 ق – في قضية مبروك للتصدير والاستيراد ضد شركة كونتيننتال العربية للملاحة – وكان النزاع يتعلق بمشارطة ايجار لنقل حمولـة أسـمنـت مـن الاسكندرية لطرابلس ( ليبيا) مع شرط تحكيم في لندن ، رفضت محكمة الدرجة الأولى. واستئناف الاسكندرية إعمال شرط التحكيم. ونقضت المحكمة هذا الحكم على أساس صحة شرط التحكيم رغم عدم تسمية المحكمين، حيث أقرت بصحة اتفاق التحكيم رغم عدم تسمية المحكمين، وذلك على أساس أن الاتفاق يخضع للقانون الانجليزي ومع التسليم بالصفة الأمرة لنص المادة ٣/٥٠٢ مرافعات ، الا أن هذا لايمنع من تطبيق القانون الأجنبي المخالف لهذا النص الأمر، والقانون الأجنبي الذي يمتنع تطبيقه هوالذي يخالف النظام العام أي القانون الذي يمثل تصادما مع الأسس الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الخلقية في الدولة ، وأن نص المادة آنفة الذكر رغم طابعه الأمر الا أنه لا يتصادم مع أي من الأسس التي تقوم عليها الدولة.
وعادت محكمة النقض المصرية الى تأكيد هذا القضاء في حكـم لاحق صـادر بجلسة 13 يونية ١٩٨٣ حيث قررت بمناسبة الطعن رقم ١٢٥٩ لسنة 49 قضائية أنه: " لمـا كـان الثابت أن شرط التحكيم المدرج في سند الشحن قد نص على أن يحال أي نزاع ينشأ عن هذا السند الى ثلاثة محكمين " في مرسليا وكا ن المشرع قد أقر الاتفاق على اجراء التحكيم في الخارج ولـم يـر فـي ذلك ما يمس النظام العام ، فانه يرجع في شأن تقرير صحة شرط التحكيم وترتيبه لآثاره الى قواعد القانون الفرنسي باعتبارة قانون البلد الذي اتفق على اجراء التحكيم فيه طبقا لمـا تقضى به (المادة ٢٢) من القانون المدنى المصرى.
وبقي التحكيم الدولي في مصر مضطربا حتى حسمت الموضوع أول مرة محكمة النقض المصرية في ۱۹۹۱/۱۲/۲۳ طعن رقم 547 – 51 ق). واعتبرت (أن المادة ٥٠٢) مـن قانون المرافعات المدنية ليست من النظام العام وبالتالي يمكن مخالفتها والنزاع كـان بيـن شـركة مصر للتأمين وشركة الاسكندرية للتوكيلات الملاحية والطعن ارتكز على المادة ٣/٥٠٢ مرافعات للتوصل لبطلان شرط التحكيم – حيث رفض الدفع ببطلان اتفاق التحكيم استنادا الى نص (المـادة ٣/٥٠٢) مرافعات، وذلك على أساس سريان القانون السويدي الذي لا يستلزم تسمية المحكمين، وهذا القانون هو الواجب تطبيقه وفقا لنص (المادة ٢٢) مدنى مصرى السابق ذكرها، وردد القضاء معيار القانون الأجنبي الذي يمتنع تطبيقه وانتهى الى أن نص (المـادة ٣/٥٠٢) مرافعات رغم صفتها الأمرة، لا يمثل الخروج عليها تهديدا أو مساسا بالأسس الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع.
ونرى على استحياء أن محكمة النقض المصرية قد صححت اتفاق التحكيم الـذي خـلا مـن تسمية المحكمين استنادا الى القانون الأجنبي الذي يحكم الاتفاق، وهو القانون الواجب التطبيق وهو طريق محفوف بالمحاذير، ولم تستند مباشرة الى المادة الثانية من اتفاقية نيويورك وهو سلوك مؤكـد الصـحـة مـن الناحية القانونيـة لأنـه منـذ تاريخ 9 مارس ١٩٥٩ واتفاقية نيويورك واجبـة التطبيق في حدود ما عالجته في شأن التحكيمات المتصلة بمعاملات دولية وصارت جزءا لا يتجزأ من النظام القانوني المصري وأن القاعدة الواردة بالمادة الثانية من هذه الاتفاقية تحكم كافة اتفاقات التحكيم الدولية الخاصة بما تضمنته من قواعـد موضوعية موحدة ليطبقها القاضى المصرى اذا طرح عليه الأمر، كما يحدث تماما أمام القاضي الفرنسي أو الانجليزي أو الأمريكي وأيضـا أمـام القاضي السوفيتي أو غيرهم من قضاة الدول التي انضمت الى اتفاقية نيويورك.
وعلى أية حال فقد تصدى المشرع المصرى صراحة لهذا الخلاف وأصـل مبدأ استقلالية شرط التحكيم فجاء بحل لمشاكل التحكيم الداخلي والدولي.