اتفاق التحكيم / استقلال شرط التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / اتفاق التحكيم وفقاً لقانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 / تأصيل مبدأ "استقلالية شرط التحكيم " ونتائجه في اتفاقية نيويورك والقانون النموذجي
تأصيل مبدأ "استقلالية شرط التحكيم " ونتائجه في اتفاقية نيويورك والقانون النموذجي
أخذت مسألة استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الذي أبرم بشأنه التحكيم مراحل عديدة من الجدل والدراسة حتى أرست دعائمة الاتفاقية الجماعية المعقودة في اطار الأمم المتحدة والمعروفة باتفاقية نيويورك لسنة ١٩٥٨، وكذلك تبني القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولـي مبـدا استقلالية شرط التحكيم كخطوة كبيرة هامة على درب توحيد وتنسيق قوانين التحكيم في العالم، وكما سبق القول فهو دعوة من الأمم المتحدة لدول العالم لتتبناه كقانون للتحكيم التجاري الدولي لديها بدلا من أن يسن كل بلد لنفسه قوانين لا يعرف مدى ملاءمتها لسائر القوانيـن ومـدى انسجام التحكيم الذي يجرى على أساسها مع سائر قوانين التحكيم الدولية في العالم. .
وفي ضوء ماسبق سوف نتناول في هذا المطلب مبدأ استقلالية شرط التحكيـم فـي اتفاقيـة نيويورك أولا، ثم في القانون النموذجي ثانيا كما يلي:
أولا : مبدأ استقلالية شرط التحكيم في اتفاقية نيويورك
(للاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية)
رغم ما يوحي به عنوان اتفاقية نيويورك من أنها تعالج موضوع الاعتراف وتنفيذ أحكـام التحكيم الأجنبية الا أنه بمجرد مطالعة نصوصها يتضح أنها أوسع بكثير حيث عالجت المـادة الثانية من اتفاقات التحكيم من حيث شروط صحتها وآثارها وذلك كما يلي:
لم تتبن اتفاقية نيويورك استقلالية شرط التحكيم بشكل صريح ولكنها سجلت الخطوة الأولى على هذا الدرب – فقد طرحت خلال مناقشات اعدادهـا فكـرة وضع بروتوكول ملحق بالاتفاقيـة خاص باتفاق التحكيـم يعالج اختصاص المحاكم واستقلالية شرط التحكيم. ولكـن عنـد المناقشة تصدى البروفسور "Sanders" لموضوع ایجاد بروتوكول ملحق بالاتفاقيـة ومـا يستتبع ذلـك مـن تعقيدات، واقترح ادخال قواعد البروتوكول في صلب الاتفاقية فسار المؤتمر بهذا الاتجاه،
وهكذا نصت المادة (٣/٢) من اتفاقية نيويورك على ان "محكمة الدولة المتعاقدة التي يطرح أمامها نزاع حول موضوع كان محل اتفاق من الأطراف بالمعنى الوارد في هذه المادة – تحيل الخصوم ، بناء على طلب أحدهم، الى التحكيم وذلـك مـا لـم يتبين للمحكمة أن هذا الاتفاق باطل أو لا أثر له أو غير قابل للتطبيق".
و اذا كانت المادة (٣/٢) من اتفاقية نيويورك لـم تتعرض صراحـة لمبدا استقلالية اتفاق التحكيم ومختلف نتائجه القانونية وصلاحية المحكم للبت في صلاحيته، الا أنها أبقت لهذا الشرط فاعليته وآثاره وقد أعطته قوة لم تكن له من قبل. فقد نجحت الاتفاقية في قلب عبء الاثبات وابقاء أثر شرط التحكيم عند المنازعة في العقد الأصلي.
ولم يعد مجرد الادلاء ببطلان العقد الأساسي أمام المحاكم القضائيـة بوقف سير التحكيم يفضى لرفع يد المحكم عن النزاع. ذلك لأن الاعتراف الوجوبي بمبدأ الاستقلالية دوليا على هدى تنظيم موحد عالميا يجعل من الممكن اعتبار القواعد التي استقرت أصلا في القضاء المقارن قاعدة دولية بالمعنى الصحيح ، بمعنى أنها تعكس مبدأ مقبولا في الروابط بين مختلف الدول وليس مجرد اجتهاد من قضاء وطني، وهي استبعاد تطبيق أحكام التشريعات الداخلية في الدول الأعضاء والالتجاء مباشرة دون حاجة الى قاعدة اسناد معينة الى تطبيق القواعد التي أنت بها الاتفاقية.
وتضمنت (المادة ٣/٢/٢) من اتفاقية نيويورك عدة قواعد موضوعيـة موحدة ملزمة لكافة الدول المتعاقدة في صدد اتفاقات التحكيم عموما.
ويترتب على تبنى اتفاقية نيويورك مبدأ استقلالية شرط التحكيم مظهرين أساسيين:
1- اقرار قواعد واجبة التطبيق مباشرة تعطى حلولا موضوعية لحسم المسائل المطروحة، وذلك عن طريق الاجتهاد القضائي في مجال التحكيم ذي الطابع الدولي الخاص.
2- شحذ الجهود الدولية من أجل تبنى قواعد دولية موحدة تعطى بدورها حلولا موضوعية مباشرة بمنأى عن الأسلوب التقليدي لحل تنازع القوانين عن طريق الاسناد الوطني، وذلك عن طريق دراسة التنظيم الدولي الذي يتمثل من ناحية في نظـم هيئات التحكيم الدولية الدائمة، ومن ناحية أخرى في اتفاقية نيويورك.
ومن ثم نستطيع القول ان اتفاقية نيويورك قد اتبعت منهجا متميزا في معالجة كافة المسائل المتعلقة باتفاق التحكيم (شرط التحكيم) بمـا فـي ذلـك مـدى استقلاليته عن العقد الأصلى وكيفية الوصول الى حلول موضوعية مباشرة تكفل توحيد القواعد المعمول بها في مختلف الدول على نحو يحقق أكبر قدر ممكن لتفادي مشكلة تنازع القوانين.
ثانيا: مبدأ "استقلالية شرط التحكيم" ونتائجه في القانون النموذجي
اعتمد القانون النموذجي ثلاثة قواعد اجرائية تؤكد استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد. وذلك بنص المادة ( ٢/١/١٦ /۳) والتي تقرر أنه ينظر الى شرط التحكيم الذي يشكل جزءا من عقد كما لو كان اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى. وأي قرار يصدر من هيئة التحكيم ببطلان العقد لا يترتب عليه بحكم القانون بطلان شرط التحكيم".
هكذا يقتفى القانون النموذجي أثر اتفاقية نيويورك فيرفع عبء اثبات صحة شرط التحكيم عن طالب التحكيم، بحيث لا توقف مراجعة القضاء سير التحكيم بل يوقفه حكم قضائي يتضح فيـه للمحكمة أن اتفاق التحكيم باطل ولاغ أو عديم الأثر أو لا يمكن تنفيذه.
ويتميز القانون النموذجي – رغم تبنيه نظرية استقلالية شرط التحكيم – بأنـه لـم يقفـل بـاب المحاكم القضائية ولم يربط القاضي بالمحكم ولا المحكم بالقاضي، بل ترك للاثنين "امكانة " العمل ولا سيما المحكم، فاذا أصدر القاضي حكمه قبل المحكم امتنع على هذا الأخير السير بالتحكيم، أما اذا أصدر المحكم قراره قبل القاضي فان هذا القرار سيعرض حتما على قاضي التنفيذ، مما يجعـل بالامكان قبل ذلك تقديم دعوى ابطال حكم التحكيم النهائي أمام القاضي، كما أنه من الممكن، عند الدفع بعدم الاختصاص، الادلاء به أمام القاضي، ولكن في مهلة معينة ومحددة تحت طائلة سقوط هذا الحق وتنتهى عند تقديم بيان الدفاع.
وخلاصة القول ان القواعد الواردة (بالمادة ١٦) من القانون النموذجي تعد تأصيلا لمبـدأ "استقلالية شرط التحكيم."