اتفاق التحكيم / استقلال شرط التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / اتفاق التحكيم وفقاً لقانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 / تأصيل مبدأ "استقلالية شرط التحكيم" و "الاختصاص بالاختصاص" في قانون التحكيم المصري الجديد
تأصيل مبدأ "استقلالية شرط التحكيم" و "الاختصاص بالاختصاص" في قانون التحكيم المصري الجديد
اذا تضمن عقد ما شرط تحكيم – وهي الصورة الغالبـة - ونشـا فـي المستقبل نزاع حـول تطبيق أو تفسير أو تنفيذ هذا العقد. فقد يثار في المعاملات حالة ورود شرط التحكيم في صلب عقد باطل أو قابل للإبطال.
وبحكم تحول اتفاق التحكيم (شرط التحكيم) بعد الحرب العالمية الأولى الى حجر الزاوية في التحكيم التجاري الدولي طرح موضوع علاقة شرط التحكيم بالعقد الذي يتضمنه، لأنه في حالة ارتباط الشرط بالعقد فان شرط التحكيم يصبح في مهب الرياح التي يعصفها الطرف الذي لا يعـود له مصلحة في التحكيم. وكانت المشكلة تثار إذا أثار طرف في الدعوى بطلان العقد الذي يتضمن شرطا تحكيميا.
وكذلك برزت العامة في مختلف النظم القانونية الداخلية الى بحث العلاقة التي تربط بيـن العقد الأصلي الذي يثار النزاع بسببه وبين الاتفاق على التحكيم (شرط التحكيم)، وتحديد الآثار المترتبة على تلك العلاقة التبادلية.
وكان يثور السؤال حول مدى ارتباط اتفاق التحكيـم بالعقد الأصلى هل يعتبر جزءا منه يتوقف مصيره على مصير العقد ؟ وبالتالي يفضي بطلان العقد الى بطلان كل شروطه بما فيها شرط التحكيم الذي هو جزء لا يتجزأ من العقد أم أنه منفصل عنه ويتمتع بكيان قائم بذاته ؟ خذ مثلا عند بيع يتضمن فيما يتضمن شرط على التحكيم فاذا كان العقد باطلا لعلة ما، فهل يتسرب هذا البطلان الى اتفاق التحكيم؟ أم يظل بمنأى عن البطلان لا يتأثر به؟
وكثيرا ما أثير هذا الموضوع بسبب التمسك ببطلان العقد الأصلي أو زوالـه مـن الوجـود القانوني لأحد أسباب الانقضاء ومدى تأثير ذلك على اتفاق التحكيم وامكانة اللجوء الى هيئة تحكيـم رغم ذلك.
ومن ناحية أخرى، فان العقد الأصلي قد يكون صحيحا وقائمـا قانونا دون منازعة ولكن يثور التساؤل عن مدى صحة اتفاق التحكيم ذاته وهل أصابـه عـارض قانوني يحول دون امكـان الاعتداد به نظرا لخروج النزاع عـن اطـاره أو لعدم جواز الالتجاء للتحكيم أساسـا فـي صـدد الموضوع المطروح، وكذلك مدى تأثير بطلان اتفاق التحكيم على العقد الأصلى بوصفه أحـد مقوماته الأساسية في بعض الأحيان.
واذا تحقق شيء مما سبق فتثور مشكلة تحديد ما هي الجهة المختصة بالفصل في الأمر. وهل يتعين الالتجاء للقضاء العادي في كافة الصور ليحسم مدى صحة أو بطلان العقد الأصلي أو ليقرر مدى صحة اتفاق التحكيم وتأثيره على مصير العقد الأصلي. أم أن هيئة التحكيم ذاتها تكـون هي صاحبة الولاية في حسم مسائل الصحة أو البطلان المطروحة وتقرير اختصاصها بالفصل في الاعتراضات المثارة حول اتفاق التحكيـم مـن حيـث صلته بالعقد الأصلى ومدى صحة وتوافر شروط الاعتداد بـه. ويطلـق فـقـه التحكيـم علـى ولايـة هيئـة التحكيـم قـاعدة الاختصاص بالاختصاص".
1 - أهمية استقلالية شرط التحكيم عن العقد
إن إرتباط شرط التحكيم وجودا وعدما بالعقد الذي يتضمنه يترتب عليـه عـدم امكان السير في اجراءات التحكيم حتى يفصل القضاء الوطني في المنازعات المتصلة باختصاص هيئة التحكيم أو بانعدام ولايتها ، وبعبارة أخرى يؤدى إرتباط شرط التحكيـم بـالعقد الى رفع يد المحكـم عـن التحكيم ، بمجرد أن يطرح أي طرف عدم صحة العقد الأساسي ، ويصبح المحكـم عندئذ ملزما باعلان عدم صلاحيته ، لأن الموضوع المطروح أمامه يجعله في وضـع ينظر في آن واحـد فـي صحة العقد الأساسي وفي صحة شرط التحكيم ، إذ من غير المعقول أن يفصل المحكم في صحة عقد هو مصدر سلطته . ويؤدى الطعن في العقد الأصلي الى وضع القضاء الطبيعـي يـده علـى التحكيم ذاته، ويمكنه من خلال البت في صحة العقد الأصلي أن يتصدى لأساس النزاع..
وعلى العكس من ذلك فالأخذ بمبدأ "استقلالية" اتفاق التحكيم (شرط التحكيم عن العقد الأصلي الذي يتضمنه يؤدي الى عدم تأثر شرط التحكيم بمصير العقد الأصلي، بحيث يعتبر التحكيم ملزما ومرتبا لآثاره من حيث عدم اختصاص قضاء الدولة . وبالتالي تختص هيئة التحكيم بتقرير ولايتها ومدى هذه الولاية.
ويحقق الاعتراف باستقلالية اتفاق التحكيم (شرط التحكيم) عن العقد الأصلي في المعاملات الداخلية والخارجية على السواء اقتصادا في الوقت والاجراءات بدلا، من أن يوقف المحكـم نـظـر النزاع حتى يفصل القضاء في صحة العقد فيتولى المحكم بنفسه الفصل في هذا المسألة.
واذا انتقلنا من دائرة التنظيم الداخلي والذي ينصب أساسا على اتفاقات التحكيـم فـي مـجـال علاقات وطنية بحتة الى دائرة اتفاقات التحكيم التي تتناول معاملات دولية، فان نطاق البحث يتخذ بعدا جديدا بل يـتـعـيـن تجـاوز نطـاق الأمـر على مجـرد دراسـة امكانة أن يعـد شـرط التحكيم صحيحا رغم بطلان العقد الذي يتعلق به النزاع، أو بالعكس تقرير بطلان شرط التحكيم مع التسليم بصحة العقد ذاته والجهة التي تملك سلطة حسم ذلك ، بل يتعين تجـاوز النطاق المذكور لمعالجة جديدة تتصل بالقانون الواجب التطبيق وطبيعته. إذ من الجائز أن يخضع العقد الأصلي لقانون وشرط التحكيم لقانون آخر. مشكلة.
2- المقصود باستقلالية شرط التحكيم
إذا كان الشرط باطلاً فإن هذا يجب ألا يؤثر في العقد الذي يتضمنه ، وإذا كان العقد نفسـه باطلاً أو فسخ فهذا لا يؤثر في إتفاق التحكيم نفسه ، وهو ما يعبر عنه باستقلالية أو ذاتية شرط التحكيم، فشرط التحكيم وإن كان يرد في العقد الأصلي إلا أن له ذاتية متميزة ومستقلة عن العقد.
وبداية نوضح أن مسألة الاستقلالية لا تثار بالنسبة لمشارطة التحكيم أي الاتفاق اللاحق على النزاع لأنها مسألة واضحة.
3- الفكرة التي استندت اليها نظرية استقلالية شرط التحكيم
والفكرة التي استند اليها مبدأ استقلالية شرط التحكيم هي أن شرط التحكيم والعقد الأساسي يشكلان عملين متميزين وبالتالي فان شرط التحكيم هو اتفاقية في الاتفاقية أو عقد في العقد، أي بتعبير آخر أنه هو عقد مواز للعقد الأساسي وبالتالي فان قاضي الأصل هو قاضي الفرع وقاضي العقد هو قاضي شرط التحكيم لأن قضاء التحكيم هو قضاء شامل .