اتفاق التحكيم / استقلال شرط التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / نسبة أثر اتفاق التحكيم في القانون المصري والمقارن / موقف الفقه والقضاء المصري من مبدأ استقلال شرط التحكيم
موقف الفقه والقضاء المصري من مبدأ استقلال شرط التحكيم
شغلت العلاقة بين شرط التحكيم والعقد الأصلى تفكير العديد من رجال الفقه والقضاء، ومدى تأثر اتفاق التحكيم بإبطال العقد الأصلي، لذلك سوف نتناول موقف الفقه والقضاء المصري من استقلالية شرط التحكيم.
أولا: موقف الفقه المصري
إن استقلال شرط التحكيم بحالاته الثلاثة المتمثلة في إمكانية بطلان اتفاق التحكيم مع بقاء العقد الأصلى صحيحا، أو إمكانية التمسك ببطلان العقد الأصلى أو بفسخه أو بإنهائه مع إبقاء اتفاق التحكيم صحيحا، والحالة الثالثة المتمثلة فى أحقية هيئة التحكيم في أن تنظر هي ذاتها الإدعاءات التي يتقدم بها الأطراف حول بطلان العقد الأصلى او فسخه أو إنهائه ومدى تأثر اتفاق التحكيم بذلك.
ثانيا: موقف القضاء المصري:
قبل انضمام مصر لاتفاقية نيويورك لم يكن في نصوص قانون المرافعات القديم ما يمنع الاتفاق على التحكيم في الداخل أو الخارج، وبعد الانضمام لاتفاقية نيويورك التي لم تنص صراحة على استقلالية اتفاق التحكيم أو اختصاص محكمة التحكيم مما فتح باب الاجتهاد أمام القاضي المصري.
الاتجاه الذي ينادي بتطبيق المادة الثانية من اتفاقية نيويورك وذلك عملا لنص المادة ۳۰۱ من قانون المرافعات ويستند هذا الاتجاه على موقف القضاء المقارن وما تضمنه من نصوص ولوائح لهيئات التحكيم وتنظيم لنص المادة الثانية من اتفاقية نيويورك ١٩٥٨ واعتبارها متضمنة لحد أقصى وحد أدنى لا يجوز النزول عنه أو الزيادة عليه فيما يتعلق باتفاق التحكيم.
فاتفاق التحكيم الذى تم فى مصر ويتعلق بعلاقات تجارية دولية أي يخضع لاتفاقية نيويورك فإنه يسري عليه قانون التحكيم المصرى، فإذا وقع تعارض بينهم كانت الأولوية لأحكام الاتفاقية، أما إذا تعلق الأمر باتفاق تحكيم لا يخضع للقانون المصرى فالعبرة هنا بالقانون الأجنبي واجب التطبيق حتى لو تعارضت نصوصه مع نصوص القانون المصري.
وهو ما أرسته محكمة النقض فى قضية مبروك للتصدير والاستيراد ضد شركة كونتينتال العربية للملاحة، وكان النزاع يتعلق بمشارطة إيجار لنقل حمولة أسمنت من الإسكندرية إلى طرابلس مع شرط التحكيم في لندن، فرفضت محكمة الدرجة الأولى واستئناف الإسكندرية أعمال شرط التحكيم ونقضت المحكمة هذا الحكم على أساس صحة شرط التحكيم رغم عدم تسمية المحكمين، وذلك على أساس أن الاتفاق يخضع للقانون الانجليزي ومع التسليم بالصفة الآمرة لنص المادة ٥٠٢ /٣ مرافعات مصرى إلا أن هذا لا يمنع من تطبيق القانون الأجنبي بشرط عدم مخالفة النظام العام ، ولقد رأت المحكمة أن الامتناع عن تطبيق القانون الأجنبي هو في ذاته يمس الأسس الاجتماعية والسياسية للدولة مما يستلزم تطبيق القانون حتى ولو تعارض مع أحكام القانون المصري.
ونتيجة لهذا حاول المشرع المصري التصدي لهذا الخلاف صراحة بنصه على تأصيل مبدأ استقلال شرط التحكيم في قانون التحكيم المصري.
ثالثا : استقلال شرط التحكيم في قانون التحكيم المصري:
حسم المشرع المصري الجدل القائم حول استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلى ونص في المادة ٢٣ بأنه " يعتبر شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى، ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أى أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته .
وبذلك يكون المشرع أتى بجديد عندما اعتبر شرط التحكيم مستقلا تماما عن العقد الوارد به الشرط، وهو ما يسمح بإحالة موضوع النزاع إلى التحكيم بالرغم بطلان أو فسخ العقد الأصلى ككل.
كما أن بطلان شرط التحكيم لا يترتب عليه بطلان العقد الأصلي، طالما كان هذا الشرط ليس من المسائل الجوهرية التي دفعت المتعاقدين للتعاقد، أما إذا ثبت أنه من المسائل الجوهرية في التعاقد فإنه قد يؤدى إلى إبطال العقد الذي ورد به.
والملاحظ أن المشرع المصري قد ساير الاتجاهات التشريعية والقضائية الحديثة بشأن الاعتراف باستقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي في المعاملات الوطنية والدولية على السواء لما يحققه ذلك من سرعة في إنهاء النزاعات والإجراءات فبدلا من أن يوقف المحكم النظر في النزاع حتى يفصل القضاء في صحة العقد، فإن المحكم أصبح يتولى بنفسه الفصل في هذه المسالة وهو ما يعرف اصطلاحا باسم الاختصاص بالاختصاص.