اتفاق التحكيم / استقلال شرط التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / دور التحكيم في الحفاظ على التوازن المالي للعقد الإداري (دراسة مقارنه بين الكوين ومصر وفرنسا) / مبدأ استقلال شرط التحكيم في ضوء التحكيم الإلكتروني الدولي
مبدأ استقلال شرط التحكيم في ضوء التحكيم الإلكتروني الدولي
تقضي القواعد العامة بأنه في حالتي بطلان العقد أو فسخه يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، وهو ما يعني محاولة محو كل آثار العقد وما يرتبط به من حقوق أو التزامات، حيث تعد كل بنوده واحكامه كان لم تكن، والمعتاد كما تعلم أن يرد شرط التحكيم في مجرد بلد من بنود العقد الأصلي، كعقد البيع أو المقاولة، وهو ارتباط عضوي ظاهر بين شرط التحكيم والعقد الأصلي، أما في حالة مشارطة التحكيم فيكون الارتباط وظيفياً، وأيا ما كان عليه يثار التساؤل عن مصير اتفاق التحكيم إذا كان العقد الأصلي باطلاً أو تقرر فسخه، هل تدل آثار البطلان أو الفسخ ، كما تقضي القواعد العامة ، من شرط التحكيم ذاته، بحيث يزول مع باقي التزامات العقد أم يظل قائما مستقلاً.
قانون التحكيم الإنجليزي لعام 1996، الذي نص في مادته السابعة على أنه "ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك، فإن اتفاق التحكيم، الذي يشكل أو كان مقصوداً أن يشكل جزءاً من اتفاق آخراً مكتوباً أو غير مكتوب، لا ينبغي اعتباره غير صحيح، أو غير موجود، أو غیر فعال بسبب أن ذلك الاتفاق الآخر غير صحيح أو غير موجود أو أضحى غير فعال، وينبغي أن يعامل من أجل ذلك الفرض كاتفاق مستقل“ . كما نصت عليه صراحة كذلك المادة (9) من لائحة إجراءات غرفة التجارة الدولية بباريس النافذة من أول يناير 2012.
ومن النصوص القانونية التي تنظم قاعدة استقلال اتفاق التحكيم نذكر، نص المادة 2/21 من قواعد اليونسترال التي تنص على أنه "يعامل شرط التحكيم الذي يكون جزءاً من عقد... بوصفه اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الآخر. وكل قرار يصدر من هيئة التحكيم ببطلان العقد لا يترتب عليه بحكم القانون بطلان شرط التحكيم" كذلك أيضا نص المادة 23 من قانون التحكيم المصري حيث أوضحت أن "يعد شرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى، ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه، إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته".
ولا يختلف الوضع في التحكيم الإلكتروني عن التحكيم التقليدي حيث قضت المادة 16 من تنظيم محكمة التحكيم الفضائية أنه "(3) لهيئة التحكيم أن تفصل في الدفوع المتعلقة بوجود أو مشروعية العقد الذي يتضمن شرط التحكيم. (4) ويكون قرارها الصادر ببطلان العقد أو اعتباره كأن لم يكن غير ذي تأثير على مشروعية شرط التحكيم الوارد فيه" . وبالتأمل في هذا النص نجد أنه لم يقتصر على تقرير مبدأ استقلال شرط التحكيم فحسب، وإنما أجاز للهيئة الفصل في مختلف الدفوع المتعلقة بوجود العقد الأصلي ومشروعيته، كتلك المتعلقة بالأهلية وعيوب الرضاء والمحل والسبب.
كذلك بمراجعة قواعد التحكيم التجاري التي تطبقها جمعية التحكيم الأمريكية في شأن التحكيم التقليدي . حيث لا يوجد نص بالإجراءات التكميلية أصدرتها بشأن التحكيم الإلكتروني يتعلق باستقلال شرط التحكيم يتضح أنه "تتمتع هيئة التحكيم بسلطة تحديد وجود أو صحة عقد يشكل بند التحكيم جزءاً منه. ويجب اعتبار بند التحكيم هذا كاتفاقية مستقلة عن أحكام العقد الأخرى. إن قرار هيئة التحكيم ببطلان العقد لا يؤدي لهذا السبب وحده إلى إبطال بند التحكيم" .
ويكاد يتفق هذا النص مع سابقه، وإن كان أدق وأوضح بعض الشيء في تفصيل الأحكام التي يقررها:
1 . للمحكم . بالإضافة إلى مهمته الأساسية وهي نظر الدعوى - الفصل في الدفوع المتعلقة بصحة العقد الأصلي الذي يتضمن شرط التحكيم، و تثبت له هذه السلطة كذلك لو كان شرط التحكيم وارداً في صورة اتفاق مستقل أو حتى في صورة مشارطة.
2 - يظل شرط التحكيم الإلكتروني اتفاقاً قائما بذاته داخل الاتفاق الأصلي، وكان الورقة التي تتضمنها تشتمل على عقدين منفصلين: العقد موضوع الالتزام وعقد التحكيم، ومن ثم فإن صحة العقد الأول أو بطلانه لا تؤثر على صحة العقد الثاني أو بطلانه والعكس صحيح.
3 ـ يرتبط بما سبق أن قرار المحكم ببطلان العقد الأصلي لا يؤدي إلى بطلان شرط التحكيم، ما لم يكن هذا الشرط بدوره باطلاً لأسباب ذاتية مستمدة منه. فالشرط كما نعلم له أركانه الخاصة من رضاء ومحل وسبب، بالتالي إذا وجد عيب في هذه الأركان كان الشرط باطلا، ليس لبطلان العقد الأصلي ـ في حالة تقريره . لكن لأن أركان الشرط ذاتها شابها البطلان، لذا فمن المتصور في مجال التحكيم الإلكتروني أيضاً أن يكون العقد والشرط باطلين معاً أو يكون أحدهما صحيحاً والآخر باطلا، وذلك بسبب وجود اتفاقين مستقلين عن بعضهما تمام الاستقلال.