رأينا أن اتفاق التحكيم قد يكون عبارة عن شرط التحكيم، هو الذي يرد ضمن بنود العقد الأصلي وبمقتضاه يتفق أطرافه على اللجوء إلى التحكيم دون القضاء في حالة نشوء نزاع حول هذا العقد مستقبلاً أو مشارطة تحكيم وهي عقد منفصل يبرم استقلالاً عن العقد الأصلي يتفق أطرافه على اللجوء إلى التحكيم بعد نشأة النزاع. فهل شرط التحكيم يعد بنداً عادياً كبنود العقد الأصلي فيسري عليه ما يسري على العقد نفسه أم أنه عقد مستقل بذاته عن العقد الأصلي لا يتأثر وجوده أو صحته بما يطرأ على العقد الأصلي من مسائل تتعلق بوجوده وصحته؟ وفق مبدأ استقلال شرط التحكيم، عدم صحة أو بطلان أو فسخ العقد الأصلي لا يؤثر ذلك على شرط التحكيم سواء كان هذا الشرط مدرجة ضمن بنود العقد الأصلي أم كان مستقلاً في صورة مشارطة تحكيم، فشرط التحكيم وفق هذا المفهوم يكون له ذاتية متميزة ومستقلة عن العقد مما يعني استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي واستقلال الأخير عن شرط التحكيم فلا يؤثر بطلان أحدهما على الآخر. بتلك المثابة إذا أبطل العقد الأصلي فعندئذ يمكن التمسك بصحة شرط التحكيم وبالتالي السير في إجراءات التحكيم وحسم النزاع من قبل المحكم وليس المحكمـة وإذا كان العقـد الأصلي صحيحاً، وكان شرط التحكيم باطلاً فإن ذلك لا يؤثر على صحة العقـد الأصـلي فاتفاق التحكيم الوارد ضمن بنود العقد الأصلي لا يخضع بالضرورة لمصـيـر هـذا الأخير، فإذا ما قضت هيئة التحكيم ببطلان العقد الأصلي بطلاناً مطلقاً فـلا يتسـع بالضرورة اعتبار شرط التحكيم باطلاً أو أنه غير صحيح.
ومع ذلك يمكن لأطراف الاتفاق على خلاف ذلك، فيتفقون على اعتبار شرط التحكيم شرطا جوهريا لرضائهم بباقي بنود العقد ومن ثم بطلان الشرط يؤدي إلى بطلان العقد أو اتفاقهم بأن فسخ العقد أو إنهاءه ينصرف إلى العقد بالنسبة لكل بنوده بما فيها شرط التحكيم وعندئذ يلحق الفسخ أو الإنهاء هذا الشرط أيضا ذلك لأن مبدأ استقلال شرط التحكيم لا يتعلق بالنظام العام".
وقد أكد القضاء المصري هذا المبدأ في كثير من أحكامه فقد قضت محكمة النقض بأن: "أحد القواعد الأساسية التي تعتبر من ركائز التحكيم هي استقلال شرط التحكيم الذي يكون جزءاً من عقد عن شروط هذا العقد الأخرى بحيث لا يصيبه ما قد يصيب العقد من جزاء الفسخ أو أسباب البطلان أو إنهائه... اتفاق التحكيم... يتمتع باستقلال قانوني بحيث يصبح بمنأى عن أي عوار. قد يلحق الاتفاق الأصلي ... وإذ كان حكم التحكيم المؤيد بالحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر... فإن النعي عليه في هذا الخصوص يكون على غير أساسي".
التشريعات المقارنة والمعاهدات الدولية أقرت مبدأ استقلال اتفاق التحكيم؛ التشريع الفرنسي أقر هذا المبدأ منذ أن أعلنته محكمة النقض الفرنسية في قرار جوسيه سنة 1963 مقررة أن اتفاق التحكيم سواء أبرم في صورة شرط تحكيم أو مشارطة تحكيم والوارد في علاقة دولية خاصة يتمتع باستقلال قانوني كامل عن العقد الذي يحتويه مع ما يستتبعه ذلك من صحة اتفاق التحكيم استقلالاً عن أي مأخذ يمكن أن ينسب إلى العقد الأصلي. -
- والاتفاقيات الدولية أقرت هذا المبدأ الاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجاري الدولي 1961 نصت في الفقرة الثالثة من المادة الخامسة منها على أن "مع التحفظ الجهة المراقبة القضائية اللاحقة المحددة بموجب قانون القاضي فإنه يقتضي على المحكم المطعون بصلاحيته ألا يتخلى عن القضية وله الحق باتخاذ القرار المناسب بصدد تلك الصلاحية وكذلك بصدد وجود وصحة اتفاقية التحكيم أو العقد الذي تشكل الاتفاقية جزءا منه".