أولا : موقف الفقه المصرى من مبدأ استقلال شرط التحكيم :
1- الاتجاه غير المؤيد لمبدأ استقلال شرط التحكيم في القانون المصرى :
تذهب طائفة من الفقه المصري المناهض لمسألة استقلال شرط التحكيم ، عن العقد الذي يتضمنه إلى أن حكم التحكيم - في العلاقات الوطنية - ، يكون باطلا متى تمسك أحد الخصوم ببطلان العقد الذي تضمنه شرط التحكيم ، كما أن المحكم لا يخول الصلاحية في نظر بطلان العقد أو نسخه ، لأن في ذلك تخويل للمحكم نفسه صلاحية النظر في شأن توافر صفته كمحكم أو عدم توافرها .
2- الاتجاه المؤيد لمبدأ استقلال شرط التحكيم في القانون المصرى :
أ- في العلاقات الدولية الخاصة :
القول باستقلال شرط التحكيم عن العقد الذي يضمه ، رغم اتصاله به ماديا ، وذلك لأنه يفترق عنه من عدة وجوه . فموضوعه هو تسوية المنازعات التي يحتمل أن تتولد من العقد الأصلي ، وسببه هو الالتزام المتبادل بين الأطراف بانتزاع هذه المنازعات من ولاية المحاكم والالتجاء في شأنها إلى محكمين ، وهو بعد يتصف بخاصة إجرائية» . ثم يبرر فكرة استقلال شرط التحكيم قائلا «... وذلك لأن شرط التحكيم (وهو الاتفاق التحكيمي) ، يختلف عن العقد الأصلي بما له من وظيفة اقتصادية وقانونية تبرر خضوعه لقواعد خاصة (غير القواعد التي يخضع لها العقد الأصلي) ، من حيث شكله ومن حيث سلطة المحكمين ومن حيث مشروعية موضوعه (قابلية موضوعه للتحكيم) . وحيث أنه لا تختلف مطلقا وظيفة الاتفاق التحكيمي حسب الصورة التي يجئ فيها.
الأحكام المؤيدة لفكرة استقلال شرط التحكيم
وأول حكم تعرض لهذه المسألة هو حكم محكمة النقض المصرية وذهبت فيه إلى القول بأنه ليس هناك ما يمنع من الاتفاق على التحكيم في الداخل والخارج». ويعني ذلك جواز أن تتجه إرادة أطراف ، عند إبر أنم اتفاق تحكيم ، إلى تطبيق قانون أجنبي ، أو نظام مؤسسة ، أو منظمة تحكيم في الخارج ، وبالتالي يسري عليه من حيث الصحة، والبطلان ، ولا يسري عليه القانون الوطني .
كما قضت محكمة النقض المصرية لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه ، قد تطرق بعد أن قضى بسقوط حق الطاعنة في التمسك بشرط التحكيم ، إلى اعتبار هذا الشرط باطلا ، لعدم تضمنه أسماء المحكمين ، طبقا لما أوجبته المادة 3/502 مرافعات ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بإخضاعه هذا الشرط للقانون المصرى دون القانون الإنجليزي الواجب التطبيق ، ولا محل للقول باستبعاد أحكام القانون الإنجليزي ، لمخالفتها لنص المادة 3/502 مرافعات على فرض صحته ، إذ أن مناط استبعاد أحكام القانون الأجنبي الواجب التطبيق ، وفقا للمادة 28 مدنی مصری - هو أن تكون هذه الأحكام مخالفة للنظام العام في مصر أي متعارضة مع الأسس الاجتماعية ، أو السياسية ، أو الاقتصادية ، أو الخلقية في الدولة ، مما يتعلق بالمصلحة العليا للمجتمع ، بما لا يكفي معه أن تتعارض مع نص قانونی آمر ، إذ كانت المادة 3/502 مرافعات ، بما اشترطته من وجوب بيان أسماء المحكمين في مشارطه التحكيم ، أو في اتفاق مستقل لا تتعلق بالنظام العام ، على النحو السالف بيانه ، فإن مخالفتها ، لا تنهض مطلقا ، مبررا ، لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي الواجب التطبيق .
وينتقد الأستاذ الدكتور حسن بغدادي هذا الحكم ، حيث يذهب إلى القول ، بأن كل القواعد الآمرة تكون منطقة بالنظام العام ، وبالتالي رتب نتيجة مؤداها، بطلان هذا الحكم ، لمخالفة نص المادة 3/502 من قانون المرافعات المصري .
ويردف سيادته قائلا بأنه «يبين من كل ما تقدم أن الفقه مجمع على تعلق نص الفقرة الثالثة من المادة 502 بالنظام العام وأن جزاء مخالفة هذا النص هو بطلان شرط التحكيم وما يصدر من قرارات بالترتيب عليه»..
ثم يعقب قائلا : ولأن شرط تعيين أشخاص المحكمين في الاتفاق على التحكيم ، أو في اتفاق لاحق ، لا يتعلق بالنظام العام ، فإنه ينطبق على التحكيم ، الذي يتفق على أن يتم في الخارج ، بل يخضع هذا التحكيم من حيث صحته ، أو بطلانه لقانون البلد الذي يتم فيه .
وبالرغم من أن هذا الحكم ، قد لجأ إلى قواعد تنازع القوانين التقليدية ، إلا أنه أوضح على نحو قاطع وصريح ، بأن عدم تسمية المحكمين في اتفاق التحكيم ، لا يتعلق بالنظام العام ، نظرا لأن عدم تسمية المحكمين بأسماهم ، لا يترتب عليه تقويض ، الأسس الاجتماعية ، والسياسية ، والاقتصادية ، والخلقية ، في المجتمع المصرى .
ثم أردفت المحكمة أن التنظيم الذي أوردته الاتفاقية في مادتها الثانية «لا يقتضي أن يقوم الأطراف أنفسهم بتسمية المحكمين بأشخاصهم في اتفاق التحكيم ذاته ، فقد جاءت خلوا من وجوب اشتراط بيان أسماء المحكمين في تعيين أسماء المحكمين في ذات الاتفاق بالمفهوم الوارد فيها. فمثل هذا القيد ، وإن ورد في التشريع الداخلي ، فلا يسري على اتفاقات التحكيم ذات الطابع الدولي ، والتي تحكمها هذه الاتفاقية دون سواها ، ومقتضاها استبعاد تطبيق أحكام التشريعات الوطنية في الدول الأعضاء ، واللجوء إلى تطبيق الاتفاقية وقواعدها ، دون إضافة شروط تزيد على تلك التي تطلبتها».
كما قضت محكمة النقض المصرية أيضا بأنه «وحيث أن الطعن أقيم على خمسة أسباب تنعى بها الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون . وفي هذا الصدد تقول أنه يجب لإعمال شرط التحكيم، أن يكون صحيحا طبقا للقانون المصرى ، حتى ولو كان قد اتفق علی إجراء التحكيم في الخارج ، ولما كان الدفع بعدم قبول الدعوى لسبق الاتفاق على التحكيم هو في حقيقته دفع بعدم الاختصاص وكانت المحاكم المصرية تختص طبقا للمادة 30 من قانون المرافعات الدعاوى ، التي ترفع على الأجنبي ، الذي ليس له موطن ، أو محل إقامة في مصر ، فإن على القاضي الوطني طبقا للمادة ۲۲ من القانون المدني ، قبل أن يتخلى عن اختصاصه للمحكمين في الخارج ، أن يتثبت من صحة شرط التحكيم طبقا لقانونه ، ولما كانت المادة
3/502 من قانون المرافعات ، قد أوجبت تعيين أشخاص المحكمين في الاتفاق على التحكيم ، فإن الحكم المطعون فيه ، إذ اعتبر شرط التحكيم الوارد بسند الشحن صحيحا رغم خلوه من بيان أسماء المحكمين ، ورتب على ذلك قضاءه بتأييد الحكم الابتدائي ، الذي قضى بعدم قبول الدعوى ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه .
كما ذهبت المحكمة أيضا «وحيث أنه مما تنعى به الطاعنة السبب الأول من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ، وتأويله . وفي بيان ذلك تقول إن الحكم ، اعتبر ، شرط التحكيم الوارد بسند الشحن ، باطلا ، لعدم تعيين أشخاص المحكمين ، أو في اتفاق مستقل ، إعمالا لنص المادة 3/502 من قانون المرافعات . ولما كان شرط التحكيم وقد تضمن الاتفاق على إحالة أي نزاع ، ينشأ عن سند الشحن إلى ثلاثة محكمين في لندن ، فإن الحكم بتطبيق القانون المصرى على تحكيم متفق على إجرائه في لندن ، ومن ثم يخضع للقانون الإنجليزي ، فإنه يكون قد خالف القانون ، وأخطأ في تطبيقه ، وتأويله .
وهنا نجد أن هذا الحكم قد تبنى صراحة فكرة دولية للمنازعة ، کی يبرر عدم بطلان اتفاق التحكيم استنادا إلى مخالفة اتفاق التحكيم لنص المادة 3/205 وبالتالي بعد هذا الحكم عن مجال تنازع القوانين التقليدي ، بالإضافة إلى نصوص معاهدة نيويورك سنة 58 وهو اتجاه محمود في نظرنا .