وأية صدق ذلك أن استقلال شرط التحكيم ، معناه تحرره من الارتباط بالعقد الأصلى ، ومقدرته على أن يحيا ، ويستمر ، حتى لو فسخ ، أو أبطل العقد الأصلى ، إلا إذا اعترى البطلان كلا من الشرط والعقد الأصلى خذ مثلا : إذا قام شخص ناقص الأهلية ، بإبرام عقد يتضمن شرط تحكيم ، ففى هذه الحالة يبطل الإثنان .
وفوق كل ما تقدم، فإن شرط التحكيم ، قد يخضع لقواعد قانونية غير التي قد يخضع لها العقد الأصلى وبالتالي ، قد يخضع لقواعد إسناد، التي يخضع لها العقد الأصلى .
وتشمل أيضا - وتتأكد بها فكرة استقلال شرط التحكيم - حالة الاستغناء عن منهج تنازع القوانين التقليدى ، والالتجاء إلى تطبيق قواعد موضوعية تعطى حلولا مباشرة تناسب التحكيم التجارى الدولى ، مثل عادات وأعراف التجارة الدولية . وإن كانت تظل هناك مساحة لقواعد التنازع التقليدية للعمل ، نظرا لأن عادات وأعراف التجارة الدولية ، لا تحوى تنظيما متكاملا لكافة المسائل المتعلقة بها. وبالإضافة إلى عادات وأعراف التجارة الدولية هناك الاتفاقيات الدولية - القانون الاتفاقى - التي تتضمن أيضا بعض القواعد ، التي تحوى حلولا مباشرة .
واستقلال شرط التحكيم ، يعنى بالإضافة إلى كل ما سبق ، أن شرط التحكيم يظل بمنأى عن أي قيود قد تكون موجودة في التشريعات الداخلية ، وتقف عثرة حجر فى سبيل التحكيم .
على أنه ، في حالة إعمال القانون الأجنبى ، أو القواعد الموجودة في أنظمة هيئات ومنظمات التحكيم على موضوع صحة ، أو بطلان اتفاق التحكيم ، يجب أن يكون فى إطار أن كل قاعدة آمرة في القانون ، لا يمكن أن يكون بالضرورة متعلقة بالنظام العام . وهو ما يتفق مع الفلسفة التي يقوم عليها نظام التحكيم .
ونضيف إلى ذلك أيضا ، أن اتفاق التحكيم ، يستمد من العقد الأصلي أيضا صفة التجارية ، أو المدنية .
هذا ويثار التساؤل ، عن إمكانية تخويل الأطراف ، سلطة الاتفاق على ارتباط شرط التحكيم بالعقد - ، أى التخلى الإرادى للأطراف عن فكرة استقلال شرط التحكيم الذى يتضمنه وجودا وعدما ، بحيث إذا فسخ العقد الأصلى ، أو أبطل ، فإن ذلك ينسحب بالتبعية على شرط التحكيم ؟
أرى أنه ، وإن كان قانون التحكيم المصرى ، لم ينص على ذلك ، إلا أنه يجوز للأطراف الاتفاق صراحة على استبعاد فكرة استقلال شرط التحكيم ، نظرا لعدم مخالفة ذلك للنظام العام . وهناك من القوانين ما ينص على ذلك مثل القانون الإنجليزى الجديد الصادر سنة ١٩٩٦ ، فقد خول بمقتضى المادة السابعة منه الأطراف إمكانية ذلك . كما أن نظام غرفة التجارة الدولية بباريس ، يقضى بأنه ، إذا لم يكن هناك اتفاق بين الأطراف، يكون شرط التحكيم ، مستقلا عن العقد الذي يتضمنه .
ونظرا للفوائد الجمة - السابق الإشارة إليها - ، التي يمكن جنيها من جراء إعمال مبدأ استقلال شرط التحكيم ، عمل الفقه وتبعه المشرعون في دول أوربا الغربية قاطبة والولايات المتحدة الأمريكية ، على تبني مفهوم المبدأ كاملا ، بالرغم من ، التردد الفقهي في الأخذ به بداية. كما أن هذا المبدأ أخذ يجتذب قوانين دول أخرى كثيرة ، وحل محل الفكرة التقليدية . التي تعتبر شرط التحكيم جزءا لا يتجزأ من العقد ، الذي يتضمنه . كما أن هذا المبدأ ، شجع القضاء ، على تبنيه والعدول عن فكرة عدم استقلاله عن العقد ، الذي يتضمنه . هذا بالإضافة إلى النص على هذا المبدأ أيضا ، في قانون اليونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي بصيغته التي اعتمدتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجارى الدولى سنة ۱۹۸٥ ، والقانون الاتفاقى ، ناهيك عن تبنى مؤسسات التحكيم قاطبة والمنتشرة على مستوى العالم لهذا المبدأ.