نواجه هنا الحالة التي يتضمن فيها العقد الأصلي، شرط تحكيم، إلا أن هذا العقد باطل لأي سبب، أو تم فسخه باتفاق الطرفين أو بإرادة منفردة حيث يجيز القانون ذلك، أو انفساخه نتيجة قوة قاهرة. وحسب النظرية التقليدية، فإن شرط التحكيم تابع لهذا العقد، مما يعني أن انتهاء عقد البيع لأي . سبب، يؤدي إلى سقوط وانتهاء هذا الشرط المتضمن في العقد. وعليه، إذا حصل أي خلاف بين الطرفين حول العقد وآثاره المالية، فلا يحال إلى التحكيم وإنما إلى القضاء، ما دام أن الشرط لم يعد موجوداً لأنه، كما تقول القواعد الفقهية، التابع تابع لا يفرد في الحكم، وإذا سقط الأصل سقط الفرع .
فيجوز الاتفاق على خلافها، بمعنى يجوز اتفاق الطرفين على عدم استقلالية شرط التحكيم، وإنما تبعية الشرط للعقد الأصلي، بل يجوز استخلاص مثل هذا الاتفاق ضمناً. كما نرى بأن مصطلح "شرط التحكيم" لغايات الاستقلالية، لا يقتصر فقط على شرط التحكيم بمفهومه الضيق، أي ذلك البند التعاقدي الوارد في العقد الأصلي، وإنما يشمل أيضاً اتفاق التحكيم الذي يبرم كاتفاق منفصل عن العقـد الأصلي لتسوية النزاعات المستقبلية ، وذلك لاتحاد العلة، وللمبررات التي سيقت للدفاع عن مبدأ استقلالية شرط التحكيم.
واستقلالية شرط التحكيم لا تعني أن هذا الشرط لا يمكن أن يبطل أو يكون عرضة للفسخ أو الانقضاء عموماً ، وإنما فقط لا يبطل أو يفسخ تبعاً لبطلان العقد الأصلي أو فسخه ولكن إذا لحق البطلان أو الفسخ شرط التحكيم بحد ذاته، وليس بسبب تبعيته للعقد، فإنه يكون باطلاً أو مفسوخاً بصرف النظر عن العقد الأصلي، حتى لو كان هذا العقد صحيحاً ونافذاً بحق طرفيه. ومثال ذلك، عدم جواز الاتفاق على التحكيم في المسائل التي لا يجوز الصلح فيها ، أو يكون أحد طرفي العقد الأصلي، بما يشمله من شرط تحكيم، عديم الأهلية عند إبرام العقد، أو يتفق الطرفان على فسخ العقد مع النص صراحة على أن الفسخ يشمل شرط التحكيم. أو يتقادم شرط التحكيم بمعزل عن تقادم العقد الأصلي. في مثل هذه الفروض، يسقط شرط التحكيم لذاته، وليس بسب تبعيته للعقد الأصلي. ويترتب على ذلك نتيجة هامة وهي اختصاص القضاء عندئذ بالفصل في موضوع النزاع، وليس هيئة التحكيم.
واستقلالية شرط التحكيم بهذا المفهوم، يمكن تبريرها بالنسبة للتحكيم بالقانون بشكل خاص ، فالنزاع سيحال في جميع الأحوال إلى جهة معينة للفصل فيه وهي كقاعدة عامة، القضاء. لذلك، فإنه لا مشكلة من الإبقاء على شرط التحكيم، وإحالة النزاع لجهة التحكيم التي ستقضي فيه حسب أحكام القانون، تماماً كما هو الحال بالنسبة للقضاء، وحكمها من حيث النتيجة، سيخضع لرقابة القضاء عن طريق دعوى بطلان الحكم، أو غيرها حسب ما ينص عليه القانون الوطني. كما أن الأخذ بهذا المبدأ، يتماشى مع الواقع العملي من حيث إرادة الأطراف، وخاصة في التحكيم الدولي. وأكثر، إن لم يكن غالبية، العقود الدولية تنص على التحكيم لتسوية النزاعات الناشئة عن العقد. والأطراف عندما يتفقون في العقد على الإحالة إلى التحكيم، لا يتوقعون حينئذ إلا الأخذ بما اتفقوا عليه لتسوية نزاعهم باللجوء إلى التحكيم وليس للقضاء. والمنازعات العقدية لا تنحصر فقط بمدى تنفيذ أي من الأطراف لالتزاماته العقدية، وإنما يشمل ذلك أيضاً بيان حقوقهم المالية الناجمة حتى عن انتهاء العقد لأي سبب من الأسباب. فإذا قلنا أن هذا الانتهاء يؤدي حكماً إلى انتهاء الشرط التحكيمي، فهذا يعني الخروج على إرادة الأطراف، بإجبارهم على اللجوء إلى القضاء خلافاً لهذه الإرادة، مما يؤدي إلى زعزعة اتفاق التحكيم وخاصة في العقود الدولية.
ومن جهة أخرى قد يكون من صلاحية هيئة التحكيم إنهاء العقد المتضمن لشرط التحكيم عن طريق بطلانه أو فسخه أو تقرير انفساخه إذا توفرت شروط ذلك ، ومثال ذلك، أن يتفق طرفا العقد على إحالة نزاعهما للتحكيم بموجب شرط التحكيم، الذي يعطي صلاحيات واسعة لهيئة التحكيم، مثل الفصل بكافة الأمور المتعلقة بالعقد، من حيث انعقاده وتنفيذه وفسخه وانفساخه والمطالبة بالتعويض، وأي أمر آخر ناجم عنه. وقد يتضمن العقد كذلك شرطاً مفاده أن العقد يعتبر مفسوخاً من تلقاء نفسه، دون حاجة لإعذار أو حكم قضائي أو تحكيمي، في حال إخلال أحد الطرفين بتنفيذ التزامه في الموعد المحدد. ولتوضيح ذلك نفرض أن هناك عقداً بين (أ) و(ب) تضمن مثل هذه الأحكام، وطلب (أ) من (ب) تنفيذ التزاماته، إلا أن الأخير نازعه في ذلك، على أساس تحقق شرط الفسخ التلقائي الوارد في العقد، أو لا يكون في العقد مثل هذا الشرط، إلا أن (أ) يخل بتنفيذه ويكون من حق (ب) المطالبة القضائية أو التحكيمية) بفسخه.
في هذين الفرضين، يكون تقرير انفساخ العقد بحكم القانون، أو إصدار قرار بفسخه، من صلاحية هيئة التحكيم بموجب اتفاق الطرفين الصريح . ولو قضت بأي منهما ، فمعنى ذلك سقوط شرط التحكيم المتضمن في العقد إذا قلنا بعدم استقلاليته عن العقد، وبالتالي بطلان حكم التحكيم لصدوره من جهة غيرذات اختصاص، مع أن الهيئة مارست صلاحياتها بمقتضى ذلك الشرط، الذي لولاه لما كان للهيئة وجود أصلاً. ومع الأخذ بالاعتبار لهذه المسألة، فإن طبيعة الأشياء والمنطق القانوني، يفترضان استقلالية شرط التحكيم عن العقد المتضمن فيه. ولولا ذلك، لقضت هيئة التحكيم بالشيء ونقيضه في آن واحد، أي لقضت بفسخ أو إنفساخ العقد، وما يترتب عليه من سقوط شرط التحكيم الوارد فيه، مع أن صلاحياتها بالقضاء بالفسخ أو الانفساخ، مستمدة أصلاً من ذلك الشرط الذي أصبح ساقطاً بالتبعية، وهذا غير منطقي.
وتبرز أهمية الأخذ بمبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي، عند النظر بدعوى بطلان حكم التحكيم بشكل خاص. فمن حالات بطلان الحكم في القوانين التي تأخذ بهذه الدعوى، صدور الحكم بناءً على اتفاق تحكيم باطل أو غير موجود بشكل عام بصرف النظر عن سبب ذلك . فلو دفع أحد الطرفين أمام هيئة التحكيم بعدم اختصاصها بفصل النزاع لسقوط شرط التحكيم تبعاً لبطلان العقد الأصلي مثلاً، فإن الهيئة سترفض هذا الدفع حتماً إذا كان القانون المطبق على اتفاق التحكيم، يأخذ باستقلالية شرط التحكيم عن ذلك العقد. وعندئذ لن يكون الحكم قابلاً للبطلان لهذا السبب. وهذا بعكس ما لو قلنا بأن إبطال العقد الأصلي يقتضي . حكماً سقوط شرط التحكيم، في الدول التي لا تأخذ باستقلالية الشرط. ففي هذه الحالة، يكون الحكم قابلا للبطلان لعدم وجود اتفاق تحكيم بالتبعية للعقد الأصلي، أي بسبب بطلان ذلك العقد.
لم تنص القوانين العربية عموماً على مبدأ الاستقلالية، مما يعني تطبيق القواعد العامة التي تقضي بعدم استقلالية الشرط عن العقد. ويترتب على ذلك القول بأنه إذا أبطل العقد الأصلي أو انفسخ أو فسخ، فإن شرط التحكيم يسقط تبعاً له، ويجب إحالة موضوع النزاع للقضاء وليس للتحكيم ، وأكدت ذلك بعض الأحكام القضائية.
ففي الإمارات، قالت المحكمة الاتحادية العليا في أبو ظبي، بأنه يترتب على بطلان العقد الأصلي، بطلان شرط التحكيم تبعاً لذلك، ويكون الاختصاص ببطلان العقد، للقضاء صاحب الولاية العامة في الفصل بالمنازعات. وفي لبنان، حكم في وقت سابق بأن البند التحكيمي الوارد في الاتفاق، يعتبر باطلاً تبعاً للاتفاق الأساسي، وبالتالي تنتفي صلاحية
المحكم كلياً للنظر بكل ما يتعلق بالعقد، وتكون الصلاحية بهذا الشأن للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع دون غيرها. وقضي كذلك بأن مفعول شرط التحكيم الوارد في عقد الشركة، لا يسري في حالة قيام خلاف على صحة هذا العقد ، إذ أن سلطة المحكم مستمدة من العقد ذاته، وليس له أن يكون قاضياً فيه .
ولكن قضي في لبنان حديثاً بأن من المسلم به فقهاً واجتهاداً بأن البند التحكيمي، أي شرط التحكيم، مستقل عن العقد الذي ورد فيه فيبقى قائماً بذاته بغض النظر عن العقد الذي ورد فيه ذلك البند .
كما أن القضاء القطري ذهب إلى استقلالية شرط التحكيم، بالرغم من عدم وجود نص تشريعي خاص يقضي بذلك. فقد قضي بأن الالتجاء إلى التحكيم قد يكون تنفيذاً لأحد شروط العقد الذي تمخضت عنه المنازعة، وهو الأمر الشائع في العقود الدولية التجارية. وقد أصبح هذا الشرط يتمتع بذاتية مستقلة لا يتأثر ببطلان أو فسخ محتمل لهذا العقد. وقضي أيضاً بأن المحكم كالقاضي، يملك الحكم في صحة عقد التحكيم أو بطلانه، ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه، أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته .
، والقضاء في دبي، اتجه أيضاً إلى القول باستقلالية شرط التحكيم. ففي حكم قالت محكمة تمييز دبي، أن بطلان العقد المتضمن شرط التحكيم، أو فسخه أو إنهائه، لا يمنع من أن يظل شرط التحكيم سارياً ومنتجاً لآثاره، ما لم يمتد البطلان إلى شرط التحكيم ذاته، باعتبار أن شرط التحكيم له موضوعه الخاص به، والذي يتمثل في استبعاد النزاع المشترط فيه من ولاية المحاكم .
وهكذا ، يبدو أن القضاء في بعض الدول العربية، استبق أي تشريع خاص بالتحكيم قد يصدر مستقبلاً في هذه الدول. فالمبدأ المتعلق بهذه المسألة، أصبح ظاهرة عامة على المستويين الدولي والمحلي. فبالإضافة للقانون النموذجي، أخذت قواعد التحكيم لليونسيترال، وكذلك القواعد المطبقة لدى بعض المؤسسات التحكيمية، بمبدأ الاستقلالية كما أخذت به التشريعات العربية الحديثة في التحكيم حتى يمكن القول أن مبدأ استقلالية شرط التحكيم، أصبح عـرفــاً تحكيمياً واجب التطبيق، ما دام لا يوجد نص في القانون يحظر ذلك صراحة. وبالتالي، يصعب تصور صدور قانون حديث للتحكيم، لا ينص صراحة على مبدأ استقلالية هذا الشرط عن العقد المتضمن فيه.
وفي كل الأحوال نرى، بالنسبة للدول التي لا تأخذ باستقلالية شرط التحكيم، أن مبدأ تبعية شرط التحكيم للعقد الأصلي ليس من النظام العام، وبالتالي يمكن الاتفاق على خلافه صراحة أو ضمناً. ومن أوجه ذلك، الاتفاق على التحكيم المؤسسي وفق قواعد مؤسسة تنص على استقلالية شرط التحكيم في هذه الحالة، يكون الاتفاق صحيحاً وملزماً. ولعله من المفيد أن نشير هنا إلى أن فكرة النظام العام نسبية، تختلف باختلاف الزمان والمكان والظروف كما سنرى فيما بعد. وبناءً عليه، يمكن القول أن فكرة عدم الاستقلالية، حتى لو كانت تعتبر من النظام العام بمفهوم الفكر التقليدي، إلا أنها ليست كذلك بمفهوم الفكر الحديث وواقع التحكيم، ما دام أنها لا تمس الكيان الاجتماعي أو السياسي أو الديني أو غير ذلك من أسس ثابتة، يقوم عليها المجتمع والدولة . بدليل أن الفكرة ذاتها، لم تكن مقبولة في قوانين دول عربية ، إلا أن المشرع نفسه أخذ بها في ما شرعه من قوانين حديثه تتعلق بالتحكيم. وكل ذلك يميل باتجاه السير إلى الأمام، بإبعاد فكرة النظام العام كلية عن مبدأ استقلالية أو عدم استقلالية شرط التحكيم.