الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / استقلال شرط التحكيم / الكتب / الموجز فى النظرية العامة للتحكيم التجاري الدولي / استقلالية اتفاق التحكيم بالنسبة للعقد الأصلي

  • الاسم

    د. حفيظة السيد الحداد
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    منشورات الحلبي الحقوقية
  • عدد الصفحات

    529
  • رقم الصفحة

    119

التفاصيل طباعة نسخ

استقلالية اتفاق التحكيم بالنسبة للعقد الأصلي

بعد مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي من المبادئ المستقرة حالياً سواء في إطار القوانين الوضعية أو المعاهدات الدولية ولوائح التحكيم. إذ تستمد هذه الاستقلالية من الموضوع المختلف لكل من العقدين : العقد الأصلي والاتفاق على التحكيم. فالاتفاق على التحكيم هو مجرد عقد برد على الإجراءات ولا يهدف إلى تحديد حقوق والتزامات الأطراف الموضوعية ولكن ينصب محله على الفصل في المنازعات الناشئة عن الشروط الموضوعية التي يتضمنها العقد الأصلي.

ويترتب على الملحوظة السابقة أن الاتفاق على التحكيم ليس مجرد شرط وارد في العقد الأصلي، بل هو عبارة عن عقد آخر من طبيعة مختلفة , فهو عقد ثانٍ وإن كان مندمجاً من الناحية المادية في العقد الأصلي.

وعلى الرغم من وضوح الحقيقة السابقة للعيان، فإنها كانت محلاً للجدل والنقاش بين أنصار استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي والمنادين بعدم استقلالية. إذ ظهرت الحاجة في العديد من الأنظمة القانونية إلى ضرورة بحث العلاقة التي تربط بين العقد الأصلي الذي يثار النزاع بمناسبته وبين الاتفاق على التحكيم .

تتعدد الصور التي تثور فيها مسألة العلاقة بين الاتفاق على التحكيم والعقد الأصلي. فقد تثور هذه المسألة عند التمسك ببطلان العقد الأصلي أو انقضائه لأحد أسباب الانقضاء ومدى تأثير ذلك على اتفاق التحكيم وإمكانية للجوء إلى هيئة التحكيم رغم ذلك هذا من جهة.

 ومن جهة أخرى فإن مسألة العلاقة بين اتفاق التحكيم والعقد الأصلي قد تثور في فرض معاكس للفرض الأول. فقد يكون العقد الأصلي صحيحاً، ويكون الاتفاق الذي لحق به العارض القانوني هو اتفاق التحكيم ذاته، فما هو مدى تأثير بطلان اتفاق التحكيم على العقد الأصلي .

والمشاهد أن مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم وهو الأمر الذي سنعالجه الآن يجري عليه اعمل في العديد من الأنظمة القانونية المعاصرة والمعاهدات الدولية ولوائح التحكيم .

تقدير مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم

يعتبر مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم في علاقته بالعقد الأصلي من المبادئ المستقرة في بعض القوانين الوضعية بشأن التحكيم الدولي ولقد كرس هذا المبدأ إما عن طريق أحكام القضاء أو بنصوص تشريعية .

في فرنسا مثلاً ذهبت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في 7 مايو ١٩٦٣ في قضية Gosset إلى أنه في إطار التحكيم التجاري الدولي، فإن اتفاق التحكيم سواء تم هذا الاتفاق على نحو منفصل ومستقل عن التصرف القانوني الأصلي أو تم إدراجه به فإنه يتمتع دائماً، إلا إذا ظهرت ظروف استثنائية، باستقلال قانوني كامل يُستبعد معه أن يتأثر اتفاق التحكيم بأي بطلان محتمل يلحق بهذا التصرف.

تتعلق وقائع القضية التي صدر فيها حكم محكمة النقض المذكور بالنزاع. حول تنفيذ حكم تحكيم صدر في إيطاليا إعمالاً لشرط التحكيم المدرج في العقد المبرم بين مستورد فرنسي ومصدر إيطالي وهو الحكم الذي قضى بالتعويض للمصدر الإيطالي بسبب خطأ المستورد الفرنسي في تنفيذ التزاماته التعاقدية .. ولقد دفع المستورد الفرنسي بعدم جواز تنفيذ التحكيم استناداً إلى أن العقد الذي ورد به شرط التحكيم يعد باطلاً بطلاناً مطلقاً لمخالفته للنظام العام الفرنسي لعدم احترامه للقواعد الآمرة المتعلقة بالاستيراد ولما كان العقد الأصلي ذاته باطلاً، فإن شرط التحكيم يبطل بالتبعية لبطلان العقد الأصلي، ويترتب أيضاً على ذلك بطلان حكم التحكيم الصادر بناءً على هذا الشرط الباطل. ولقد رفضت محكمة النقض الفرنسية هذا النظر إعمالاً لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي.

 وهذا المبدأ الذي وضعته محكمة النقض الفرنسية سارت عليه أيضاً محاكم الاستئناف الفرنسية في العديد من أحكامها .

كما أن محكمة النقض ذاتها أتيحت لها الفرصة في التأكيد على هذا المبدأ مع تغاضيها عن القيد السابق الذي أوردته والمتعلق بالظروف الاستثنائية التي لم تستخلص منه أية آثار عملية، وذلك في العديد القضايا.

في قضية Impex وقضية Hecht وقضية Menicucci ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى تأكيد مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم دون أدنى قيود. وتتعلق قضية Impex التي ذهبت فيها محكمة النقض الفرنسية إلى تأييد قاضي الموضوع فيما ذهب إليه من اعتبار اتفاق التحكيم اتفاقاً مستقلاً من الناحية القانونية، وفقاً للقانون الدولي الخاص الفرنسي، بالعقد الوارد على تصدير الحبوب إلى إيطاليا، والذي صُورٌ على أنها عملية بيع إلى البرتغال وسويسرا ومنها إلى إيطاليا للاستفادة من القواعد والمزايا المقررة في داخل السوق الأوروبية المشتركة بهدف التصدير لدول أخرى خارج السوق. ولقد رفضت السلطات الجمركية الفرنسية تراخيص التصدير بسبب الغش، وعندما أثيرت مسألة بطلان العقود نظراً لعدم مشروعية السبب، ومدى تأثر شرط التحكيم بهذا البطلان انتهى القضاء الفرنسي إلى بطلان العقود الأصلية : عدم مشروعية سببها لتوافر الغش الذي لا يؤثر على صحة شرط التحكيم، نزولاً عن مبدأ الاستقلالية التي يتمتع بها هذا الشرط بالنسبة للعقد الأصلي" .

وفي قضية Hecht انتهت محكمة النقض الفرنسية في إطار التحكيم الدولي بتمتع شرط التحكيم باستقلالية كاملة.

وفي قضية Menicucci (3) أبرم العقد الأصلي بين شركة هولندية وشخص فرنسي لا يعد ،تاجراً، ولما كان القانون الفرنسي يحظر أن يتضمن العقد في هذه الحالة شرط تحكيم، فإن الطرف الفرنسي متجاهلاً شرط التحكيم الوارد في العقد قام باللجوء إلى القضاء الفرنسي.

ولقد دفعت الشركة الهولندية بعدم جواز نظر الدعوى القضائية إعمالاً الشرط التحكيم وهو الدفع الذي تقبله القضاء الفرنسي احتراماً لشرط التحكيم و استقلاليته وذلك بغض النظر عن أحكام القانون الفرنسي.

ولقد قررت محكمة استئناف باريس صحة اتفاق التحكيم في العقود الدولية بالنظر لأن استقلاليته تحول دون إمكانية تأثره بأسباب البطلان أو علم المشروعية الواردة في أي قانون وطني.

١٩٩٦ ولقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في ٢٠ ديسمبر القضية المعروفة باسم Dalico بالقضاء بأنه وفقاً لقاعدة من القواعد المادية في القانون الدولي للتحكيم، فإن شرط التحكيم يعد مستقلاً من الناحية القانونية عن العقد الأصلي الذي يتضمنه سواء بشكل مباشر وعن طريق الإشارة ) .

ويذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى القول بأن مبدأ استقلالية شرط التحكيم في العقد الأصلي يشكل الآن قاعدة مادية من قواعد القانون الفرنسي بشأن التحكيم الدولي.

ویری جانب من الفقه الفرنسي، مستقلاً عن أنه بالنسبة للقاضي الفرنسي، فإن اتفاق التحكيم الذي يهدف إلى الفصل في المنازعة عن طريق التحكيم الدولي، يعتبر العقد الأصلي أياً ما كان الحل الذي يتبناه القانون الأجنبي المحتمل التطبيق على هذا العقد وأياً ما كانت طبيعة القواعد الواجبة التطبيق على اتفاق التحكيم ذاته. ويؤكد هذا الجانب من الفقه على أن استقلالية اتفاق التحكيم بعد مياً. المبادئ العامة للتحكيم الذي يشير إليه المحكمون في إطار العلاقات الدولية أياً ما كان مقر انعقاد التحكيم وأياً ما كان القانون الذي يحكم المنازعة من المفروضة عليهم .

ويبدو لنا أن تقدير مدى صحة المقولة السابقة يتوقف على الإجابة على التساؤل التالي: هل مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي والذي استخلصه الفضاء الفرنسي في عام ١٩٦٣ ، يعد مبدأ تقره الأنظمة القانونية الوضعية للعديد من الدول وتعترف به المعاهدات الدولية المنظمة للتحكيم ولوائح التحكيم المختلفة وتقضي به محاكم التحكيم الدولية، على نحو يمكن معه القول على نحو ما يدافع عنه جانب من الفقه بأن هذا المبدأ يعد من لمبادئ العامة للتحكيم التجاري الدولي.

موقف المعاهدات الدولية من تكريس مبدأ استقلالية شرط التحكيم العقد الأصلي

من الثابت أن الاعتراف بمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي الذي يتضمنه لا يستخلص بشكل صريح من المعاهدات الدولية الرئيسية المنظمة للتحكيم، ومن هنا فإن التصديق على هذه المعاهدات من قبل الدول الأطراف فيها ليس هو السبب في تبني هذه الأنظمة القانونية لهذا المبدأ. فمعاهدة نيويورك الموقعة سنة ١٩٥٨ لا تشير إلى مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي بطريقة مباشرة. إذ اقتصرت هذه المعاهدة في المادة ٥-١ - ١ إلى الإشارة إلى إمكانية رفض الاعتراف بحكم المحكم وتنفيذه إذا أثبت الطرف المطلوب الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم ضده أن اتفاق التحكيم غير صحيح وفقاً للقانون الذي يخضع له اتفاق التحكيم، وفي حالة عدم وجود إشارة صريحة لهذا القانون وفقاً لقانون الدولة التي صدر فيها حكم التحكيم" .

ومع ذلك فلقد استخلص أحد الفقهاء من هذا النص أن اتفاق لتحكيم يمكنه أن يخضع إلى قانون آخر غير ذلك الذي يخضع له العقد الأصلي وبالتالي فإن معاهدة نيويورك تكون قد قبلت ضمناً أن يكون لاتفاق التحكيم نظام قانوني مستقل عن العقد الأصلي أي يمكن إدراجها في إطار الاتجاهات المؤيدة لفكرة استقلالية اتفاق التحكيم.

قد ذهب جانب من الفقه إلى وصف التفسير المتقدم بالجرأة ,فالواقع على ما يبدو أن المعاهدة تركت لكل من القوانين المحتملة التطبيق الحرية في الفصل في هذه المسألة.

وبالإشارة إلى نص المادة السابعة من معاهدة نيويورك والتي تنص على أنه الا تخل أحكام هذه الاتفاقية بصحة الاتفاقات الجماعية أو الثنائية التي أبرمتها الدولة المتعاقدة بشأن الاعتراف بأحكام المحكمين وتنفيذها ولا تحرم أي طرف من حقه في الاستفادة بحكم من أحكام المحكمين بالكيفية أو بالقدر المقرر في تشريع أو معاهدات البلد المطلوب إليها الاعتراف والتنفيذ .

أما بالنسبة لمعاهدة واشنطن الموقعة في 18 مارس 1965 والتي أنشأت المركز الدولي لفض المنازعات الناشئة عن الاستثمار فلقد اقتصرت في المادة 41 فقرة أولى منها على تأكيد أن " محكمة التحكيم هي القاضي بالنسبة لمسألة اختصاصها ".

وعلى عكس الاتجاه الذي اتخذته المعاهدات الدولية والتي لم تشر بشكل صحيح إلى قبول مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي، وتم استخلاص هذا المبدأ من قبل جانب من الفقه بالإشارة إلى فكرة التفسير الضمني فإن مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم كرسته صراحة العديد من القوانين الوضعية وأيضاً أحكام القضاء فيا الدول .

  ٢٦ - موقف القوانين الوضعية من مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم العديد من الدول .

نص الغالبية العظمى من التشريعات الحديثة المتعلقة بالتحكيم صراحة على مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم. ويعتبر قانون التحكيم المصري الجديد رقم ١٧ لسنة ١٩٩٤ من القوانين التي أكدت على مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي، إذ نصت المادة ٢٢ من القانون المذكور على أن يعتبر شرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى ولا يترتب على بطلان العقد أو نسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته .

 

وبذلك يكون القانون المصري قد وضع حداً للخلاف الفقهي الذي كان سائداً في القانون المصري (۱) حول استقلالية اتفاق التحكيم من عدمه وما يترتب على هذه التفرقة من آثار، ولا سيما مدى سلطة المحكم في الفصل في مسألة اختصاصه. وهذه المسألة الأخيرة أيضاً قد حسمها المشرع المصري بنصه في المادة ۲۲ -1 على أن تفصل هيئة التحكيم في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها بما في ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم أو سقوط أو بطلان أو عدم شموله الموضوع النزاع.

 ولقد تبنى كل من القانون البلجيكي الجديد للتحكيم، وأيضاً قانون  الإجراءات المدنية الهولندي، إن اتفاق التحكيم يعتبر مكوناً لاتفاق مستقل وأن المحكمة التحكيم في الفصل في مسألة صحة العقد الأصلي الذي يكون اتفاق التحكيم مدرجاً به أو يشير إليه .

كذلك فإن المادة ۱۷۸ فقرة ٣ من القانون الدولي الخاص السويسري الصادر سنة ۱۹۸۷ تنص أيضاً على أن لا تجوز المنازعة في صحة اتفاق التحكيم بمقولة عدم صحة العقد الأصلي وأيضاً فإن المادة 8 من القانون الإسباني الصادر في ٥ ديسمبر ۱۹۸۸ بشأن التحكيم تنص على أن بطلان العقد لا يؤدي بالضرورة إلى بطلان اتفاق التحكيم المتعلق به .

كذلك فإن كل من القانون الجزائري الصادر في ٢٥ ابريل ١٩٩٣، والقانون التونسي الصادر في ۲۹ ابريل ۱۹۹۳ ، يقرّان مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي .

وإذا كان مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي قد كرسته النصوص القانونية في العديد من الدول، فإن هذا المبدأ كرس في دول أخرى ليس بمقتضى نصوص تشريعية وإنما من خلال القضاء، وذلك هو شأن القانون الفرنسي الذي عرضنا له من قبل .

هو العليا ابتداء من سنة ١٩٦٧ في وأيضاً ذلك حال الولايات المتحدة الأمريكية، إذ قبلت المحكمة قضية Prima Print ضد Fload and Conkin أنه تبعاً للقانون الفيدرالي فإن مصير اتفاق التحكيم بعد مستقلاً ومنفصلاً عن مصير العقد المدرج في هذا الاتفاق  كذلك فإن العديد من الدول الأخرى تقبل مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم كالقانون الألماني والإيطالي والياباني.

تكريس مبدأ استقلالية التحكيم عن العقد الأصلي بواسطة قضاء التحكيم الدولي

برزت العديد من أحكام التحكيم استقلالية اتفاق التحكيم عن الأصلي على اعتبار أن هذا الأمر يتعلق بمبدأ عام من مبادىء القانون التجاري الدولي، وذلك دون أن تستشعر أدنى حاجة من أجل تبرير هذه الاستقلالية، إلى الإشارة إلى قانون وطني محدّد.

ففي القضية رقم ١٥٢٦ لسنة ١٩٦٨ قرَّر الحكم التحكيمي الصادر فيها أن هناك قاعدة تحوز القبول العام في إطار التحكيم التجاري الدولي أو في طريقها إليه من مقتضاها أن شرط التحكيم سواء تمَّت الموافقة عليه بشكل منفصل عن الأصلي أو كان متضمناً فيه يتمتع دائماً باستقلالية قانونية كاملة، إلا في حالات استثنائية، على نحو يستبعد معه إمكانية تأثره بأي بطلان محتمل يلحق هذا العقد.

التحفظ الذي ذكره الحكم المذكور لا محل لوجوده الآن في قضاء التحكيم شأنه في ذلك شأن أحكام محكمة النقض الفرنسية في أحكامها اللاحقة على حكم Gosset. إذ أسقطت أحكام التحكيم من الحسبان التحفظ المشار إليه بشأن الظروف الاستثنائية التي كان من شأنها الاصطدام بمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم، على نحو ما ذهبت إليه أيضاً محكمة النقض الفرنسية .

ولقد ذهبت بعض أحكام التحكيم إلى وصف المبدأ المتقدم بأنه يشكل قاعدة من القواعد المادية لقانون التجارة الدولية ولقد ذهبت بعض أحكام التحكيم إلى ذات الاتجاه الذي ذهبت إليه أحكام القضاء الفرنسي مقررة أنه وفقاً لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم، فإنه يخضع في التحكيم الدولي إلى قانون آخر غير ذلك الذي يسري على العقد الأصلي.

كذلك فإن جانباً من التحكيمات الصادرة في المنازعات الناشئة عن العقود المبرمة بين الدول والأشخاص الأجنبية التابعة لدول أخرى ذهبت بدورها إلى تأكيد مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي الوارد به هذا الاتفاق .

بین لسا ففي التحكيمات الثلاثة الصادرة في المنازعات الناشئة والشركات الأجنبية قامت محاكم التحكيم المعنية، بإعمال مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم مؤكدة على أن اتفاق التحكيم يظل قائماً على الرغم من إنهاء عقد الامتياز الذي قامت به الحكومة الليبية، وأن هذا الاتفاق يعد أساساً لاختصاص محكمة التحكيم.

۱۹۷۳ أكتوبر ففي حكم التحكيم الذي أصدره المحكم المنفرد M. Lagegren في 10 في قضية B.P. ضد ليبيا ، تكشف الحل المتقدم على نحو ضمني . فرداً على ما تمسكت به شركة .. من أن التأميم والإجراءات اللاحقة عليه لا أثر لها في إنهاء عقد الامتياز والذي يظل صحيحاً وقابلا للتطبيق، ذهب المحكم إلى أن القانون الصادر بالتأميم أنهى عقد الامتياز الممنوح إلى شركة B.P باستثناء أثر عقد الامتياز الذي يُعدُّ أساساً لاختصاص هذه المحكمة ويُعد أيضاً أساساً لحق الشركة الطالبة في المطالبة بالتعويضات قبل المدعى عليه أمام  محكمة التحكيم.

وأيضاً فإن الأستاذ René lean Dupuy فى قضية Texaco ضد ليبيا النهي بشكل أكثر صراحة من التحكيم السابق في الحكم التمهيدي الذي أصدره في ۲۷ نوفمبر ۱۹۷۵ والمتعلق بالفصل في . مسألة اختصاصه إلى رفض النظرية التي تمسكت بها الحكومة الليبية والتي وفقا لها وضع التاميم نهاية لعقود الامتياز وأن هذا الأثر يتعين أن يمتد إلى شرط التحكيم المدرج بها، وذلك مستنداً على مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم.

كذلك فإن المحكم المنفرد M Sobhi Mahmassani في قضية Liamco Libye قد ذهب في الحكم الذي صدر في ۱۲ ابريل ۱۹۷۷ إلى أنه من المتفق عليه عموماً سواء في الممارسات العملية أو في القانون الدولي بقاء شرط التحكيم، بعد الإنهاء بالإرادة المنفردة من قبل الدولة للعقد الذي يوجد فيه هذا الشرط، والذي يظل ساري المفعول حتى بعد هذا الإنهاء.

كذلك فإن حكم التحكيم الصادر في كوبنهاجن في ١٤ يناير ١٩٨٢ في قضية Elf ضد NIOC كرس أيضاً مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم. إذ ذهب المحكم المنفرد الأستاذ Gomand عند فصله في المنازعة بشأن عقد نص فيه على أن محكمة التحكيم أو المحكم المنفرد، من أجل إصدارها للحكم التحكيمي، غير ملزمة بأي وجه من الوجوه، بأية قاعدة قانونية محددة، ولكن لها السلطة في أن تؤسس ،قرارها على الاعتبارات المتعلقة بالإنصاف وعلى المبادىء القانونية المعترف بها ولا سيما بمباديء القانون الدولي، وأنه في . علم اتفاق الأطراف على مقر التحكيم وإجراءاته فإن للمحكم تحديد هذه المسائل، إلى تقرير أن مقر التحكيم هو كوينها جن وأن القانون الإجرائي الدانماركي هو الذي يتعيَّن تطبيقه على الإجراءات .

لقد اعتبر المحكم أن المسائل المتعلقة باختصاص المحكم بالفصل في موضوع اختصاصه Compétence - Compétence، واستقلالية شرط التحكيم يتعيَّن حسمها في ضوء القانون الذي يحكم العقد Les contractus على النحو القائم في الشرط المذكور أعلاه. وتأسيساً على ذلك قرر المحكم أن استقلالية شرط التحكيم تعد مبداً من مبادىء القانون الدولي تم تطبيقه بشكل مستقر ومستمر في أحكام التحكيم الصادرة عن محاكم التحكيم الدولية، وأن هذه الاستقلالية التي يتمتع بها الشرط المذكور محل تأييد من قبل الفقه المتخصص في مجال التحكيم التجاري الدولي كذلك فإن لوائح التحكيم التي أقرتها المنظمات الدولية تعول عليه وكذلك تعترف به المعاهدات الدولية.

كذلك فإن استقلالية شرطي التحكيم يشكل جزءاً من القانون الوطني للتحكيم في العديد من الدول. وقد انتهى المحكم إلى أن شرط التحكيم يلزم الأطراف ويرتب آثاره دون أن تتأثر قونه الإلزامية بادعاء الشركة المدعى عليها من أن العقد بأكمله باطل ولا أثر له».

لا يقتصر تكريس مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم والمعاهدات الدولية الأنظمة القانونية الوضعية وقضاء التحكيم الدولي بل إن هذا المبدأ تكرسه أيضاً لوائح التحكيم .

-٤ - تكريس لوائح التحكيم لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد

تستمد لوائح التحكيم سلطتها من إرادة الأطراف التي تشير إليها ويرى جانب من الفقه أن تأكيد مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم الذي تشير هذه اللوائح إليه، يتعين تفسيره على أنه يعبر عن إرادة الأطراف، في أن يعامل اتفاق التحكيم على نحو مستقل عن المعاملة التي يلقاها العقد الأصلي.

تعد لائحة التحكيم التي أعدتها غرف التجارة الدولية بباريس من أهم لوائح التحكيم التجاري الدولي التي كرست مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم.

انعدام أو بطلان العقد، وذلك بغرض تحديد الحقوق المتبادلة للأطراف وللفصل في طلباتهم وادعاءاتهم. ويتضح من هذا النص أنه يؤكد على استقلالية اتفاق التحكيم بوضوح كامل ليس فقط حالة الادعاء ببطلان العقد الأصلي ولكن أيضاً في حالة الادعاء بعدم وجود هذا العقد من أساسه.

وكذلك، فإنه لا يوجد أدنى شك في أن المحكم إذا لاحظ انعدام العقد الأصلي أو ببطلانه، فإنه لا يجب أن يتوقف على مجرد هذه الملاحظة بل لا بد أن يستخلص منها الآثار المترتبة على هذا البطلان أو الانعدام فيما يتعلق بادعاءات الأطراف .

فليس للمحكم أن يقضي بعدم اختصاصه ويتوقف على الفصل في المنازعة المعروضة عليه إذا لاحظ انعدام أو بطلان اتفاق التحكيم ذاته .

ويرى جانب من الفقه أن موقف لائحة التحكيم أقل صراحة فيما يتعلق بمعرفة ما إذا كانت ذات القاعدة المتقدمة يتعيَّن اتباعها من قبل المحكمة الدولية للتحكيم إذا ما شرعت في فحص مسألة وجود أو صحة اتفاق التحكيم لأول وهلة prima facie وذلك بالإعمال لنص المادة ٦ فقرة ٢ من  لائحة الغرفة.

ويرى جانب من الفقه الفرنسي أنه يتعيَّن الفصل في هذه المسألة في ضوء احترام مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي، وهو ما يدفع إلى القول بأن الرقابة الظاهرية prima facie يجب أن تكون موحية على نحو قاطع للرقابة المحتمل ممارستها فيما بعد من قبل المحكمين بشأن هذا الموضوع. فمبدأ الاستقلالية الذي يقوم المحكمون بتطبيقه يتعيَّن إعماله أيضاً بواسطة المحكمة الدولية للتحكيم من باب أولي.

وهذا الحل تفرضه، ويستخلص أيضاً من لائحة التحكيم. فمبدأ استقلالية شرط التحكيم يعبر عن الإرادة المفترضة للأطراف في أن ترى اتفاق معاملته بشكل مستقل عن العقد الأصلي وهو ما يتمشى مع لائحة التحكيم يتم التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية بباريس. فالمسألة التي تفحصها محكمة التحكيم prima facie لا تتعلق إذن بوجود وصحة العقد الأصلي ولكن فقط بوجود وصحة اتفاق التحكيم.

كذلك فإن لائحة التحكيم التي أقرتها الجمعية العامة في ٢٨ ابريل ١٩٧٦ والتي أعدتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، والتي أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإعمال أحكامها على حل المنازعات الناشئة عن العلاقات التجارية الدولية تضمنت نصوصاً تكرس مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم واختصاص المحكم بالفصل في مسألة اختصاصه الدفوع المثارة إذ تنص المادة ٢١ - ١ من اللائحة على أنه تفصل هيئة التحكيم في ایشان عدم اختصاصها، بما في ذلك كل دفع يتعلق بوجود وصحة شرط التحكيم أو اتفاق التحكيم المستقل.

٢ - ولهيئة التحكيم الاختصاص في الفصل في وجود وصحة العقد الذي بعد شرط التحكيم جزءاً منه .

وفيما يتعلق بأهداف المادة ،۲۱، فإن شرط التحكيم الذي يُعد شرطاً في العقد والذي ينص على التحكيم وفقاً للائحة الحالية، يُعد شرطاً مستقلاً عن الشروط الأخرى التي يتضمنها العقد، ولا يترتب على تقرير هيئة التحكيم بطلان بطلان العقد الأصلي، بطلان شرط التحكيم بقوة القانون.

ويكرس هذا المبدأ صراحة اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في مسألتي صحة ووجود كل من العقد الأصلي وشرط التحكيم.

علاوة على لوائح التحكيم السابق تعدادها، فإن لوائح التحكيم التي يقدر لها أن تلعب دوراً هاماً في دول Common Law كرست أيضاً مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم فلائحة التحكيم الصادرة سنة ١٩٨٥ عن غرفة لندن للتحكيم الدولي تبنت في المادة ١٤ - ١ نصوص المادة ۲۱ فقرة ٢ من اللائحة  التي أعدتها لجنة الأمم المتحدة للقانون  .

كذلك فإن لائحة التحكيم التجاري الدولي الصادر في عام ۱۹۹۲ عن الهيئة الأمريكية للتحكيم وضعت مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم في المادة ١٥ منها وفي صياغة مشابهة كتلك المنصوص عليها في لائحة التحكيم الصادرة عن لجنة الأمم المتحدة للتحكيم التجاري الدولي.

ويلاحظ أن المادة ١٥ من اللائحة المذكورة بعد أن ذكرت بأن شرط التحكيم يعتبر اتفاقاً مستقلاً عن الشروط الأخرى في العقد، لم تردف ذلك بالنتيجة المترتبة عليه والتي وفقاً لها لا يترتب على ملاحظة بطلان العقد من قبل محكمة التحكيم بطلان شرط التحكيم بقوة القانون .

ويذهب جانب الفقه أنه لا يتعين تفسير هذا الإغفال من قبل المادة المذكورة على أنه رفض للفكرة، إذ أن هذه الفكرة ليست إلا نتيجة حتمية لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم، وبهذه المثابة فإنه من غير اللازم الإشارة إليها صراحة ) . ويشير هذا الفقه إلى أن هذه المبادرات التي بدأت في التنامي في دول Common Law تحتاج إلى التأكيد عليها وإبرازها، خاصة وأن مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم على نحو ما هو معروف من المبادىء غير المستقرة على نحو كامل في الدولة

المنتمية إلى هذا النظام .

العقد وإذا كان الاستعراض السابق للأنظمة القانونية الوضعية في العديد من الدول، وأيضاً للمعاهدات الدولية ولوائح التحكيم الصادرة عن غرف التحكيم الدولية أظهر تبنيها بشكل عام وكامل لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن الأصلي، فما هو مضمون هذا المبدأ؟ أو بعبارة أخرى ما هو المقصود بهذا المبدأ.

 ثانياً : مضمون مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم

لا يعني محلاً يقصد بمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي المعنى القانوني وليس المادي، فهو مطلقاً أن اتفاق التحكيم يجب أن يكون الرضاء وقبول مستقل عن الرضاء المقبول بشأن العقد الأصلي. كما أن هذا أن شرط التحكيم لا يمكنه أن يلقى ذات المصير الذي يلقاه العقد حالة انتقال الحقوق الناجمة عن هذا العقد.

ويتضمن هذا المبدأ العديد من النتائج الهامة، بعضها يترتب عليه بشكل مباشر والبعض الآخر، وإن كان لا يترتب عليه بشكل مباشر، إلا أنها تتعلق به لأسباب تكتيكية.

- الآثار المترتبة على مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم

يتضمن مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم بالنسبة للعقد الأصلي أثرين ينجمان بشكل مباشر ولاعتبارات منطقية الأثر الأول وهو عدم ارتباط اتفاق التحكيم بمصير العقد الأصلي، والأثر الثاني هو إمكانية خضوع اتفاق التحكيم القانون آخر غير ذلك الذي يخضع له العقد الأصلي)، وسنعرض للأمرين تباعاً.

عدم ارتباط مصير اتفاق التحكيم بمصير العقد الأصلي

يعتبر عدم ارتباط مصير اتفاق التحكيم بمصير العقد الأصلي أول وأهم الآثار المترتبة على مبدأ استقلالية شرط التحكيم ويعني ذلك المبدأ أن وجود وصحة وسريان اتفاق التحكيم لا يتوقف ولا يتأثر بمصير العقد الأصلي الذي يشير إليه هذا الاتفاق وبالتالي فإن الادعاء بأن العقد الأصلي لم يتم إبرامه في الفرض الذي يكون فيه العقد الذي يتضمن شرط التحكيم تم توقيعه ولكن لم يدخل في مرحلة النفاذ، أو أنه باطل أو تم فسخه أو أن الالتزامات الناشئة عن العقد الأصلي تم تجديدها لا يؤدي إلى عدم فعالية اتفاق التحكيم أو المساس به .

كذلك فإن التوصل إلى تسوية بشأن الحقوق الواردة في العقد الأصلي لا يؤدي بالضرورة إلى انقضاء شرط التحكيم.

والواقع أن نطاق القاعدة المتقدمة بشأن عدم ارتباط مصير اتفاق التحكيم سمصير العقد الأصلي قد أثار الكثير من الجدل فلقد ذهب جانب من الفقه إلى القول بأنه إذا كان اتفاق التحكيم لا يتأثر ببطلان العقد الأصلي، فإنه مع ذلك وعلى عكس ما تقدم, يتأثر بمصير هذا العقد في حالة انعدامه.

ويرى جانب من الفقه الفرنسي أن هذه التفرقة بين بطلان العقد وانعدامه التي تثير في الذهن التفرقة التي وضعها القضاء الإنجليزي المعادي لمبدا استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي، بين ما إذا كان العقد معيباً بعيب لحق به منذ انعقاده بالمقابلة بالعيب الذي يؤدي إلى بطلانه، تفرقة لا داعي لها. فاستبعاد مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم بالنظر إلى أن أحد الأطراف يزعم عدم وجود العقد الأصلي، بينما كما هو معروف، تعد التفرقة بين فكرتي البطلان والانعدام من الأمور الشائكة، وأن فكرة الانعدام من الأمور الصعبة على التحديد، وفي جميع الأحوال ذات تطبيق استثنائي، يعني قبول المخاطرة والسماح لأحد الأطراف بالالتجاء إلى الحيل التسويفية التي يسمى مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي إلى تفاديها .

مجرد الادعاء بانعدام العقد الأصلي لا يكفي في حد ذاته إلى استبعاد اختصاص المحكم، إذ أن للمحكم أن يقدر مدى صحة هذا الادعاء وإذا لاحظ  فعلاً أن العقد الأصلي غير قائم ولا وجود له قانوناً، وذلك في حالة الانعدام الكامل للرضا المتبادل بين أطراف العقد، فإنه يتعين أن يستخلص من هذا الانعدام الاثار المتعلقة بموضوع النزاع، فإذا اتضح للمحكم أن الانعدام المدعى به يسري أيضاً على اتفاق التحكيم، ليس نتيجة لمجرد استخلاص هذه النتيجة من مجرد انعدام العقد الأصلي، ولكن لأن سبب الانعدام الذي لحق بالعقد الأصلي لحق أيضاً باتفاق التحكيم، فإنه يجب عليه في هذا الفرض، أن يرتب النتيجة الحتمية المترتبة على ذلك الانعدام لاتفاق التحكيم ذاته ويقضي بعدم اختصاصه .

يؤكد هذا الفقه الفرنسي على أن التفرقة بين مجرد البطلان والانعدام للعقد الأصلي لم تجد لها أدنى صدى في القضاء الفرنسي الذي تعرض للفصل مسألة صحة اتفاق التحكيم من حيث الموضوع ".

لك فلقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في ١٠ ومع قضية شركة Cassia ضد شركة Pia إلى ربط مصير اتفاق يولية ۱۹۹۰ في العقد الذي يتضمَّن هذا الشرط إذ ذهبت محكمة النقض التحكيم بمصير الفرنسية إلى القضاء بأنه في إطار التحكيم الدولي، فإن مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم يتقيد بوجود الاتفاق الأصلي الذي يتضمن شرط التحكيم المتمسك به من حيث الشكل ويتم تقدير هذا الوجود بالضرورة وفقاً للقانون الذي تحدده قواعد القانون الدولي الخاص التي تطبق على شكل العقد الأصلي.

وبهذه المثابة يكون قضاء محكمة النقض الفرنسية قد كرس الفكرة التي نادى بها الأستاذ Pieter Sanders في التفرقة بين الانعدام والبطلان فاتفاق التحكيم لن يكون له وجود إذا كان العقد الأصلي الذي يتضمن هذا الاتفاق لا وجود له في حد ذاته .

لذلك فإنه يتعيَّن تفسير حكم محكمة النقض الفرنسية الذي يؤكد على مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي الذي يتضمنه مع تقييد ذلك المبدأ بضرورة تحقق وجود هذا العقد من حيث الشكل .

وعلى الرغم من تبني محكمة النقض الفرنسية للتفرقة بين الانعدام والبطلان فإن هذه التفرقة من مسألتي بطلان العقد الأصلي وانعدامه رفضتها بشكل واضح معاهدة جنيف الموقعة في عام ١٩٦١ والتي نصت على أن المحكمة التحكيم أن تفصل في مسألة وجود وصحة العقد الذي يشكل اتفاق التحكيم جزءاً منه». وأيضاً رفضت لائحة التحكيم التي أعدتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي في المادة ۲۱ - ۲ التفرقة المتقدمة. كذلك فإن القانون النموذجي للتحكيم الذي أعدته اللجنة السابقة نص في المادة ١٦ -١ على أن تقرير محكمة التحكيم لبطلان العقد الأصلي لا يؤدي بقوة القانون إلى بطلان شرط التحكيم.

وفي ذات الاتجاه، فإن لائحة التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية في باريس ذهبت إلى أن البطلان أو الانعدام المدعى بهما في شأن العقد لا يؤديا إلى عدم اختصاص المحكم (مادة ٦-٤) كذلك فإن لائحة التحكيم الدولي لهيئة التحكيم الأمريكية ۸۸۸ الصادرة في ١ مايو ۱۹۹۲ في المادة ١٥ - ١ لم تأخذ بالتفرقة المذكورة بل إنها أعرضت عنها  .

أما النتيجة المباشرة الأخرى التي تترتب على مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي فهي تتعلق بإمكانية خضوع اتفاق التحكيم لقانون آخر غير ذلك الذي يحكم العقد الأصلي .

خضوع اتفاق التحكيم لقانون آخر غير ذلك الذي يخضع له العقد الأصلي

 

يؤدي اعتناق مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي إلى قبول عدم خضوع اتفاق التحكيم بالضرورة إلى ذات القواعد التي تحكم العقد. الأصلي، سواء تم إخضاع اتفاق التحكيم إلى قانون محدد بالإعمال القواعد الإسناد التقليدية أو تم إخضاع اتفاق التحكيم على نحو ما ذهب إليه القضاء الحديث في فرنسا، سواء من حيث الفصل في : مسألة د ذاته أو صحته، إلى قواعد مادية تتمشى مع الطابع الدولي للتحكيم.

ويرى جانب من الفقه أنه على رغم تقدير الاتجاه القائل بأن مسألة تقدير وجود اتفاق التحكيم وصحته يتعين الفصل فيها في ضوء نظام قانوني وضعي على نحو ما يذهب إليه جانب من الفقه إلا أن استقلالية اتفاق التحكيم تحتم قبول أن هذا القانون لا يشترط بالضرورة أن يكون هو ذلك القانون الذي يخضع اله العقد الأصلي.

لتحكيم يعد جزءاً مستقلاً partie distincte عن العقد الأصلي، وللأطراف وأيضاً للقضاء الذي قد يعرض إليه الأمر للفصل فيمسألة وجوده وصحته، إخضاعه لقانون مختلف عن ذلك الذي يخضع له باقي العقد.

يقدم القضاء الفرنسي العديد من الأمثلة المترتبة على استقلالية اتفاق التحكيم، والخاصة بعدم خضوع اتفاق التحكيم لذات القانون الذي يحكم العقد الأصلي .

فلقد ذهبت محكمة استئناف باريس إلى القضاء بأن تنفيذ اتفاق التحكيم لا يخضع بالضرورة إلى القانون الذي يخضع له العقد الأصلي الذي يوجد اتفاق التحكيم بين ثناياه.

كذلك فإن ذات المحكمة في قضائها الصادر في ۲۱ أكتوبر ۱۹۸۳ رفضت الدفع ببطلان حكم التحكيم المستند إلى أن هيئة التحكيم لم تطبق للفصل في  مسألة اختصاصها القانون الذي يحكم موضوع وذلك بملاحظتها أن مسألة القانون الواجب التطبيق على الموضوع العقد الأصلي ، تم تمييزها على الأقل بشكل ضمني في وثيقة المهمة عن القانون الذي يتعلق بتحديد القواعد التي تنظم مسألة الاختصاص.

وأيضاً وفي الحكم الصادر عن قضاء محكمة النقض الفرنسية في ١٤ ديسمبر ۱۹۸۳، ذهبت المحكمة العليا إلى تأييد قضاء الموضوع فيما ذهبوا إليه من عدم تطبيق القانون الذي يخضع له العقد الأصلي بصدد تفسير شرط التحكيم المدرج به .

كذلك فإن المحكمة العليا الفرنسية في حكمها الصادر في ٣ مارس ۱۹۹۲ في قضية Sonetex وافقت محكمة استئناف باريس فيما ذهبت إليه من تقرير وجود اتفاقات التحكيم محل المنازعة دون الاهتمام بالقانون الذي يخضع له العقد من حيث الموضوع وذلك مشيرة إلى أنه ليس لمحكمة الاستثناف من أجل أن تفصل في موضوع شكل وإثبات هذه الاتفاقات أن يتم هذا الفصل في ظل قانون، لا ينطبق عليها، بالنظر لاستقلالية هذه الاتفاقات عن العقد الأصلي في التحكيم الدولي.

يقر قضاء التحكيم الدولي أيضاً أنه بالإعمال لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم، يكون القانون الواجب التطبيق على هذا الاتفاق مختلفاً . عن ذلك الذي ريحكم موضوع العقد الأصلي . وإلى جانب هذه الآثار المباشرة التي يرتبها مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي، فإن لهذا المبدأ آثاراً غير مباشرة .

الآثار أو النتائج المتصلة بمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم

يوتب مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي، بطريق غير مباشر، اثرين هامين: الأول هو مبدأ استقلالية المحكم بالفصل في مسألة اختصاصه، وهو مبدأ مستقر ولا خلاف ،حوله، أما الآخر فهو إمكانية خضو اتفاق التحكيم المقواعد المادية وإحلالها بدلاً من إعمال منهج التنازع، وهو أثر محل خلاف على ما سوف نرى وستعالجهما على التوالي.

مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم واستقلال المحكم بالفصل في مسألة اختصاصه

يعد المبدأ الذي يخول للمحكم السلطة في الفصل في مسألة اختصاصه من القواعد الأساسية لقانون التحكيم. ومع ذلك فإن الأستاذ E. Gailland يذهب إلى أن إظهار هذا المبدأ على أنه بمثابة المبدأ الملازم لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم من المسائل التي تستحق المناقشة، فإذا تم وضع الاعتبارات ذات الطابع التكتيكي التي دفعت ببعض المدعين في القضايا إلى ربط هذا المبدأ الذي من الحساسية بمكان تبريره وهو مبدأ اختصاص المحكم باختصاصه، بمبدأ مستقر وهو مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم فإنه وإن كان من الممكن الاعتراف بأن هذين المبدأين بينهما علاقات وطيدة ويتنافسان في تحقيق ذات الهدف، إلا أنهما مع ذلك لا يلتقيان إلا بشكل جزئي.

فمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم بعد فون شك الركيزة الأولى في المنطق الذي يسمح للمحكم بالفصل في سألة اختصاصه، فهو يلغي أي تأثير مباشر اتفاق التحكيم، وبالتالي على الختصاص المحكم، يستند إلى أن العقد الأصلي لحقه عيب أياً ما كان السبب. كذلك فإن هذا المبدأ يسمح بالفصل في مسألة إنكار اختصاص المحكم المستند إلى عدم فعالية العقد محل المنازعة ) هذه الفروض المذكورة يلتقي مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم مع میدا اختصاص المحكم بالفصل في مسألة اختصاصه .

على عكس ما تقدَّم، وفي نواحٍ معينة، يذهب مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم إلى مدى أرحب وأبعد من ذلك الذي يذهب إليه مبدأ اختصاص المحكم بالفصل في مسألة اختصاصه فمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم يفسر كيفية أن للمحكم أن يقضي بعدم فعالية العقد الأصلي وعدم ترتيبه لأي أثر، وذلك دون أن يذهب، وذلك على الرغم من استفاده لاختصاصه، وفصله في مسألة اختصاصه إعمالاً لمبدأ compétence - ، إلى أن يمتد إلى اتفاق التحكيم ويفرض عليه أن يستخلص عدم اختصاصه .

وبالمقابل فإن مبدأ اختصاص المحكم بالفصل في مسألة اختصاصه يذهب في نواح أخرى إلى مدى أبعد من ذلك الذي يذهب إليه مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم. فمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم لن يمكنه تبرير الانتقادات التي يمكن أن توجه من أحد الأطراف في المنازعة ليس إلى العقد الأصلي ولكن إلى اتفاق التحكيم بشكل مباشر والتي تتصل على الأقل في الفترة الأولى بالاختصاص القاصر للمحكم. وعلى هذا الصعيد تظهر ذاتية قاعدة اختصاص المحكم بالفصل في مسألة اختصاصه.

فعلى الرغم من أن مبدأ اختصاص المحكم بالفصل في مسألة اختصاصه قد توارى في فترة من الزمن تحت مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم فإن هذا المبدأ الأول يتعيَّن تمييزه بعناية فائقة عن هذا المبدأ الأخير .

 ولقد أدى استقرار مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم بالقضاء الفرنسي إلى أن يلحق بهذا المبدأ مبدأ آخر هو ذلك المعروف بمبدأ الفعالية الذاتية لاتفاق التحكيم أو صحة اتفاق التحكيم.

استقلالية اتفاق التحكيم بالنسبة للقانون الذي يحكم العقد الأصلي

على الرغم من أن مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي الذي يتضمن هذا الاتفاق أو الذي يشير إليه، نشأ من أجل عزل اتفاق التحكيم عن متاهات العقد الأصلي ومشاكله فإن هذا المبدأ بدأ يأخذ شيئاً فشيئاً مفهوماً جديداً آخر - لم يحل محل المفهوم السابق لهذا المبدأ ولكنه أضيف إليه - ووفقاً له القضاء الفرنسي لنفسه بأن يخلق مبدأ يقرر صحة اتفاق التحكيم الدولي وعدم خضوع هذا الاتفاق لمنهج التنازع التقليدي.

ویری جانب من الفقه الفرنسي أن مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي، وإن كان يسمح من خلال الآثار المباشرة التي يرتبها أن يكون القانون الذي يحكم العقد الأصلي يختلف عن ذلك القانون الذي يحكم اتفاق التحكيم أيضاً ويذات القدر بأن يتم تقدير صحة اتفاق التحكيم وفقاً للقواعد المادية ودون البحث عن القانون الواجب التطبيق من خلال منهج التنازع.

119