إذا ورد شرط التحكيم في العقد الأصلي فإنه يستقل عن هذا العقد، فهو تصرف قانوني لمستقل بذاته وإن تضمنه هذا العقد فهو عقد داخل عقد يبرمه نفس الأطراف وقانون التحكيم لسنة (2016) قد نص على مبدأ استقلال شرط التحكيم فأورد بأن "يعد شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه
قد نصت على هذا المبدأ العديد من التشريعات الدولية والوطنية كما هو الحال في قانون الاونسترال، قواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، وقواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس، القانون الدولي الخاص السويسري ، والمشرع المصري في قانون التحكيم، الإماراتي ، العماني، الفلسطيني ، القطري " ، وكذلك المشرع الأردني في قانون التحكيم الأردني لسنة (2001م) ، إلا أن المشرع الأردني في قانون التحكيم لسنة (2018م) أشار بوضوح إلى بطلان أي اتفاق تحكيم سابق يرد في عقود المستهلكين المعدة على نماذج مطبوعة مسبقا وفي عقود العمل ، ومن الدول التي لم تأخذ بمبدأ استقلال شرط التحكيم المملكة العربية السعودية وتونس الجزائر.
التكييف القانوني لمبدأ استقلال شرط التحكيم:
يستمد هذا الاستقلال سنده من الناحية القانونية من الموضوع المختلف لكلا العقدين العقد الأصلي والاتفاق على التحكيم، فالاتفاق على التحكيم هو مجرد عقد يرد على الإجراءات ولا يهدف إلى تحديد حقوق الأطراف الموضوعية ويرتكز محله في الفصل في منازعة يمكن أن تنشأ بشأن الشروط الموضوعية التي يتضمنها العقد، أما العقد الأصلي فمحله يختلف حسب نوع العقد الذي قد يكون عقد بيع أو مقاولة فضلا على ذلك فإن السبب في كلا العقدين مختلف فشرط التحكيم سببه التزام كل طرف بعدم الالتجاء إلى قضاء الدولة للفصل في المنازعات التي تنشب بينهما حول عقد معين، أما السبب في العقد الأصلي فهو أمر مختلف تماما.
لا يعني هذا الاستقلال أن يصدر من الطرفين إرادتين منفصلتين واحدة بشأن التحكيم وواحدة بشأن العقد الأصلي، فليس المقصود الاستقلال المادي للإرادات بأن تجيء إرادة الطرفين بشأن العقد منفصلة عن إرادتهما في اتفاق التحكيم ولكن يقصد الاستقلال المادي الشرط لتحكيم عن باقي شروط العقد والتزاماته.
آثار استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي :
يترتب عن استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي الآثار التالية:
1- مصير العقد الأصلي ليس له أثر على شرط التحكيم. يبقى شرط التحكيم صحيحا منتجا لآثاره بصرف النظر عن زوال العقد الأصلي فشرط التحكيم لا تتوقف صحته أو فسخه أو إنهاءه على ما يعترى العقد الأصلي من بطلان أو ما يناله من فسخ أو إنهاء. ويكون الأثر كذلك ولو كان العقد باطلا بسبب يتعلق بالنظام العام كعدم مشروعية سبب العقد الأصلي، وذلك ما لم يكن شرط التحكيم باطلا لسبب خاص به كما لو كان أحد الطرفين ناقص الأهلية أو ليس له سلطة إبرام العقد إذ أن مثل هذا السبب يلحق العقد الأصلي كم يلحق شرط التحكيم.
2- بطلان العقد الأصلي أو إنهائه لا يمنع شرط التحكيم من ترتيب لآثاره بحيث تختص هيئة التحكيم بالنظر في إبطال أو بطلان العقد الأصلي أو فسخه أو إنهائه وذلك إعمالا لشرط التحكيم الصحيح الوارد في العقد على اعتبار أنها تستمد ولايتها من شرط التحكيم المستقل عن العقد محل النزاع وبالتالي يكون من غير المنتج الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم استنادا إلى أن العقد الأصلي الذي يتضمن شرط تحكيم لم ينفذ أو أنه باطل فهذا البطلان أو الفسخ أو الإنهاء لا يمنع من إعمال شرط التحكيم الوارد في العقد وذلك ما لم يتفق الطرفان صراحة في العقد على أن فسخ العقد أو إنهائه ينصرف إلى العقد بالنسبة لكل بنوده.
3- زوال شرط التحكيم ببطلان ذاتي أو سقوط أو غيره لا يؤثر على بقاء العقد الأصلي فيظل باقيا منتجا لأثاره فما دام شرط التحكيم اتفاقا مستقلا فإن بطلانه لا يؤثر في صحة العقد الأصلي ومع ذلك إذا كانت إرادة أحد الأطراف في العقد الأصلي تفصح بوضوح على اعتبار شرط التحكيم شرطا جوهريا لرضائهم بباقي شروط العقد فإن بطلان الشرط يؤدي إلى بطلان العقد.
4- إمكانية خضوع كل من العقد الأصلي وشرط التحكيم لقانون مختلف، فالعقد الأصلي يخضع لقانون القاضي أو القانون الذي تحدده قواعد تنازع القوانين في دولة القاضي أما اتفاق التحكيم فإنه لا يخضع لزاما لقانون العقد الأصلي إذ في مكنة الأطراف إخضاعه لقانون مختلف.
التطبيقات القضائية لمبدأ استقلال شرط التحكيم:
قضت المحكمة القومية العليا السودانية بأن شرط التحكيم مستقلا عن شروط العقد ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي اثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه وبناء على ذلك فإن تعرض محكمة الموضوع لموضوع الإخلال بالعقد الذي أثاره الطاعن في دفاعه كان مخالفا للقانون كما جاء في حكم محكمة الاستئناف .
قضت محكمة التمييز البحرينية بأن الاتفاق على التحكيم بتلاقي إرادة أطرافه على طرح نزاعهم بشأن تنفيذ عقد معين على محكمين بدلاً من القضاء هو عقد قائم بذاته له كيانه القانوني المستقل عن العقد الأصلي محل النزاع سواء ورد ضمن المحرر المثبت لهذا العقد في صورة شرط من شروطه أو ورد في وثيقة خاصة منفصلة، فلا يتأثر مصيره بمصير ذلك العقد بطلانا أو فسخا طالما وجد النزاع الناشئ عن تنفيذه وهو محل عقد التحكيم.
قضت محكمة استئناف مسقط بأن ما أشارت إليه محكمة الموضوع في حكمها إلى أن شرط التحكيم يبقى أثره نافذا أثناء سريان الاتفاقية أو بعد انتهاءها طالما أن نص البند (20) والخاص بالتحكيم جاء خاليا من أي قيد زمني لإعمال الاتفاقية هو فهم خاطئ لإعمال شرط التحكيم في مجمله بوصفه شرطا يرد في العقد مثله مثل الشروط الأخرى التي تنصرف إليها إرادة العاقدين ويرتبط بوجود الاتفاقية في. حد ذاتها ولا يمكن أن يفهم أن شرط التحكيم وجد لحكم العلاقة بين الطرفين إلى الأبد أو أن لا يكون مقيدا بالقيد الزمني للاتفاقية، فالغرض والهدف من نص التحكيم هو تطبيق وتنفيذ العقد وليس الهدف منه السمو فوق العقد، وحيث أن الحكم المستأنف قد أخطأ لما اعتبر شرط التحكيم سارياً وقضى بعدم قبول الدعوى رغم انتهاء مدة الاتفاقية بين الطرفين في( 2003/6/30م) ومن المعلوم انه بإنتهاءها تنتهي كافة الآثار القانونية الناتجة عنها إذ لا يمكن أن يفهم أن شرط التحكيم وجد لحكم العلاقة بين الطرفين إلى الأبد .
توثيق الكاتب
يلاحظ الكاتب أن الحكم المذكور قد خالف مبدأ استقلال شرط التحكيم وذلك على الرغم من أن المشرع العماني ينص على هذا المبدأ في نصوص قانون التحكيم العماني في المادة (22) يعتبر شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي اثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته، فهذا النص يؤكد أن شرط التحكيم لو كان صحيحا في ذاته فإنه يكون مستقلا استقلال لا يقبل أي تبعية مع العقد الذي ضمه أو الاتفاقية ويظل ساريا حتى بعد انتهاء الاتفاقية أو إلغاءها مهما كانت المبررات والأسباب لأن مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي المبرم بين ذات الأطراف من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام التحكيم سواء على الصعيد الوطني أو الدولي.
بعد ثلاثة سنوات تخلت محكمة استئناف مسقط عن رأيها السابق في عدم استقلالية شرط التحكيم وأخذت بمبدأ استقلال شرط التحكيم فقد قضت بأن استقلالية شرط التحكيم المعنى القانوني لها هو بقاء الشرط صحيحا منتجا لآثاره على الرغم مما قد يصيب العقد الأصلي من عوارض قد تؤدي إلى بطلانه .
قضت محكمة استئناف باريس بأن شرط التحكيم له استقلالية عن العقد الأساسي الذي يندرج فيه تعزله عن التأثر ببطلان هذا العقد المحتمل.