اتفاق التحكيم / استقلال شرط التحكيم / الكتب / التحكيم التجاري الدولي / مبدأ استقلالية شرط التحكيم كما ورد في القرارات القضائية والنصوص القانونية وقواعد التحكيم الدولي
مبدأ استقلالية شرط التحكيم كما ورد في القرارات القضائية والنصوص القانونية وقواعد التحكيم الدولي
وضع القضاء الفرنسي عام ۱۹٦٣ حدا للجدل الذي كان قد ثار في الفقه حول استقلالية شرط التحكيم عن الاتفاق الخاص بالعقد الاصلي وذلك في قضية كوست Gosset) حيث اصدرت محكمة النقض الفرنسية (الدائرة المدنية في ۷ مارس ١٩٦٣ حكما يقر صراحة بمبدأ استقلال اتفاق التحكيم في التحكيم الدولي عن العقد الاصلي.
وقد جاء القانون السويسري الجديد بنص اكثر وضوحا، ودقة، حيث نص في الفقرة الثالثة من المادة (۱۷۸) على انه لا يمكن الطعن في صحة اتفاق التحكيم بسبب عدم صحة العقد الاصلي اوان اتفاق التحكيم يتعلق بنزاع لم يحدث بعد».
قانون اصول المحاكمات المدنية اللبناني لعام ۱۹۸۳ الذي عالج امور التحكيم الدولي في القسم الثاني من الكتاب الثاني منه المواد (۸۰۹-۸۲۱) فلم يرد فيه نص يخص استقلالية اتفاق التحكيم. ولكننا نجد في الكتاب الاول من القسم الثاني الذي وردت فيه نصوص خاصة بالتحكيم الداخلي أن المادة (٧٦٤) نصت في عبارتها الاخيرة على «البند التحكيمي الباطل يعتبر كأن لم يكن وهذا النص يماثل نص قانون المرافعات الفرنسي في مادته (١٤٤٦) فإذا فسرنا القانون اللبناني على ما هو موجود في الفقه والقضاء الفرنسي يمكننا القول ان مبدأ استقلالية التحكيم مرفوض على صعيد التحكيم الداخلي ولكنه مبدأ معترف به على صعيد التحكيم الدولي، وان كان ظاهر النص لا يوحي بذلك، حيث ان القول لاعتبار البند التحكيمي الباطل كأن لم يكن يؤدي الى القول بأن العقد الاصلي يبقى صحيحا.
وهناك نص لقانون حديث ايضا هو قانون جيبوتي الخاص بالتحكيم الدولي حيث اخذ بشكل صريح وواضح بمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم في المادة الثالثة منه حيث نص على ان «اتفاق التحكيم يبقى ملزما للطرفين حتى وان كان العقد الذي ورد فيه الاتفاق المذكور باطلا .
اما بالنسبة للبلدان العربية الاخرى فليست هناك نصوص قانونية او قرارات قضائية تدلل على الأخذ بمبدأ الاستقلالية.
وكما بينا ان تشريعات الدول العربية والقرارات التي صدرت عن القضاء لا توضح لنا موقف هذه الدول من مبدأ الاستقلالية، وقد وجدنا ان محكمة تمييز الاردن أشارت الى القاعدة المعروفة في الدول العربية وهي إذا بطل الشيء بطل ما في ضمنه».
ولكننا نود ان نتلمس الحل في القواعد العامة للعقد، وقد نجده في النظرية المسماة بنظرية انتقاص العقد (Reduction du contrat) فقد جاء في المادة (۱۳۹) من القانون المدني العراقي «اذا كان العقد في شق منه باطلا فهذا الشق وحده هو الذي يبطل، اما الباقي فيظل صحيحا باعتباره مستقلا، الا اذا تبين ان العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلا».
وان الشرط المذكور لا يتأثر ببطلان العقد الاصلي ويجوز العكس فقد يكون شرط التحكيم باطلا اما العقد الاصلي فيبقى صحيحا ولا يفوتنا أن العقد الاصلي والشرط يصار الى بطلانهما في حالة عدم توافر الاهلية اللازمة للاشخاص الذين اتفقوا على انعقاد العقد والشرط.
كما اخذت القوانين العربية بالنظرية المذكورة كالقانون المدني المصري في المادة (١٤٣) والقانون المدني السوري في المادة (١٤٤) وكذلك القانون المدني الليبي في المادة (١٤٣) والقانون المدني الفرنسي في المادة (۳۲۷). والقانون المدني الاردني في المادة (١٦٩) وقد كان قانون الالتزامات والعقود المغربي الصادر عام ۱۹۱۳ اكثر وضوحا ودقة حيث نص في المادة (۳۰۸) منه على انه بطلان جزء من الالتزام يبطل الالتزام في مجموعه الا اذا امكن لهذا الالتزام أن يبقى قائما بدون الجزء الذي لحقه البطلان، وفي الحالة الاخيرة يبقى الالتزام قائما باعتباره عقد مميزا عن العقد الاصلي».
وقد يرد علينا بالقول ان نظرية انتقاص العقد تفترض وجود عقد واحد يكون باطلا في جزء منه وصحيحاً في الجزء الآخر الامر الذي يجعل هذا الجزء عـقـداً مستقلا لو توافرت فيه شروط العقد . نعم هذا صحيح حيث نجد في التحكيم عقدا اصليا يخص العلاقة القانونية بين الطرفين، وعقداً او اتفاقاً حول حل النزاع الذي قد ينشأ بينهما بالتحكيم، ويتمثل ذلك بشرط التحكيم في العقد الاصلي وهو ليس مجرد شرط في عقد واحد بل اتفاق مستقل كما رأينا . ولكننا لو نظرنا من زاوية اخرى نجد أن وثيقة واحدة قد تبدو من النظرة الأولى عقدا واحداً ينظم في جزء منه العلاقة القانونية بين الطرفين وفي جزء اخر يمثل الاتفاق على اللجوء الى التحكيم. فلو انطلقنا من هذه الزاوية فسنستطيع بسهولة تطبيق نظرية انتقاص العقد وبالتالي نجد انفسنا امام مبدأ استقلالية شرط التحكيم عن العقد الاصلي. ان تعرفنا على مبدأ التشريعات من مبدأ الاستقلالية،
نرى من المفيد ان نلقي نظرة على بعض النصوص الدولية التي تخص التحكيم الدولي، واحدث نموذج وضعته لجنة دولية وهي الاونسترال UNSITRAL القانون النموذجي الخاص بالتحكيم وكما هو معلوم ان اللجنة المذكورة تتكون من شخصيات قانونية تمثل مختلفة الانظمة القانونية في العالم لذا نستطيع القول بأن نصوص القانون النموذجي تمثل الاتجاه السائد في العالم حول المسائل المتعلقة بالتحكيم. وفي صدد المبدأ الخاص بالاستقلالية نجد الفقرة الاولى من المادة (١٦) من القانون المذكور تنص على انه «يجوز لهيئة التحكيم البت في اختصاصها، بما في ذلك البت في اعتراضات تتعلق بوجود اتفاق التحكيم الذي يشكل جزءا من عقد كما لو كان اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى. واي قرار يصدر من هيئة التحكيم ببطلان العقد، لا يترتب عليه بحكم القانون بطلان شرط التحكيم هذا النص يشير صراحة الى مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الاصلي.
كذلك اشارت الاتفاقية الأوروبية لعام ١٩٦١ الى المبدأ المذكور في الفقرة الثالثة من المادة (٥) حيث نصت على ان المحكم له سلطة تقرير اختصاصه وتقرير صحة اتفاق التحكيم او صحة العقد الذي يكون شرط التحكيم جزءا منه». ويمكن الاستنتاج من هذا النص انها إشارة الى ان سلطة المحكم مستمدة من اتفاق التحكيم الذي يعتبر مستقلا عن العقد الاصلي.
اما قواعد الغرفة التجارية I.C.C فقد تبنت ايضا مبدأ الاستقلالية عندما نصت في الفقرة الرابعة من المادة (۸) على ان «الادعاء ببطلان العقد الاصلي او انعدامه لا ينفي اختصاص المحكم اذا ارتأى صحة اتفاق التحكيم ويبقى مختصا حتى في حالة انعدام أو بطلان العقد. .... وعلى هذا الاساس فللمحكم سلطة النظر في اختصاصه تطبيقاً لمبدأ استقلالية شرط التحكيم.
ونجد كذلك ان نظام الغرف التجارية العربية - الاوروبية قد اخذ ايضا بالمبدأ المذكور بنصه في الفقرة الرابعة من المادة الواحدة والعشرين على انه اذا نازع احد الاطراف في صحة او تطبيق بند التحكيم فلا يحول ذلك دون تأليف محكمة التحكيم وفق أحكام هذا النظام وتفصل محكمة التحكيم هذه فور تأليفها في صحة تعيينها وفي كل المسائل الأخرى المتعلقة باختصاصها».
ونورد ادناه نص الفقرتين الأولى والثانية من المادة (۲۱) من قواعد التحكيم التي وضعتها لجنة القانون التجاري الدولي التابعة للامم المتحدة عام ١٩٧٦، حيث جاء النص صريحاً على المبدأ المذكور وكما يأتي:
1- هيئة التحكيم هي صاحبة الاختصاص للفصل في الدفوع الخـاصـة بعدم اختصاصها، وتدخل في ذلك الدفوع المتعلقة بوجود شرط التحكيم او الاتفاق المنفصل عن التحكيم او بصحة هذا الشرط او الاتفاق.
2- تختص هيئة التحكيم بالفصل في وجود او صحة العقد الذي يكون شرط التحكيم جزءا منه . وفي حكم المادة ۲۱ ، يعامل شرط التحكيم الذي يكون جزءا من عقد وينص على اجراء التحكيم وفقا لهذا النظام بوصفه اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى. وكل قرار يصدر من هيئة التحكيم ببطلان العقد لا يترتب عليه بحكم القانون بطلان شرط التحكيم.
كما يلاحظ ان اتفاقية نيويورك لعام ۱۹۵۸لم تتعرض مباشرة لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم ولكن هذا لم يمنع بعض الفقهاء من الذهاب الى القول بان المادة الثانية من الاتفاقية المذكورة وان لم تكن صراحة قد تعرضت لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم ومختلف نتائجه القانونية، الا انها قد اعطته قوة لم تكن له من قبل. ذلك ان الاعتراف الوجوبي به دوليا على هدى تنظيم موحد عالميا يجعل من الممكن اعتبار القواعد التي استقرت اصلا في القضاء الفرنسي قاعدة دولية بالمعنى الصحيح.
وما دمنا بصدد اتفاقية نيويورك نود ان نذكر بأن تقرير صحة اتفاق التحكيم يكون وفقا للقانون الذي اختاره الطرفان وفي. حالة. عدم الاتفاق على ذلك فوفقا لقانون البلد الذي صدر فيه حكم التحكيم (المادة (٥) فقرة ۳). وعند مراجعتنا للاتفاقية العربية للتحكيم التجاري لعام ۱۹۸۷ لم نجد فيها ما يشير صراحة الى الاخذ بمبدأ الاستقلالية حيث لم تشر الاتفاقية المذكورة الى علاقة شرط التحكيم بالعقد الاصلي. اما عن سلطة المحكمين للنظر في اختصاصهم فقد جاء ذكرها في المادة (٣٤) حيث نصت يجب ابداء الدفع بعدم الاختصاص والدفوع الشكلية الأخرى قبل الجلسة الاولى وعلى الهيئة اي) هيئة التحكيم ان تفصل فيها قبل الدخول في الموضوع ويكون قرارها بهذا الشأن نهائيا».
واذا علمنا ان المادة (۲۷) من الاتفاقية المذكورة تنص على ان «الاتفاق على التحكيم وفق أحكام هذه الاتفاقية يحول دون عرض النزاع امام جهة قضائية اخرى او الطعن لديها بقرار التحكيم». يمكن القول عندئذ ان نص الاتفاقية على منح هيئة التحكيم سلطة النظر في اختصاصها يشكل مؤشرا واضحا للاخذ بمبدأ استقلالية شرط التحكيم عن العقد الاصلي، وعلى هذا الاساس فإن الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري شأنها شأن القواعد القانونية الحديثة في مجال التحكيم الدولي قد اخذت وبشكل مباشر بمبدأ الاستقلالية
من كل ما سبق ذكره يتبين لنا وبوضوح كامل ان مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الاصلي. اصبح مبدأ مستقرا وثابتا في مجال التحكيم التجاري الدولي. وقبل الانتهاء من هذا الموضوع يجب ان نشير الى ان بطلان العقد الاصلي وبطلان الشرط يمكن ان يكونا معا في حالة انعدام اهلية احد الطرفين المتعاقدين.