الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / استقلال شرط التحكيم / الكتب / إتفاق التحكيم في العقود الإدارية الدولية في النظام السعودي والأنظمة المقارنة / استقلال اتفاق التحكيم في العقود الإدارية الدولية

  • الاسم

    إتفاق التحكيم في العقود الإدارية الدولية في النظام السعودي والأنظمة المقارنة
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    73

التفاصيل طباعة نسخ

مبدأ استقلال اتفاق التحكيم من المبادئ المستقرة والمعترف بها سواء في القوانين الوطنية أو المعاهدات الدولية أو لوائح التحكيم أو أحكام محاكم التحكيم إذ تستمد هذه الاستقلالية من الموضوع المختلف لكل من العقدين فالعقد الأصلي يهدف إلى تحديد حقوق والتزامات الأطراف الموضوعية أما اتفاق التحكيم فهو عقد يتولي تحديد الجهة المختصة بالفصل فيما يثور بين الطرفين من نزاع إذا فهو ليس مجرد شرط وارد في العقد الأصلي بل هو عقد خاص وإن كان مندمجا في العقد الأصلي من الناحية المادية.

وتقرير مبدأ استقلال التحكيم عن العقد الأصلي له أهمية قصوى فعلي سبيل المثال قد يتأثر العقد الإداري بأحد أسباب البطلان فإذا قيل بأن العلاقة بين اتفاق التحكيم والعقد الأصلي علاقة تبعية فهذا يعني بطلان اتفاق التحكيم، أما إذا قيل باستقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي فمعني هذا أن البطلان الذي يلحق بالعقد الأصلي لا يؤثر في اتفاق التحكيم.

تقرير مبدأ استقلال اتفاق التحكيم

نلاحظ أن هذا المبدأ قد نصت عليه العديد من القوانين الوطنية وأكدته المعاهدات الدولية، وكرسته لوائح التحكيم وقضت به أحكام محاكم التحكيم وسوف نتناول ذلك في المطالب الآتية:

موقف القوانين الوطنية من هذه المسألة

أخذت معظم التشريعات الوطنية الحديثة بمبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي وسوف نحاول أن تعرض لبعضها :

النظام السعودي للتحكيم

أخذ النظام السعودي بمبدأ استقلال اتفاق التحكيم حيث نصت المادة الحادية والعشرون من نظام التحكيم السعودي الجديد علي أنه يعد شرط التحكيم الوارد في أحد العقود اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى. ولا يترتب على بطلان العقد - الذي يتضمن شرط التحكيم - أو فسخه أو إنهائه بطلان شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته.

وإذا كان المنظم قد حرص على النص على استقلال شرط التحكيم الوارد ضمن شروط العقد الأصلي، فإن هذا الاستقلال يتوافر أيضاً بالنسبة لمشارطة التحكيم التي تبرم في اتفاق مستقل بعد إبرام العقد الأصلي. 

ويبرر هذا الاستقلال من الناحية النظامية من ناحيتين

الناحية الأولي أن لكل من الشرط والعقد محلاً مختلفاً. فمحل الشرط هو الفصل في منازعة يمكن أن تنشأ بشأن العقد، أما محل العقد فهو أمر آخر يختلف تبعاً لنوع العقد الذي قد يكون عقد بيع أو وكالة تجارية.. الخ.

الناحية الثانية أن سبب كل منهما مختلف فالسبب في الشرط هو تعهد كل طرف بعدم الالتجاء إلى قضاء الدولة بالنسبة لما يثور بينهما من نزاع حول عقد معين، أما السبب في العقد الأصلي فهو أمر مختلف تماماً .

ولا يعني شرط استقلال شرط التحكيم أن يصدر من الطرفين توافق إرادتين بشأن التحكيم مستقلاً عن ذلك المتعلق بالعقد الأصلي.

ومن ناحية أخرى فإن هذا الاستقلال لا يحول دون انتقال شرط التحكيم إلى الخلف تبعاً لانتقال العقد الأصلي الذي تضمن هذا الشرط.

ويترتب على استقلال مثل هذا الشرط إمكانية اختلاف مصيره عن مصير العقد الأصلي، فشرط التحكيم لا يتوقف صحته أو فسخه أو إنهاؤه على ما يشوب العقد الأصلي من بطلان أو ما يناله من فسخ أو إنهاء.

ويكون الأمر كذلك ولو كان العقد باطلاً لسبب يتعلق بالنظام العام لعدم مشروعية السبب، أو كان قد صدر حكم نهائي بالبطلان أو الفسخ أو الإنهاء، وهذا ما نظمته هذه المادة صراحة، حيث بينت النتيجة بنصها على أنه ولا يترتب على بطلان العقد - الذي يتضمن شرط التحكيم - أو فسخه أو إنهائه بطلان شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته .

وعلى هذا فإنه يتصور بطلان العقد الأصلي، وصحة الشرط إلا إذا كان سبب البطلان أو الإبطال يشمل أيضاً شرط التحكيم، كما لو كان العقد أو الاتفاق قد أبرم بواسطة شخص عديم أو ناقص الأهلية. 

القانون الفرنسي

وقد استقر القضاء الفرنسي علي هذا المبدأ فقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في 7 مايو 1963 في قضية Gosset إلي أنه في إطار التحكيم الدولي فإن اتفاق التحكيم سواء تم هذا الاتفاق علي نحو منفصل ومستقل عن التصرف الأصلي أو تم أدراجه به فإنه يتمتع باستقلال كامل يستبعد معه أن يتأثر اتفاق التحكيم بأي بطلان محتمل يلحق بهذا التصرف.

وقد سار القضاء الفرنسي علي هذا النهج وأكد في أكثر من حكم علي استقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي. 

القانون المصري

نص قانون التحكيم المصري 27 لسنه 1994 صراحة على استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي فقد نصت المادة 23 منه علي أنه: يعتبر شرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى ولا

يترتب علي بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر علي شرط التحكيم الذي

يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحاً في في ذاته. وبذلك نجد أن القانون المصري لم يكتف بالنص صراحة على مبدأ استقلال اتفاق التحكيم بل إنه أكد صراحة على عدم تأثره بما يلحق العقد الأصلي من بطلان أو فسخ أو إنهاء.

موقف المعاهدات الدولية من هذا المبدأ :

اتفاقية نيويورك 1958 :

لم تتضمن اتفاقية نيويورك أي نص يشير صراحة إلى مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم ومع ذلك فقد ذهب البعض إلي أن هذه الاتفاقية قد نصت علي مبدأ استقلال اتفاق التحكيم في المادة 2-1-1 والتي نصت علي: إمكانية رفض الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه إذا أثبت الطرف المطلوب الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم ضده أن اتفاق التحكيم غير صحيح وفقا للقانون الذي يخضع له اتفاق التحكيم وفي حالة عدم وجود إشارة صريحة بهذا القانون وفقا لقانون الدولة التي صدر فيها حكم التحكيم. 

ويخلص صاحب هذا الرأي إلى أنه وفقاً لهذا النص فإن اتفاق التحكيم يمكن أن يخضع إلى قانون آخر غير ذلك الذي يخضع له العقد الأصلي وبالتالي فإن معاهدة نيويورك تكون قد قبلت بصورة ضمنية أن يكون الاتفاق التحكيم نظام قانوني مستقل عن العقد الأصلي.

موقف معاهدة جنيف 1961:

لم تتخذ معاهدة جنيف 1961 موقفاً صريحاً بشأن مسألة استقلال اتفاق التحكيم ومع ذلك فقد ذهب جانب فتهي إلى أن الاتفاقية قد نصت صراحة على مبدأ استقلال اتفاق التحكيم في المادة 3/5 حيث تنص علي سلطة المحكم في الفصل في وجود أو صحة شرط التحكيم أو العقد الذي يعتبر جزءاً منه وبذلك تكون الاتفاقية قد كرست مبدأ استقلال التحكيم بصورة صريحة وليست ضمنية فهذا النص يؤكد علي أن للمحكمة سلطة الفصل في وجود اتفاق التحكيم أو صحته أو العقد الذي يتضمنه وهو ما يعني أن وجود أو صحة كل منهما تقدر علي نحو منفصل وقد انتقد جانب من الفقه الرأي السابق وذلك لأنه قام بالخلط بين مبدأين مستقلين وهما مبدأ الاختصاص بالاختصاص ومبدأ استقلال اتفاق التحكيم .

حيث إن مبدأ الاختصاص بالاختصاص يعني أن يكون من سلطة المحكم الفصل في اختصاصه عند المنازعة فيه سواء كانت هذه المنازعة في اختصاصه تنصب علي وجود اتفاق التحكيم أو صحته أو علي وجود العقد الأصلي أو صحته.

بينما يعني مبدأ استقلال اتفاق التحكيم أن اتفاق التحكيم لا يتأثر بما يلحق بالعقد الأصلي من أسباب البطلان أو الفسخ أو الانقضاء، فاتفاق التحكيم يظل صحيحاً ونافذاً حتى ولو كان العقد الأصلي باطلاً أو تم فسخه أو انقضاؤه .

موقف التحكيم من استقلال اتفاق التحكيم

موقف غرفة التجارة الدولية بباريس

نصت لائحة التحكيم التي أعدتها غرفة التجارة الدولية بباريس علي استقلال التحكيم عن العقد الأصلي حيث نصت في المادة 2/4 على أنه لا يترتب على بطلان العقد الأصلي بطلان اتفاق التحكيم وهذا يدل بوضوح على استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي.

ولقد أخذت لائحة التحكيم في غرفة لندن للتحكيم الدولي في المادة 15 بمبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي إلا أنها لم تشر صراحة إلي أن بطلان العقد الأصلي لا يترتب عليه بطلان اتفاق التحكيم، وقد ذهب جانب من الفقه إلي أنه يجب عدم تفسير هذا الإغفال على أنه رفض لمبدا استقلال اتفاق التحكيم، إذ أن النتيجة السابقة ما هي إلا نتيجة حتمية لمبدأ استقلالية شرط التحكيم وبهذه المثابة فإنه من غير اللازم الإشارة إليها صراحة .

موقف الجمعية الأمريكية للتحكيم AAA :

نصت لائحة الجمعية الأمريكية للتحكيم صراحة على مبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي حيث نصت علي أنه "...ويعتبر شرط التحكيم كما لو كان شرطاً مستقلاً عن بقية شروط العقد الأصلي....".

أحكام التحكيم المؤيدة لهذا الاتجاه:

لعبت أحكام التحكيم الصادرة في العقود الإدارية الدولية دوراً هاماً ومؤثراً في تكريس مبدأ استقلال اتفاق التحكيم وسوف نعرض لبعض هذه الأحكام

قضية شركة . . ضد الحكومة الليبية :

وقعت شركة P. مع الحكومة الليبية عقداً بهدف البحث والتنقيب عن البترول إلا أن الحكومة الليبية قامت بتأميم هذه الشركة، مما حداً بهذه الشركة باللجوء إلى قضاء التحكيم، أكدت محكمة التحكيم علي مبدأ استقلال اتفاق التحكيم فالتحكيم يظل قائماً حتى ولو قامت الحكومة الليبية بوضع نهاية للعقد المبرم مع هذه الشركة بالتأميم . 

قضية شركة lena Gold Filds الانجليزية ضد الاتحاد السوفيتي :

تم إبرام عقد امتياز بين شركة Lena Gold Fields الإنجليزية مع حكومة الاتحاد السوفيتي وقد ثار خلاف بين الطرفين وقامت الشركة الإنجليزية بفسخ العقد من تلقاء نفسها وقررت اللجوء إلى التحكيم للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أصابتها .

إلا أن حكومة الاتحاد السوفيتي دفعت بأن شرط التحكيم الوارد في العقد قد أصبح غير نافذ المفعول إلا أن محكمة التحكيم لم تأخذ بوجهة النظر هذه وقررت الاستمرار في نظر التحكيم نظراً لاستقلال اتفاق التحكيم من العقد الأصلي .

قضية شركة Texaco ضد الحكومة الليبية :

سبق أن عرضنا لوقائع هذه القضية وما يهمنا في هذا المقام أن الحكومة الليبية قد دفعت بعدم جواز اللجوء إلي التحكيم نظراً لأنها قامت بتأميم الشركة وإلغاء العقد المبرم معها إلا أن المحكم Dupuy في الحكم التمهيدي الصادر في 27 نوفمبر 1975 رفض دفوع الحكومة الليبية و أكد علي اختصاص محكمة التحكيم بنظر النزاع نظراً لاستقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي.

قضية شركة Liamco ضد الحكومة الليبية :

ذهب المحكم sobhi Mahmassani إلى أنه من المتفق عليه سواء في الممارسات العملية أو في القانون الدولي أن شرط التحكيم يظل باقياً بعد إنهاء العقد الذي يتضمنه بالإرادة المنفردة من قبل الدولة. 

ومعني هذا أن المحكم قد أخذ بمبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي.

قضية الشركة الفرنسية El-Aquitaine ضد الشركة الوطنية الإيرانية للبترول وتتلخص وقائع هذه القضية في أن الشركة الوطنية الإيرانية للبترول قد أبرمت عقداً مع شركة «ايراب. في عام 1966 يهدف إلى البحث والتنقيب عن البترول ثم تنازلت شركة «أبراب» عن كامل حقوقها إلي الشركة الفرنسية El-Aquitaine وفي 8 يناير عام 1980 أصدر مجلس الثورة الإسلامية الإيرانية قانوناً من مادة واحدة نص على إنشاء لجنة خاصة تملك سلطة إبطال كافه عقود البترول التي تري هذه اللجنة وفقاً لتقديرها المطلق أنها غير مطابقة لأحكام قانون التأميم الإيراني الصادر في عام 1951.

وفي 11 أغسطس أخطر كل من وزير البترول الإيراني ورئيس مجلس إدارة الشركة الإيرانية الشركة الفرنسية بأن العقد المبرم معها قد تم إبطاله من قبل اللجنة الخاصة التي أنشأها مجلس الثورة الإسلامية.

وفي 6 اكتوبر 1980 أخطرت الشركة الفرنسية كلاً من وزير البترول الإيراني ورئيس مجلس إدارة الشركة الإيرانية بأنها تنوى اللجوء إلى التحكيم وامتنعت الشركة الإيرانية عن تعيين محكم لها فلجأت الشركة الفرنسية إلى رئيس المحكمة العليا بالدانمارك وطلبت منه ممارسة السلطات المخولة له وفقاً لنص المادة 41 من العقد. 

وتم تحديد أول جلسة في 30 سبتمبر 1981 وتمسكت الشركة الإيرانية بأن العقد المبرم بينها وبين الشركة الفرنسية يعتبر عقداً باطلاً وكأنه لم يكن لعدم مطابقته لقانون التأميم الصادر في عام 1951 وبالتالي يكون اللجوء إلى التحكيم مستحيلاً، كما أضاف ممثلو الشركة الوطنية بأن حضورهم هذه الجلسة الهدف منه هو بيان موقف القانون الإيراني وكذلك قرار اللجنة الخاصة ولا ينبغي بأي حال من الأحوال تفسيره علي أنه قبول من الجانب الإيراني للتحكيم.

وقد أوضح المحكم أن اتفاق التحكيم يتمتع باستقلال عن العقد الأصلي وأن استقلال شرط التحكيم يعد من المبادئ المستقرة في القانون الدولي وتم تطبيقه بصورة منتظمة في الأحكام الصادرة في التحكيمات الدولية، كما أن هذا المبدأ معترف به على نطاق واسع من قبل الفقهاء والمتخصصين في التحكيم الدولي وتأخذ به لوائح التحكيم المتبناة من قبل الهيئات الدولية وكذلك المعاهدات الدولية المتعلقة بالتحكيم كما أن هذا المبدأ يعد جزءاً من القانون الوطني للعديد من الدول. وبناء علي ما تقدم فإن شرط التحكيم يلزم الأطراف ويرتب آثاره القانونية ولا يتأثر بما تدعيه الشركة الإيرانية من أن العقد الأصلي باطل وكان لم يكن.

نخلص من العرض السابق إلى أن مبدأ استقلال اتفاق التحكيم من المبادئ المستقرة في أحكام التحكيم الدولي، وقد اعترفت بهذا المبدأ المعاهدات الدولية بصورة صريحة أو ضمنية ونصت عليه قوانين أغلب الدول إلا أن القانون الإنجليزي والقوانين التي سارت علي نهجه لم تأخذ بهذا المبدأ ولكن الوضع بدأ يتغير تدريجياً. فقد نصت لائحة التحكيم في لندن علي استقلال اتفاق التحكيم ويتم حالياً إعداد قانون لتعديل بعض أحكام التحكيم وينص هذا القانون علي استقلال اتفاق التحكيم .