لم تعرض إتفاقيتا جنيف لعامی ۱۹۲۳ و ۱۹۲۷ بشأن تنفيذ أحكام التحكيم لمسألة إستقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلى الذى تعلق به هذا الشرط حيث لم تكن أهمية هذه المسألة قد برزت على المستوى الدولى حين كانت فكرة التحكيم ذاتها تبدو على استحياء على مسرح التنظيم التشريعي الدولي.
ولقد عبر التمهيد الذى عرضه الأمين العام لغرفة التجارة الدولية بباريس للعمل بنظام الغرفة، الذى أصبح سارياً إعتبارا من أول يونيو ۱۹٥٥ ، عن حداثة نظام التحكيـم فـــي منازعات التجارة الدولية بقوله " مازال نظام المصالحة قائماً وجاء نظام التحكيم الجديد ليدعم أكثر من أنه يجدد النظام السابق، إذ أدخلت عليه عدة تعديلات جزئية مراعاة للخبرة والتطور اللذين سجلهما العقدان الماضيان من أجل نمو نشاطات الهيئة.
وإذا جسد نظام غرفة التجارة الدولية للمصالحة والتحكيم التطور الذي أصاب التحكيم في العقدين السابقين عليه فلا غرو أن يعرض لمسألة استغلال شرط التحكيم عن العقد الأصلى صحة وبطلاناً . فقد نصت المادة ۳/۸ من هذا النظام على أنه إذا أثار أحد الطرفين (أمــام هيئة التحكيم) دفعاً أو أكثر يتعلق بوجود إتفاق التحكيم (شرط) أو مشارطة تحكيم كان لهيئة التحكيم بعد التأكد لأول وهلة من وجود ذلك الإتفاق أن تقرر أن التحكيم سيتم دون المساس بقبول هذه الدفوع أو سلامتها وللمحكم وحده في هذه الحالة إتخاذ أي قرار يتعلق بإختصاصه". ويتعلق هذا النص بسلطة هيئة التحكيم في الفصل في مسألة إختصاصها إذا مادفع أمامها ببطلان شرط التحكيم أو مشارطة التحكيم لسبب أو لآخر كعدم توافر الشكل الذي يتطلبه فيه القانون الواجب التطبيق على الشكل أو عدم توافر الرضا أو الأهلية اللازمة لوجود الشرط وصحته وينتهى هذا النص إلى أن هيئة التحكيم هى التى تتحسس من ظاهر الأوراق صحة الشرط أو بطلانه فتقضى بإختصاصها بنظر النزاع فى الحالة الأولى أو بعدم إختصاصها في الحالة الأخرى حسبما يتبين لها من أول وهلة.
ويظهر من نصوص الإتفاقية الأوروبية للتحكيم التجارى الدولى الصادرة في جنيف عام ۱۹٦١ أنها لم تعرض لأثر بطلان العقد الأصلى على شرط التحكيم وإن خولت كلا الطرفين حق التمسك ببطلانه سواء أمام المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع متى أبدى أمامها أحدهما الدفع بالتحكيم أو أمام هيئة التحكيم التى حرك الأخير أمامها الدعوى التحكيمية. وفى هذه الحالة الأخيرة خولت الإتفاقية لهيئة التحكيم سلطة الفصل في إختصاصها والفصل في وجود وصحة شرط (أو مشارطة) التحكيم أو وجود وصحة العقد الأصلي الذى تعلق به الشرط . ويعنى ذلك - على أية حال - استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلى صحة وبطلاناً، إذ لو فرض وتبين لهيئة التحكيم وجود وصحة شرط التحكيم فإنه ينتج أثره وتصبح هذه الهيئة مختصة بالفصل في النزاع المتعلق بانعدام العقد الأصلي أو ببطلانه، وذلك فضلاً على ترتيب حقوق الطرفين على هذا الأساس.
- ويتجلى إستقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي، في أبهى صورة ، في نظام التحكيم وفقاً لقواعد لجنة القانون التجارى الدولى للأمم المتحدة الصادر عام ۱۹۷۷، إذ اشتمل هذا النظام على نصوص صريحة ومباشرة تؤكد هذا الإستقلال. فوفقاً للمادة ١/٢١ من النظام المذكور" تتمتع هيئة (محكمة) التحكيم بسلطة الفصل في أية منازعة تثور حول إختصاصها ولو تعلقت المنازعة بوجود أو صحة شرط التحكيم المدرج في العقد الأصلي أو شرط التحكيم المقرر في إتفاق مستقل. ووفقاً للمادة ۲/۲۱ " تتمتع هيئة (محكمة) التحكيم بسلطة الفصل في وجود أو صحة العقد الأصلي الذى يكون شرط التحكيم الوارد به جزءا لا يتجزا منه " ، ويستعين على هذه الهيئة ( المحكمة أن " تنظر إلى هذا الشرط بإعتباره إتفاقا مستقلا عن النصوص الأخرى لذلك العقد ، " فإذا قضت ببطلان الشرط المذكور واعتبرته كان لم يكن فإن ذلك لا يستتبع بالضرورة بطلان شرط التحكيم المشار إليه "، وحينئذ يكون لهيئة التحكيم التصدى لموضوع النزاع الناشئ عن العقد الأصلي وفقا للقانون الواجب التطبيق عليه بما يسمح بتحديد حقوق الطرفين والفصل فى النزاع لمصلحة أحدهما ضد الآخر .
وبالرغم من عدم وجود نصوص صريحة مماثلة في القانون النموذجي للتحكيم التجارى الدولي للجنة الأمم المتحدة للتجارة الدولية لعام ۱۹۸۵ فإننا نعتقد أن الحلول التي جاءت بها الفقرتان الأولي والثانية من المادة ۲۱ من نظام التحكيم وفقا لقواعد هذه اللجنة UNCITRAL يصح الأخذ بها في ظل هذه القواعد . ويستند هذا الرأي إلى ما قررته المادة ٢/٨ من النظام المذكور من أنه " إذا رفعت دعوى مما أشير إليه في الفقرة من هذه المادة فيجوز مع ذلك ( لهيئة التحكيم ) البدء أو الاستمرار في إجراءات التحكيم ، ويجوز أن يصدر قرار تحكيم والدعوى لا تزال منظورة أمام المحكمة " . فهذا النص يبيح لهيئة التحكيم الفصل في مسألة إختصاصها، ومعاملة شرط التحكيم. ولو ورد كبند في العقد الأصلي باعتباره إتفاقا مستقلا عن هذا صحة وبطلانا، والتصدي لموضوع النزاع وإصدار الحكم فيه ولو قضي ببطلان العقد الأصلي أو إعتباره لاغيا ، إذ لا يكون لهذا البطلان أثر على شرط التحكيم متى اعتبرته هيئة التحكيم موجودا وصحيا وهذا النظر يساعد على الإعتراف العالمي بشرط التحكيم التجارى الدولى وترتيب آثاره .