لامراء في بطلان شرط التحكيم ذاته إذا لم تتوافر فيه الشروط العامة اللازمة الوجود العقود وصحتها ، وهى الرضا والأهلية والمحل والسبب المشروعين، كما يبطل شرط التحكيم ذاته فى الحالات التى يخرج فيها عن النطاق الذى حدده القانون لتطبيقه كما لو تعلق بالحالة أو الأحوال الشخصية أو تعارض مع النظام العام، وذلك ناهيك عن بطلانه إذا لم تتوافر فيه الشروط الشكلية التى يتطلبها المشرع كشرط الكتابة في القانونين الفرنسى والمصرى. وفى هذه الأحوال يثور السؤال عن أثر بطلان شرط التحكيم على العقد الأصلي الذي ورد بشأن المنازعات المحتملة عند تنفيذه . فهل يترتب على بطلان شرط التحكيم بطلان العقد الأصلى أو يستقل كل منهما عن الآخر صحة وبطلاناً ؟
- كذلك يثور السؤال عن مصير شرط التحكيم متى وقع صحيحاً في حالة بطلان العقد الأصلي ذاته ، فهل يبطل شرط التحكيم ببطلان هذا العقد أو يظل الشرط قائماً برغم هذا البطلان ؟ . وتوجد - فى هذا الصدد ثلاثة آراء.
وعندى أنه لا يوجد مبرر للتفرقة بين أثر بطلان العقد الأصلى على شرط التحكيم في التجارة الداخلية وأثره في التجارة الدولية، ففى الحالتين لايؤدى هذا البطلان إلى بطلان شوط التحكيم، وذلك للأسباب الآتية:
السبب الأول هو أن الأساس القانونى الذى يستند اليه استقلال شرط التحكيم عن عقـــــد التجارة الدولية الأصلى يصلح أيضا أساسا قانونيا يمكن إعتماده في القول باستقلال شرط التحكيم عن عقد التجارة الداخلية الأصلى، وهو الأساس المتمثل في إعتبار الشرط عقدا داخلي ذلك العقد، نظرا لاختلاف كل منهما عن الآخر فى المحل والسبب.
ولقد انتصر المشرع المصرى لعدم التفرقة بين التحكيم التجارى الوطني والتحكيم التجاري الدولي في هذا المجال، بما قررته المادة ۲۳ من القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ من أن يعتبر شرط التحكيم إتفاقا مستقلا عن شروط العقد (الأصلى) الأخرى، ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أى أثر على شرط التحكيم الذى يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته.
- لكن يحدث أن يدفع أحد الخصوم أمام المحكمين بعدم اختصاصهم بنظر المنازعات الناشئة عن العقد الأصلى المشتمل على شرط التحكيم عن طريق إثارة بطلان هذا العقد، وذلك سيما إذا كان شرط التحكيم متضمنا تسمية هؤلاء المحكمين . فهذا يكفى هذا الدفع لإخراج النزاع من ولاية المحكمين وإعادته إلى الولاية العامة للمحكمة المختصة أصلا بنظره دون أن يكون لهؤلاء المحكمين سلطة الفصل فى مسألة إختصاصهم بهذا النزاع أو تثبت لهم هذه السلطة بمقتضى شرط التحكيم الوارد في العقد الذي أثير بطلانه؟
ويذهب رأى نرجحه، إلى أنه ليس من المقبول التنكر لسلطة المحكمين في الفصل في مسألة اختصاصهم بنظر المنازعات الناشئة عن العقد الأصلي في الحالة المذكور، لأن هذا التنكر يقوض نظام التحكيم من أساسه، إذ يكفى لسلب إختصاص المحكمين بتلك المنازعات إثارة بطلان هذا العقد ولو كان فى الحقيقة غير باطل، كما أن الفصل في مسألة الإختصاص ليس فقط حقا للمحكمين بل هو واجب عليهم أيضان بحيث يكون لهم الفصل في هذه المسألة من تلقاء أنفسهم لمعرفة ما إذا كان النزاع المعروض عليهم داخلا ضمن المسائل التي اختصوا بها طبقا لشرط التحكيم من عدمه. وأخيرا فإنه كيف نتصور إنكار سلطة المحكمين في الفصل في مسألة إختصاصهم بنظر النزاع متى استندت هذه السلطة إلى إتفاق التحكيم الذي يعتبر - دون سواه - - قانون أطرافه Loides parties .
ونحن نؤيد هذا الرأى لسببين : الأول هو أنه يجد أساسه فى استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلى ولو ورد كبند من بنوده، إذ يعتبر هذا الشرط عقداً داخل العقد الأصلي، ومن ثم يبقى شرط التحكيم ولو بطل العقد الأصلى مما يستتبع خضوع النزاع للمحكمين ويكون لهم الفصل في مسألة اختصاصهم بنظره ، أما السبب الثاني فهو أن حكم المحكمين لا يفلت مـــــن رقابة المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع، حيث يجوز الطعن أمامها ببطلان هذا الحكم متى كان قد صدر بناء على شرط تحكيم باطل أو إذا كان قد خرج عن حدود هذا الشرط أو كان قد قضى للخصم بغير طلباته. لذا قيل بأنه إذا طلب بطلان أو فسخ العقد الأصلي الذي يتضمن شرط التحكيم فإن مجرد هذا الطلب لا يحول دون إعمال شرط التحكيم.
ويستقيم مع هذا الرأى ما نصت عليه المادة ١٤٦٦ مرافعات فرنسى من أنه إذا دفع أحد الخصوم أمام المحكم بعدم تمتعه بسلطة الفصل في النزاع فان المحكم هو الذي يفصل في هذا الدفع. كما نصت المادة ۱۳ من قانون التحكيم المصرى رقم ۱۲۷ على أنه يجب على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه إتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل إبدائه أى طلب أو دفاع في الدعوى، ولا يحول رفع الدعوى المشار اليها دون البدء في إجراءات التحكيم أو الإستمرار فيها أو إصدار حكم التحكيم. كذلك نصت المادة ۵/۱۷۳ مرافعات كويتى على أن لاتختص المحاكم بنظر المنازعات التي اتفق على التحكيم في شأنها. وتفيد هذه النصوص، في مجموعها ، فى أن الدفع بالتحكيم أمام المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع يوجب عليها الإمتناع عن نظره إذا رفع أمامها وذلك متى اطمأنت إلــى صحة شرط التحكيم، وحينئذ يتمتع المحكمون أنفسهم بسلطة الفصل في بطلان أو فسخ العقد الأصلى نظراً لافلات النزاع من الولاية العامة للقضاء وخضوعه للتحكيم.