يقصد باستقلال اتفاق التحكيم البحري: استقلاله في صورة شرط التحكيم المدرج ضمن نصوص العقد الأصلي ، عن هذا العقد، وعن المؤثرات الي قد تؤثر في عدم صحته في صورة مشارطة تحكيم ، لأن المشارطة عقد منفصل يبرم استقلال عن العقد الأصلي لحل المنازعات التي نشأت عنه وعن تنفيذه.
استقلال اتفاق التحكيم البحري في القوانين الوطنية :
استقلال اتفاق التحكيم البحري في فرنسا :لم يتناول تشريع ۱۲ مايو دور حول التحكيم الدولي هذه المسألة تاركا إياها لقضاء محكمة النقض نسية حيث ورد في التقرير المقدم من وزير العدل الفرنسي إلى رئيس الوزراء حول التشريع الجديد للتحكيم الدولي، أنه لا يتعارض البته مع المبادئ المستقرة في قضاء محكمة النقض الفرنسية ، فيما يتعلق بالنظام القانوني التحكيم الدولي ، وخاصة فيما يتعلق بنطاق إتفاق التحكيم وإستقلاله عن العقد الأصلي وعدم تأثره ببطلان هذا العقد الأصلي. وكانت محكمة النقض الفرنسية في دعوى Gosset في 7 مايو ۱۹۹۳ قد أكدت مبدأ إستقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي مقررة أن اتفاق التحكيم سواء أبرم في صورة شرط التحكيم أو مشارطة التحكيم والوارد في علاقة دولية خاصة يتمتع باستقلال قانوني كامل عن العقد الذي يحتويه مع ما يستتبعه ذلك من صحة اتفاق التحكيم استقلالا.
محكمة النقض الفرنسية: قررت قاعدة موضوعية من قواعد القانون الدولي الخاص الفرنسي مؤكدة غياب التضامن بين اتفاق التحكيم والعقد الأصلي ، بما يترتب على ذلك من نتائج حول صحة شرط التحكيم رغم بطلان العقد الأصلي ، وإمكانية تطبيق قانونين مختلفين أحدهما على شرط التحكيم والآخر على العقد الأصلي، معطية للمحكم سلطة الفصل في الدعوى رغم بطلان العقد الأصلي.
وفي قضية Impex حيث أبدت المحكمة مبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي الذي انتهت إليه محكمة الموضوع مقررة أن اتفاق التحكيم يتمتع باستقلال قانوني في القانون الدولي الخاص الفرنسي. ثم أكد القضاء هذا المبداباحكام أخرى لاحقة حتى وصل إلى مداه حين قرر القضاء الفرنسي صحة اتفاق التحكيم، غير مكتف بمبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلى
ولكن مقررا استقلال شرط التحكيم عن أي قانون وطني مطبق ، ومقررا مبدئ صحة اتفاق التحكيم كنتيجة لاستقلاله ، وكونه بمنأى عن كل بطلان في العقر الأصلي نتيجة تطبيق أي قانون وطني يحكمه ، وهكذا محيت فكرة الإسناد كلية من هذا المجال بواسطة فكرة استقلال اتفاق التحكيم للوصول لمبدأ صحة اتفاق التحكيم .
وقد طبقت محكمة النقض الفرنسية مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي في قضيتين بحريتين مستخدمة في الأولى منهج التنازع لتقرير صحة شرط التحكيم باستبعاد تطبيق قواعد القانون الفرنسي الداخلي وفي الثانية مقررة بعيدا عن منهج التنازع قاعدة موضوعية ، مقتضاها صحة شرط التحكيم في عقود التجارة البحرية الدولية ، بصرف النظر عن العقد الأصلي الذي يحتويه. ففي القضية الأولى:
San-Carlo
تعلق النزاع بسند شحن أبرمه أحد الأشخاص المعنوية العامة الفرنسية في
(2) أبريل ۱۹۵۲ وبمقتضاه ستحالالمنازعات التي ستنشأ عن عملية النقل البحري بواسطة السفينة -San Carlo من أثيوبيا إلى مرسيليا إلى ثلاثة محكمين في مدينة جنوه الإيطالية وفقا للقانون الإيطالي . وأمام محكمة النقض الفرنسية طعن الشخص المعنوي العام ببطلان شرط التحكيم باستثنائها مسألة تتعلق بالأهلية وبالتالي يطبق القانون الفرنسي.
ولكن محكمة النقض في حكمها الصادر في 14 أبريل 1964 قررت صحة شرط التحكيم الذي تبرمه الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة مسببة حكمها بأن المنع من التحاكم لا يشكل مشكلة الأهلية في معنى المادة (3/3) مدني وأن هذه المسألة تخضع لقانون العقد وليس لقانون جنسية الأطراف المتعاقدة.
التعليق على هذا الحكم: هذا الحكم الصادر من محكمة النقض الفرنسية جاء صائبا ولكن من وجهة نظري أنهبالنسبة للدفع لمشكلة الأهلية لا يجوز الدفع
به عند قيام التزاع الخاص بالجنسية لأنه كان من المفترض قبلالتعاقد مع
الطرف الأخر أن يتم بحث موضوع أهلية التعاقد قبل إبرام العقد حيث لا يجوز الدفع بأي عارض من عوارض الأهلية أو مشكلة تخص أهلية التعاقد بعد نشوب النزاعوخير فعلت محكمة النقض الفرنسية إذ أن موضوع الأهلية يخص ويخضع لقانون العقد وليس لقانون جنسية الأطراف. وفي القضية الثانية:Galakis البند 17 من المشارطة يقضي بأن أي نزاع ناشئ عن هذا العقد سيحال التحكيم في لندن . وصدر حكم التحكيم وامتنعت وزارة النقل البحري عن تنفيذه، دافعة بعدم أهليتها للتحاكم وفقا لأحكام القانون الفرنسي .ولكن محكمة النقض الفرنسية في حكمها في ۲ مايو 1966 رفضت هذا الدفع مقررة صحة شرط التحكيم مقررة قاعدة موضوعية في القانون الفرنسي مقتضاها صحة شرط التحكيم في العقود الدولية المبرمة . ووفقا لشروط ومقتضيات التجارة البحرية.
وهكذا فإن القضاء الفرنسي يأخذ بمبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصليبكامل أبعاده ومصير العقد الأصلي الذي يحتويه ونائبا به عن الطوارئ التي قد تحدث للعقد الأصلي وتؤثر على وجوده وصحته مع ما يترتب على صحة وشرط التحكيم من إعطاء المحكم سلطة الفصل في صحة أو بطلان العقد الأصلي ومن إمكانية اختلاف القانون المطبق على شرط التحكيم عن القانون المطبق على العقد الأصلي.
ثانيا: استقلال اتفاق التحكيم البحري في انجلترا:
لم تنص قوانين التحكيم الإنجليزي على مبدأ استقلال شرط التحكيم على الرغم من أنهمعترف به قضائيا منذ عام ۱۹۶۲. وفي حكم مجلس اللوردات في الدعوى الشهيرة Heyman "قرر اللورد Macmillan أن" شرط التحكيم عقد... يفترق V.Darwins تماما عن الشروط الأخرى حيث أن الشروط الأخرى ترسم الالتزامات التي يتعهد بها كل طرف للآخر .. في حين أنه لا يفرض على طرفين تعيد المصلحة الطرف الآخر فهو اتفاق كلا الطرفين على حل أي نزاع ينشأ عن تعهداتهم الأخرى عن طريق محكمة من إنشائهم ... إن إعلان أحد المتعاقدين عدم تنفيذ أي الالتزامات التي يفرضها عليه العقد أو خرق العقد كلية ، لا يلغي شرط التحكيم ولا يجرده من وجوده ، رغم انقضاء الالتزامات المتبادلة بين الطرفين. حيث يبقى شرط التحكيم لتسوية المنازعات الناشئة عن خرق العقد وعدم تنفيذه" فنرى إن أهداف العقد قد سقطت ، ولكن شرط التحكيم ليس واحدا من أهداف العقد" ، ولكن إذا لم يكن هناك وجود للعقد الأصلي على الإطلاق ،فإن شرط التحكيم المدرج به لا يكون له وجود كذلك حيث الأكثر يشمل الأقل.
الموقف الإنجليزي: وإن كان يعرف مبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي إلا أنه لا يعترف به إلا جزئيا ، وهو كما قرره الأستاذ Sanders(۲) ويمكن تلخيصه فيما يلي:
- إذا تعلق النزاع بأن العقد الأصلي اشتملعلى شرط التحكيمو قد اتفق عليه منذ البداية فإن تلك المسألة لا يمكن عرضها على التحكيم بموجب شرط التحكيم ، لأن الطرف الذي ينكر أنه اتفق على العقد الأصلي يكون منكرا الشرط التحكيم . وهكذا يرتبط مصير شرط التحكيم بمصير العقد الأصلى
۲- إذا اعترف الأطراف بوجود العقد ولكن أحدهم نازع في أن العقد الأصلي باطل منذ البداية لعدم المشروعية مثلا ، فإن شرط التحكيم لا يمكن أن يبرم وبناء عليه فإن الشرط نفسه يكون باطلا. 3- إذا كان الاطراف قد اتفقوا على عقد مبرم ، ثمثار خلاف بينهما حيث إذا كانت هناك مخالفة لشروط العقد، من جانب هذا الطرف أو ذلك وما اذا كانت قد نشأت ظروف منعت أحد الأطراف أو كليهما من آداء التزاماته من عدمه . فإن مثل هذه الالتزامات يجب أن ينظر إليها كمنازعات نشأت مراعاة للعقد وبالتالي يعترف هنا بمبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي. ا ثم فسر مجلس اللوردات قضاءه السابق في دعوى Heyman في قضايا بحرية حديثة يأتي في مقدمتها قضاء مجلس اللوردات في دعوى Bremer Vulkanحيث ۱۹۸۱ حيث تعلق النزاعبعقد بناء خمس سفن والمدرك بين المالك الألماني Bremer Vulkan والشركة البانية South India Shipping corporation Ltdونازع المالك الألماني بمخالفة الشركة البانية الشروط العقد وطالب بالتعويض نظرا لمخالفتها شروط البناء والتصميم ، في حين طعنت الشركة البانية طالبة تقادم الدعوى لرفعها بعد فوات الوقت. وفي التقرير المقدم بواسطة اللورد Diplok ورد أن الشرط التحكيم يشكل عقدا مستقلا بذاتهويقف جنبا إلى جنب مع عقد بناء السفينة نفسه... وقال في حكمه: إنني سأقبل القول بانقضاء الالتزامات الأولية التي لم تنفذ بواسطة الأطرف وذلك كأي عقد آخر، ولكن شرط التحكيم يبقى للفصل حول هذه المسائل.
ويقول اللورد Scamanفي تقريره المقدم في نفس الدعوى أنه عندما يتفق الأطراف على إحالة نزاعاتهم الحالة أو المستقبلة على التحكيم فإنهم يدخلون في عقد يتقرر ضمنه أن لكل منهم الحق في اللجوء للتحكيم هذه الضمنية تنشأ بالضرورة من طبيعة وغرض اتفاقهم على التحكيم ، وهو عرضمنازعاتهم على التحكيمبواسطة محكم مستقل ومحايد من إختيارهم .
ثم فسر مجلس اللوردات هذا القضاء في دعوى بحرية أحدث هي دعوی ۱۹۸۲Hannah Blumenthal (۱) حيث كان النزاع يتعلق بعقد بيع هذه
السفينة وقد تم الدفع ببطلان شرط التحكيم والحكم الصادر بناء عليه وذلك
للتأخير في رفع الدعوى وقد قرر اللورد Diplock في تقريره أن العقد يض
على عاتق أطرافه نوعين من الالتزامات: : التزامات أساسية مفروضة على كل طرف بالتعهد بأداء التزاماته والتزامات ثانوية تابعة للالتزامات الأساسية بحيث قد يترتب على خرق العقد انقضاء التزامات الأطراف الأساسية ولكن هذا لا يترتب عليه انقضاء الالتزامات التابعة الثانوية والتي منها شرط التحكيم والذي يبقى لتحديد المخالفات وتقدير التعويض. تعليق الباحث على الموقف الأنجليزي
لم يتطور الموقف الإنجليزي بل بقي على ما هو عليه منذ قضاء مجلس اللوردات في دعوى ۱۹۶۲Heyman m فهذه الأحكام الحديثة السالف الإشارة إليها وغيرها لم تفعل أكثر من تفسير الحكم المذكور، وما قررته من انفصال جزئي لشرط التحكيم عن العقد الأصلي ، إنما قررته الأحكام الحديثة استنادا على أسباب الحكم المذكور وفقا لنظام السوابق القضائية ، السائد في انجلتراو الذي لم يبشر بتطور قضائي سريع إلا لو تدخل المشرع. و ؟ إن الموقف الإنجليزي يجب أن يفهم من حيث تعدد الصيغ التي يستخدمها الأطراف والتي قد تنشئ تعددا لأشكال البطلان في العقد الأصلي ، وكذلك من حيث الظروف التي يبرم فيها اتفاق التحكيم والأعراف المهنية التي يعرفها أو يجب أن يعرفها الأطراف ، والعلاقات بين الدعاوى السابقة و الدعاوی اللاحقة ، هذه الظروف العديدة يمكن أن تؤدي إلى عدم إجازة استقلال شرط التحكيم في علاقته بالعقد الأصلي في القانون الانجليزى إلا بطريقة (۲)كما إن الوثيقة المقدمة من اللجنة الاستشارية التي شكلت في انجلترا في أكتوبر ۱۹۷۸ لإبداء الرأي حول القانون النموذجي للجنة الأمم المتحدة وسنة ۱۹۸۵ ومدى إمكانية الأخذ به في انجلترا عبرت
الحالة الحالية لمبدأ استقلال شرط التحكيم في القانون الإنجليزي عندما قررت أن :" القانون النموذجي ۱۹۸۰ يعترف بالفصل الكامل بين اتفاق التحكيم والعقد الأصلي ، بما يترتب على ذلك من أن حكما تحكيميا بشأن عقد باطل لا أثر له ، ولا يؤدي إلى عدم صحة شرط التحكيم.
كما انتقد في تفرقته بين بطلان العقد وعدم وجوده ابتداء، حيث أن هذه التفرقة غير مبررة . كما أن رفض استقلال شرط التحكيم بسبب منازعة أحد الأطراف أو إدعائه بعدم وجود العقد الأصلي، فإن رفض إعطاء المحكم سلطة القضاء في مثل هذه الحالة حول وجود العقد الأصلي وتوليته الصحيحة سيفتح الباب لوسائل المماطلة ، والتي جاء مبدأ الاستقلال بهدف تجنبها.
أخذ المشرع المستعمل بمبدأ استان شرط التحكيم بصورة عامة في جميع صور المنازعات التحكيمية و منها بالطبع التحكيم في المنازعات البحرية وأن نحر يذكرها صراحة حيث نص قانون التحكيم المصري :۱۹۹ ضراحة على مبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي: يعتبر شرط التحكيم اتفاق مستقلا عن شروط العقد الأخرى ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو أنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته، وبذلك يكون القانون المصري قد حسم الخلاف النثي حول أسباب اجازة الفقه المصري لسيد الاستقلال قبل إصدار القانون. المحكمة المصرية العليا:
قضت بأن :" مجرد تحرير مشارطة التحكيم والتوقيع عليها لا يقطع بما في ذاته مدة التقادم لأن المشارطة ليست إلا اتفاقا على عرض نزاع معين على محكمين والنزول على حكمهم ولا تتضمن مطالبة بالحق... إذا تضمنت المشارطة إقرار من المدين بحق الدائن كما لو اعترف بوجود الدين فإن التقادم ينقطع في هذه الحالة بسبب هذا الإقرار صريحا كان أو ضمنيا ، وليس بسبب المشارطة في ذاتها" فهذا الحكم قاطع في تحديد اتجاه القضاء المصري نحو إعمال مبدأ استقلال شرط التحكيم.
بأى الباحث: .
و انتقد البعض هذا التسبيب الأخير، لأن" معاهدة نيويورك لم تتعرض صراحة لمبدأ استقلال شرط التحكيم، فهي معاهدة أبرمت للاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها ، وإذا كانت قد تعرضت في مادتها الثانية لاتفاق التحكيم وإلزام الدول الأعضاء بالاعتراف به أو منع محاكمها من نظر المنازعات التي اتفق الأطراف على حلها بالتحكيم، فإنها لم تشر أية إشارة أن ذلك يمكن أن يتحقق في حالة بطلان الاتفاق الأصلي فيما بين الأطراف" ثم أيد استقلال شرط التحكيم وبقاؤه نافذا بالرغم من بطلان الاتفاق الأصلي؛ نظرا
لأن حاجة الأطراف إلى التحكيم تزيد في حالة عدم صحة اتفاقهم أو وجود سبب من أسباب بطلانه ، كما في تقرير استقلال شرط التحكيم مساعدة في الأطراف على الوصول إلى حل سريع لخلافاتهم
* وأيا ما كان الرأي فإن قانون التحكيم المصري ۱۹۹4 قد حسم هذا الخلاف مقررا استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي الذي يحتويه.
استقلال اتفاق التحكيم البحري في المعاهدات الدولية أولا: الاتفاقية الأوربية للتحكيم التجاري الدولي 1961:
نصت هذه الاتفاقية بوضوح على مبدأ استقلال اتفاق التحكيم ، عن ا العقد الأصلي في مادتها الخامسة في فقرتها الثالثة عندما عهدت للمحكم بسلطة الفصل حول وجود أو صحة اتفاق التحكيم أو العقد ، الذي يعتبر اتفاق التحكيم، جزءا منه وبالتالي فالاتفاقية قد قررت مبدأ الاستقلالية، ومدت سلطة المحكم للفصل حول وجود العقد الأصلي وصحته على السواء. ثانيا: القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي ۱۹۸۰: نصت على مبدأ استقلال شرط التحكيم عندما نص في المادة 16 فقرة الأولى أنه يجوز لهيئة التحكيم البت في اختصاصها بما في ذلك البت في أي اعتراضات تتعلق بوجود اتفاق التحكيم أو بصحته ، ولهذا الغرض ينظر إلى شرط التحكيم الذي يشكل جزءا من عقد كما لو كان اتفاق مستقلا عن شروط العقد الأخرى ، وأي قرار يصدر من هيئة التحكيم ببطلان العقد لا يترتب عليه بحكم القانون بطلان شرط التحكيم"
وهكذا فإن القانون النموذجي قد قرر بوضوح مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي أو انفصاله القانوني عنه
موقف أحكام التحكيم البحري إن العديد من أحكام التحكيم الصادرة في إطار المعاملات الدولية الخاصة سواء الصادرة عن محاكم التحكيم الحرadhoc او محاكم التحكيم المشكلة لدى مراكز التحكيم ذات الطابع الدولي أخذت بمبدأ استقلال اتفاق و التحكيم، فقد تم تطبيق مبدأ استقلال شرط التحكيمعن العقد الوارد فيه في قضية شركة Lena Goldfilds ضد حكومة الاتحاد السوفيتي عام ۱۹۳۰ حيث رفضت الحكومة السوفيتية المشاركة في إجراءات التحكيم بحجة أن الشركة البريطانية (لينا جولد فیلدز) قد قامت بفسخ عقد الامتياز المبرم معها في عام ۱۹۲۵ وبالتالي فإن شرط التحكيم الوارد في العقد قد أصبح غير نافذ المفعول بيد أن محكمة التحكيم رفضت وجهة نظر الحكومة السوفيتية وأكدت في حكمها الصادر في ۲ سبتمبر ۱۹۳۰ أنه على الرغم من أن الحكومة السوفيتية قد رفضت المشاركة في إجراءات التحكيم إلا أنها تظل ملزمة بالالتزامات الواردة في عقد الامتياز وبصفة خاصة. بشرط التحكيم الوارد في العقد.
تعليق الباحث على الحكم :
إن حكم محكمة التحكيم الصادر ضد حكومة الاتحاد السوفيتي جاء صائبا خاليا من العوار وذلك لأن ما استقرت علية أحكام التحكيم وكذلك المعاهدات الدولية ولوائح التحكيم ذات الطبيعة الدولية وكذلی الت .. الوطنية والأحكام الصادر عن غرف التحكيم بمراكز التحكيم الدولية جاءت
جميعها لتقرر استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي فليس معنى أن تفسخ الشركة البريطانية عقد الإمتياز أن يستتبعة فسخشرط التحكيم ، كما تم إعمال هذا المبدأ أيضا في قضية Losinger ضد الحكومة اليوغسلافية عام 1936 ففي هذه القضية تمسكت الحكومة اليوغسلافية أمام محكمة التحكيم بأن شرط التحكيم الوارد في العقد المبرم بينها وبين Losinger قد أصبح غير نافذ المفعول على اثر إلغاء العقد من قبل الحكومة بإرادتها المنفردة، بيد أن محكمة التحكيم قد رفضت هذا الادعاء واكدت في حكمها أنه من الثابت قضائيا أن فسخ العقد من جانب واحد يبقى بدون أثر تجاه شرط التحكيم والذي يظل قائما على الأقل إلى حين الفصل في بواعث هذا الفسخ وكذلك في آثار الفسخ الذي لا مبرر له.
وفي إطار غرفة التجارة الدولية بباريسصدر منها حكم التحكيم الصادر في القضية رقم ۱۰۲۶ لعام ۱۹۹۸) وتتلخص وقائعها في أن إحدى الدول الأفريقيتقد منحت أحد الرعايا البلجيكيين المقيمين فيها باعتباره صاحب امتياز - الحق في شراء المنتجات المعدنية على إقليمها الوطني وعلى إثر قيام الدولة المتعاقدة بإلغاء العقد بإرادتها المنفردة قبل حلول الأجل المتفق عليه تقدم ورثة صاحب الامتياز إلى محكمة التحكيم الدائمة لدى غرفة التجارة الدولية مطالبين بالتعويض وفقا لشرط التحكيم الوارد في العقد بيد أن الدولة المتعاقدة قد رفضت المشاركة في إجراءات التحكيم ولذلك بدأ المحكم المعين من قبل محكمة تحكيم الغرفة بإثبات اختصاصه وفي هذا الصدد ذهب المحكم إلى أن هناك قاعدة مسلما بها الآن في مجال التحكيم الدولي مفادها أن شرط
التحكيم سواء أكان قد أبرم على نحو منفصل عن التصرف القانوني المتعلق بر او كان واردا فيه يتمتع باستقلال قانونی کامل بحيث لا يتأثر بما قد يلحق هذا التصرف من بطلان.
كما أخذت أحكام التحكيم الصادرة في المنازعات الناشئة عن عقود البترول المبرمة بين الدول (أو الأشخاص العامة التابعة لها ) وشركات البترول الأجنبية ، بمبدأ استقلال اتفاق التحكيم ، كما في أحكام التحكيم الثلاثة الصادرة في المنازعات التي نشأت بين الجماهيرية الليبية وشركات البترول الأجنبية.
يترتب على مبدأ استقلال اتفاق التحكيم تجاه العقد أثران هامان هما : عدم ارتباط مصير اتفاق التحكيم بمصير العقد، وإمكانية خضوع اتفاق التحكيم لقانون آخر غير ذلك الذي يخضع له العقد. وسندرس هنا كل منهم في فرع مستقل .
كما أن لائحة التحكيم الصادرة عن لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (م ۲/۲۱) وكذلك القانون النموذجي الصادر عن نفس اللجنة المذكورة عام 1985 م 1/16 ولائحة تحكيم غرفة التجارة الدولية م4/۸ ولائحة تحكيم الجمعية الأمريكية للتحكيم ۱/۱5 والأثر الثاني: يرفض التفرقة بين حالة بطلان العقد وحالة انعدامه هذا الرأي يقوم على الربط بين مبدأين مستقلين هما:
مبدأ اختصاص المحكم بالفصل في اختصاصه مبدأ استقلال اتفاق التحكيم وهو ما لا يمكن الأخذ به .
نعقاده بأمستردام عام ۱۹۵۷فقد نصت المادة 6 من التوصيات التي
صدرها المجمع في هذه الدورة على أنه " صحة مشارطة التحكيم وكذای شرط التحكيم لا تخضع بالضرورة لنفس القانون المطبق على العلاقة محل النزاع...كما أخذ القضاء الفرنسي بهذه النتيجة في العديد من أحكامه من ذلك حكم محكمة استئناف باريس الصادر في ۲۱ أكتوبر ۱۹۸۲ ففي هذا الحكم رفضت محكمة الاستئناف الدفع ببطلان حكم التحكيم المبني على أن محكمة التحكيم لم تفصل في مسألة اختصاصها وفقا للقانون الفرنسي المعين من قبل الأطراف لكي يحكم موضوع النزاع واستندت على أن مسألة القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع ، كانت مستقلة على الأقل بشكل ضمني في محضر تولية المحكمين عن تلك المتعلقة بالقواعد التي تنظم مسألة اختصاص المحكمين.
ثم أردفت قائلة " إن القانون الواجب التطبيق لتحديد نطاق وآثار شرط التحكيم المنشئ لتحكيم دولي لا يجب أن يختلط بالضرورة مع القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع . ذهبت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في 14 ديسمبر ۱۹۸۳ إلى تأييد ما قضت به محكمة الاستئناف، من عدم تطبيق القانون ان الحكم العقد بصدد تفسير شرط التحكيم المدرج به على نحو ما تمسك به
الطاعن . وقررت أن شرط التحكيم في مسائل التحكيم الدولي يتمتع باستقلال قانونی کامل تجاه العقد الوارد فيه.
أخذت محكمة استئناف باريس في حكم حديث نسبيا بهذه النتيجة ففي حكمها الصادر في ۲6 مارس ۱۹۹۱ رفضت الطعن ببطلان حكم التحكيم المبني على أن المحكمين لم يطبقوا القانون الليبي الواجب التطبيق على العقد موضوع النزاععلى إتفاق التحكيم وقضت محكمة الاستئناف بأنه" في مجال التحكيم الدولي فإن مبدأ صحة وإستقلال شرط التحكيم يكرس إستقلال اتفاق التحكيم تجاه الأحكام الموضوعية للعقد المتعلق به وكذلك القانون الداخلي الواجب التطبيق على هذا العقد ".