مبدأ استقلال شرط التحكيم مبدأ جديد عرفته قوانين التحكيم الحديثة مؤخراً بعد أن تطور قضائياً ولا سيما في القضاء الإنجليزي ، وقد أدخله القانون النموذجي للأمم المتحدة في نص مادته (١/١٦) واقتبسته منه قوانين دول عديدة من بينها القانون الإنجليزي المادة (٧) والقانون المصري الجديد مادة (۲۳).
ومعنى هذا الشرط أن بطلان العقد الأصلي أو فسخه أو إنهاءه لأي سبب كان لا يؤثر على شرط التحكيم الوارد فيه ما دام هذا الشرط صحيحاً : في حد ذاته واجب التطبيق ولم تعرف مجلة الأحكام العدلية هذا المبدأ صراحة، فلا يمكن نسبته إليها بطريق مباشر .
ولكن القواعد الفقهية التي تصدرت المجلة يمكن أن تتسع لتقريره . فالقاعدة المنصوص عليها في المادة (۸۱) من مواد المجلة ونصها : اقد يثبت الفرع مع عدم ثبوت الأصل؛ تدل على أنه لا مانع من الناحية الفقهية من أن يكون بعض شروط العقد سارياً ومؤثراً على الرغم من بطلان العقد الأصلي أو انتهائه أو فسخه لأي سبب كان.
ويؤكد ذلك أن المادة (۸۳) من المجلة تنص على أنه يلزم مراعاة الشرط بقدر الإمكان. وشرط التحكيم شرط على كل حال، فإذا أمكن الإبقاء عليه وتطبيقه على الرغم من سقوط العقد، فإن ذلك يكون متفقاً مع قواعد المجلة غير مخالف لها .
ويتأكد ما سلف إذا كان فسخ العقد الأصلي، الذي يتضمن شرط التحكيم، أو إنهاؤه أو بطلانه يرجع إلى الطرف الذي يمسك ببطلان شرط التحكيم أو سقوطه تبعاً للعقد الأصلي، فعندئذ ينبغي إعمال قاعدة المجلة: " من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه (مادة ۱۰۰)" .
وهذا الاستدلال على جواز الأخذ بمبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي أصح - في تقديرنا - من الاستدلال عليه - كما فعل الباحثين - بإجازة الفقهاء تضمين العقود شروطاً أو بإجازة بعضهم تعليق التحكيم على شرط احتمالي، مثل إذا قدمت فاحكم بيننا أو إذا أهل الهلال فاحكم بيننا. أو بإجازة بعضهم إضافة التحكيم إلى أجل مثل قولهم . (جعلناك حكماً غداً ) .
فالآراء الفقهية المذكورة كلها لا تؤدي إلى ما استدل بها عليه على النحو الذي تؤدي إليه قواعد المجلة.
كما أن تبرير استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي بالنظرية المعروفة الفقه المالكي باسم تفريق الصفقة التي يعبرون عنها بقولهم إن الصفقة إذا اشتملت على حرام وحلال فهي كلها باطلة وقيل يصح البيع فيما عدا الحرام وينقص بقدره الثمن .
لأن هذه - النظرية - أولا رأي بعض فقهاء المذهب المالكي وليست هي المذهب. وثانياً، لأن الفرض الذي يعالجه مبدأ استقلال شرط التحكيم لا يتصل بحل أو حرمة وإنما يتصل ببقاء الشرط بعد زوال العقد.
والقواعد الفقهية التي نستدل بها على صحة القول باستقلال شرط التحكيم محل اتفاق المذاهب كلها ؛ بينما الرأي المجوز تعليق التحكيم على شرط أو إضافته إلى أجل والرأي المبيح تفريق الصفقة لإبقاء الحلال منها وإلغاء الحرام، كلاهما رأي فردي لبعض الفقهاء والاستدلال بما هو محل اتفاق المجموع أولى - قطعاً - من الاستدلال بما انفرد به بعض الفقهاء دون بعض .
والخلاصة أن المجلة وقواعد الفقه الإسلامي لا تضيقان عن استيعاب مبدأ استقلال شرط التحكيم .