الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / استقلال شرط التحكيم / الكتب / التحكيم في المنازعات البحرية / استقلال شرط التحكيم

  • الاسم

    د. الوليد بن محمد بن علي البرماني
  • تاريخ النشر

    2010-10-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    471
  • رقم الصفحة

    127

التفاصيل طباعة نسخ

يذهب جانب من الفقه إلى القول باستقلال التحكيم، ويرون أنه عمل مميز لحل المنازعات ، فهم يرفضون النظرية العقدية للتحكيم، مؤكدين أن العقد ليس هو جوهر التحكيم، بدليل عدم وجوده في التحكيم الإجبار ، كما أن المحكمين لا يعينون دائما باتفاق الأطراف أو بواسطتهم ، وإنما قد يتم تعيينهم بواسطة مراكز التحكيم الدائمة التي يلجأ إليها الأطراف ، ولكن هذا لا يعني في رأي هذه النظرية فقدان التحكيم لذاتيته واندماجه في القضاء كما ترى النظرية القضائية ، وذلك لأن القضاء سلطة عامة من سلطات الدولة يباشرها القاضي بهدف تحقيق سيادة القانون على المصالح المتنازعة في العلاقات الاجتماعية . أما التحكيم فيرمي إلى تحقيق وظيفة اجتماعية واقتصادية متميزة هي التعايش السلمي بين أطراف النزاع في المستقبل إضافة إلى العقد ، وبناء على ذلك ، فإنه بينما يعني القاضي بإنزال حكم القانون على الحالة المعروضة عليه بصرف النظر عن أثر هذا على مستقبل علاقات الأطراف ومصالحهم ، فإن المحكم يحاول من خلال فهمه اللصيق بالمصالح الاجتماعية والاقتصادية المتنازعة ، أن يتلمس الحل الأكثر توفيقا بينهما .

ولذا فإنه قد يكون مفوضا بالصلح ، وهو ما يعني ألا يحكم وفقا لقواعد القانون ، وإنما يقرر الحل الذي يراه أكثر عدالة وملاءمة لمصالح الطرفين، ولهذا يقال إن المحكم يرى العدالة ، بينما يرى القاضي التشريع ،ويرى أصحاب النظرية الخاصة ، أن تحديد طبيعة التحكيم يعتمد في الدرجة الأولى على النظر إلى الهدف الذي يرمي إليه الخصوم من التحكيم ، وهو السعي إلى العدالة على أسس تختلف عن المفهوم التقليدي للعدالة أمام المحاكم ، ومن هنا يكون التحكيم أداة خاصة لتطبيق قواعد خاصة تحقق الهدف الذي يسعى إليه الخصوم .

وبالتالي تبدو بوضوح الطبيعة الخاصة للتحكيم ، وفق هذه النظرية في رفضها الاعتماد على دور إرادة المحتكمين ودور السلطة القضائية ، كعاملين يستند إليهما التحكيم ، بل جعلت من الأخير نظاما قائما بذاته يسعى لتقديم عدالة خاصة مستقلة موازية للعدالة التي يقدمها قضاء الدولة ، وبعبارة أخرى يصل أصحاب هذا الرأي إلى أن حكم المحكم هو عمل قضائي من نوع خاص ؛ لأنه رغم صدوره من سلطة قضائية ، إلا أنه لا تتبع بصدده الإجراءات القضائية المتبعة أمام المحاكم، وأن المحكم له استقلاله التام ، فهو لا يستمد سلطته من قضاء الدولة ، ولا يلتقي مع قضاء الدولة ، فالتحكيم نظام يسير فيه قضاء الدولة . و ويذهب أصحاب هذه النظرية إلى أن العدالة التي يقدمها التحكيم تختلف عن العدالة التي يقدمها القضاء؛ لأنها عدالة طبيعية أسبق في الظهور من قضاء الدولة ، مما يستتبع اختلاف التحكيم عن القضاء في البناء الداخلي ، وهذا الاختلاف ليس لأن الأول طريق اتفاقي والثاني طريق قانوني ، لأن التحكيم الإجباري لا يقوم على الاتفاق ، وليس لكون من يتولى التحكيم أفرادا عاديين ، في حين أن القضاة في الدولة يتولون القضاء لأن التحكيم قد يباشر قبل موظفين بحكم وظائفهم ، كما في التحكيم الإجباري.

أصحاب النظرية أن التحكيم لا يعد عملاً إرادياً بحتاً كالصلح ، ولا يعد عملا قضائيا بحتا كالقضاء العام الذي ينزل حكم القانون على النزاع بحكم مفروض على الأطراف ، وإنما يعد التحكيم عمل ذاتي مستقل ؛ لأنه ينطلق من اعتبارات خاصة يلزم مراعاتها بقدر الإمكان لتحقيق مصالح الخصوم ، وهي اعتبارات السرعة والفعالية في حسم النزاع مع مراعاة حاجة الخصوم إلى العودة مرة أخرى لتنفيذ ما بينهم من تعهدات دون عائق ، عملا على استقرار المعاملات واستمرارها ، والمحافظة على سريتها كلما لزم ذلك ، وهو ما يلائم التجارة الدولية ويشجع على نموها وتقدمها.