إن استقلال اتفاق التحكيم أصبح من المبادئ المستقرة في التحكيم التجارى الدولي وهذا هو ما يؤدى إلى تحقيق فاعلية التحكيم كضمانة للمستثمرين ويبعث في نفوسهم - الثقة والإطمئنان وذلك من خلال تحصين اتفاق التحكيم من كل أسباب البطلان التي تمس العقد ويجعل من التحكيم وسيلة لحسم المنازعات .
وبناء عليه فإن اتفاق التحكيم يظل قائما وصحيحا مهما حل بالعقد من بطلان فسخ أو إنقضاء وهو ما يسمى باستقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الذي يرد فيه هذا الاتفاق .
ويستند استقلال اتفاق التحكيم إلى أن هذا الاتفاق يعتبر عبارة عن عقد ضمن عقد آخر أو بمعنی آخر فإن اتفاق التحكيم يعتبر عقدا معادلا للعقد الأساس ويرجع ذلك إلى أن لكل من العقدين موضوعا مختلف عن الآخر فعلى الرغم من ورود اتفاق التحكيم في العقد الأصلي المتعلق به في أغلب الحالات ، إلا أنه يظل متميزاعنه بمحله الخاص به .
وذلك لأن محل اتفاق التحكيم هو عبارة عن عمل إجرائي بحت وهو منفصل عن العقد الأصلي الذي يتم إضافته إليه ، على نحو يجعل كل منهما عقدا متميزا عن الآخر ، حتى وإن كانوا في وثيقة واحدة .
حيث أن العمل الإجرائي محل شرط التحكيم إنما يتعلق بحسم المنازعات الناشئة عن العقد الأصلي الذي يهدف إلى تحديد حقوق والتزامات الأطراف الموضوعية .
وقد اعتمد هذا المبدأ – مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم – على القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي قامت بوضعه اليونسترال ليكون نموذجا تحتذى به الدول الأعضاء في تشريعاتها للتحكيم التجاري الدولي .
ولذلك أخذت به قوانين التحكيم الحديثة في مختلف الدول ومنها دول الخليج العربي التي أخذت تشريعاتها بمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم و سوف نقتصر على الدول محل البحث - وهي السعودية والإمارات والبحرين والكويت .
وقد نص المشرع السعودي في قانون التحكيم الجديد الصادر في عام 1433 هجرية في المادة 21 على أنه ( لا يترتب على بطلان العقد الاصلي الذي يتضمن شرط التحكيم أو فسخه أو إنهائه بطلان شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته ويعد شرط التحكيم الوارد في أحد العقود اتفاق مستقلا عن شروط العقد الأخرى ) .
ويلاحظ أن المشرع السعودي في قانون التحكيم القـديـم لـم تـرد فيه إشارة إلى استقلالية شرط التحكيم وبالتالي كان يجب على الأطراف في العقد وضع شرط التحكيم في اتفاق منفصل أو كتابته مع التأكيد على استقلاليته عن باقي شروط العقد حتى لا يؤدى ذلك إلى بطلان العقد أو فسخه الى بطلان شرط التحكيم .
وبناء على هذا النص : فإن اتفاق التحكيم يعتبر مستقلا بذاته عن العقد الأصلي الذي يتضمنه حتى ولو كان العقد الاصلى باطلاً أي أنه لا يوجد ارتباط بين كـل مـن صـحة العقد وشرط التحكيم المدرج فيه وبالتالي فإنه لا يتم الإحتجاج ببطلان العقد أمام هيئة التحكيم .
أيضاً من دول دول مجلس التعاون الخليجي التي أخذت بمبدأ استقلالية شرط التحكيم عن العقد الاصلى دولة البحرين في قانون التحكيم التجاري الدولي لديها الصادرفي سنة 1995 وليس الوطني .
فقد نص المشرع البحريني في قانون التحكيم الدولي في المادة :
16 والتي عنوانها اختصاص هيئة التحكيم بالبت في اختصاصها بقوله على أنه :( يجوز لهيئة التحكيم البت في اختصاصها ، بما في ذلك البت في أية اعتراضات تتعلق بوجود اتفاق التحكيم أو بصحته ، ولهذا الغرض ينظر إلى شرط التحكيم الذي يشكل جزءا من عقد كما لو كان اتفاقا مستقلا قانون التحكيم التجاري الدولي البحريني رقم 9 لسنة 1994 المادة 16 .
استقلال عن شروط العقد الأخرى وأي قرار يصدر من هيئة التحكيم ببطلان العقد لا يترتب عليه بحكم القانون بطلان شرط التحكيم ) .
وهكذا فإننا نجد أن دولة البحرين قد اعتمدت في قانون التحكيم التجاري الدولي لديها على القانون النموذجي للتحكيم التجارى الدولى لليوسترال بنصـه كـاملا ( وهو مختلف تماما عن قانون التحكيم الوطني المدرج في قانون المرافعات المدنية ) .
أما بالنسبة للامارات العربية المتحدة والكويت : فنجد أنه على الرغم من أن نصوصها لم تتطرق لمبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي إلا أن القضاء لدى بعضها قد استبق الأمر وقضى في الطعون التي تقدمت إليه ببطلان العقد مع بقاء شرط التحكيم صحيح أي أنه أقر استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلى .
وتطبيقاً لذلك كـان حكم القضاء اتجه القضاء في دبي إلى القول باستقلالية شرط التحكيم في حكم استئناف حيث قالت محكمة تميز دبي ( إن بطلان العقد المتضمن شرط التحكيم أو فسخه أو إنهائة ، لا يمنع من أن يظل شرط التحكيم ساريا ومنتجا لآثاره .
ما لم يمتد البطلان إلى شرط التحكيم ذاته باعتبار أن شرط التحكيم له موضوعه الخاص به والذي يتمثل في استبعاد النزاع المشترط فيه من ولاية المحكم .