إن النظام القانوني لاتفاق التحكيم يسيطر عليه، وبحكمه مهدأ استقلالية هذا الاتفاق، الذي كان نتيجة لتطور الاجتهاد القضائي مما جعل تقرير صحته كقاعدة مادية بمجرد وجوده في العقد نتيجة حتمية ومنطقية لا ترتب لهذا المبدأ من آثار تجعله غير قابل للإبطال وهو ما يؤكد فاعلية هذا الاتفاق والمبدأ الذي يحكمه.
2. مصادر مبدأ استقلالية الشرط التحكيمي:
يعود الفضل إلى الاجتهاد القضائي في بروز مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم وتطور نظامه القانوني، يمكن القول بأن القضاء الهولندي هو أول من قرر صراحة انفصال اتفاق التحكيم الدولي عن العقد الأصلي فصدر بتاريخ 1935 حكم عن المحكمة الهولندية يقضي بأنه في حالة تنازع الأطراف حول صحة أو بطلان العقد، فإن ذلك لا يمنع من اختصاص المحكم بالفصل في النزاع رغم صحة العقد الذي ورد به شرط التحكيم.
كما أصدر القضاء الألماني في 14 ماي 1952 حكمًا يقضي بأن مصير شرط التحكيم ينفصل تمامًا عن مصير العقد الذي يتضمنه وهو ما قرره القضاء الإيطالي في الحكم الصادر عن محكمة النقض الإيطالية بتاريخ 12 يناير 1959، من أهم الأحكام الصادرة في هذا الشأن أمام القضاء الفرنسي الحكم ماي 1963 في قضية GOSSET الذي أقر بأنه في مجال التحكيم الدولي فإن اتفاق التحكيم يتمتع باستقلال قانوني كامل، يستبعد معه أن يتأثر باحتمال عدم صحة أو بطلان هذا التصرف أكد القضاء الفرنسي في مسألة مدى تأثر اتفاق التحكيم بالعقد الذي يحتويه في قرار صادر18 ماي 1971 على استقلالية اتفاق التحكيم دون أي قيد في قضية IMPEX.
كما جاء قرار HECHT في نفس السياق فصلى في مدى تأثر اتفاق التحكيم بالعقد الأصلي أقرت محكمة النقض يتمتع شرط التحكيم باستقلالية كاملة، وبتاريخ 4 جويلية 1972 وبعبارات تكاد تتطابق مع عباراتها في حكم "جوسي" تأييدها لمحكمة استئناف باريس فيما ذهبت إليه من أن لشرط التحكيم استقلالًا قانونيًا كاملًا عن العقد الذي أدرج فيه.
نفس الإشكال أثير 4 قضية MUNICUCCI وقضت محكمة استئناف باريس سنة 1975 بأن هذا الشرط يكون صحيحًا ومستقلًا دون أي رجوع لقانون أية دولة بعد أن ذكرت بأن هذا الاتفاق في مجال التحكيم الدولي يشكل استقلالية تامة.
واستمرت محكمة النقض الفرنسية في تكريس هذا المبدأ في حكمها الصادرة 20 ديسمبر 1993 في قضية DALICO المعروفة والذي جاء فيه:
بأنه وفقًا لقاعدة من القواعد المادية في القانون الدولي للتحكيم، فإن شرط التحكيم يعد مستقلًا من الناحية القانونية عن العقد الأصلي الذي يتضمنه، وذهب إلى تقرير استقلاليته عن أي قانون وطني.
3. تكريسه في الأنظمة القانونية:
أي قانون التحكيم الداخلي؛
لم ينص القانون السابق على استقلالية الشرط التحكيمي ولكن بعض الاجتهاد والفقه اعتبر أن الشرط التحكيمي الذي يجب أن يوقعه الأطراف إلى جانب توقيعهم على العقد هو بحد ذاته توقيع على عقد في العقد.
ولأن قانون التحكيم الداخلي لم يتبن نظرية استقلالية الشرط التحكيمي وبالتالي فإن منازعة أحد الطرفين بصحة العقد تشل اختصاص المحكمين.
وقد أيد القانون 08-09 هذا الاتجاه فجاء في المادة 1040 في فقراتها الأخيرة: "لا يمكن الاحتجاج بعدم صحة اتفاقية التحكيم، بسبب عدم صحة العقد الأصلي".
4. آثار استقلالية الشرط التحكيمي:
أ. الآثار المباشرة:
1- عدم ارتباط مصير اتفاق التحكيم بمصير العقد:
إن أهم أثر يركبه مبدأ استقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي مما يجعله أكثر فعالية في حل النزاع عن طريق التحكيم هو عدم ارتباط مصير اتفاق التحكيم بمصير العقد الأصلي ويعني ذلك أن وجود وصحة وسريان اتفاق التحكيم لا يتوقف أو يتأثر بمصير العقد الأصلي.
ويشترط لكي يترتب على استقلال اتفاق التحكيم هذا الأثر أن يكون هذا الاتفاق في حد ذاته صحيحًا، فلو أن العيب الذي يمس العقد من شأنه أن يمس أيضا اتفاق التحكيم (كعيب الرضا مثلا) فإنه يبطل الاتفاقين معًا ولا يكون لمبدأ الاستقلالية في هذه الحالة أي أثر.
2- خضوع اتفاق التحكيم لقانون يختلف عن القانون المنظم للعقد الأصلي:
إن إعمال هذا المبدأ يترتب عليه إمكانية إخضاع اتفاق التحكيم لنظام قانوني يختلف في طبيعته وفي مصادره عن ذلك الذي يحكم العقد سواء تم إخضاع اتفاق التحكيم الي قانون محدد بتطبيق قواعد الاسناد التقليدية او تم اخضاع اتفاق التحكيم كما هو الحال في الاتجاه الحديث لقضاء تطبيق قواعد مادية.
فلا يشترط ان يخضع اتفاق التحكيم لنفس القواعد القانونية التي تحكم العقد فيجوز للاطراف اختيار قانون معين يحكم العقد واخر يحكم اتفاق التحكيم، كما يجوز ان يخضع اتفاق التحكيم لقاعدة اسناد خاصة به تتولي تحديد القانون الواجب التطبيق او ان يخضع لقاعدة مادية.
- اختصاص المحكم بالفصل في اختصاصه:
ويعتبر المبدأ الذي يمنح للمحكم سلطة الفصل في مدى اختصاصه قاعدة من القواعد الأساسية في القانون التحكيم، ويري بعض الفقه ومنهم E. GAILLARD الذي يذهب إلى القول بأن هذا يعتبر بمثابة المبدأ الملازم لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم، لأن منح اتفاق التحكيم استقلالية في مواجهة العقد والقانون الواجب التطبيق عليه تبقى غير كافية إذا منحنا للجهات القضائية صلاحية الفصل في اختصاص الهيئة التحكيمية فتبقى هذه الاستقلالية دون فائدة.
II- استقلالية اتفاق التحكيم عن أي قانون وطني وإقرار مبدأ صحة اتفاق التحكيم:
لقد جاء مبدأ الاستقلالية ليعزل اتفاق التحكيم مما يمكن أن يصيب العقد الأصلي من عيوب واتخذ تدريجيًا اتجاهًا جديدًا جاء ليكمل هذه الغاية مما يترتب عنه نتيجة جديدة جاءت في نفس المسعى وهي إفلات هذا الاتفاق من القوانين الوطنية ومنهج التنازع مما يجعل هذا الاتفاق صحيحًا بمجرد وجوده في العقد الدولي بموجب إرادة الأطراف، ولقد أقرت اتفاقية نيويورك مبدأ صحة اتفاق التحكيم وذلك في المادة 2.