الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / استقلال شرط التحكيم / الكتب / قضاء التحكيم / استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلى

  • الاسم

    م.د محمد ماهر ابو العنين
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    مؤسسة دار الكتب
  • عدد الصفحات

    1156
  • رقم الصفحة

    512

التفاصيل طباعة نسخ

استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلى

    ويذهب رأى آخر نرجحه إلى أنه ليس من المقبول التنكر لسلطة المحكمين فى الفصل في مسألة اختصاصهم بنظر المنازعات الناشئة عن العقد الأصلي في الحالة المذكورة لأن هذا التنكر يقوض نظام التحكيم من أساسه، إذ يكفى لسلب اختصاص المحكمين بتلك المنازعات إثارة بطلان هذا العقد ولو كان في الحقيقة غير باطل، كما أن الفصل في مسألة الاختصاص ليس فقط حقا ) للمحكمين بل هو واجب عليهم أيضا بحيث يكون لهم الفصل في هذه المسألة من تلقاء أنفسهم لمعرفة ما إذا كان النزاع المعروض عليهم داخلا ضمن المسائل التي اختصوا بها طبقا لشرط التحكيم من عدمه. وأخيراً فإنه كيف نتصور إنكار سلطة المحكمين فى الفصل في مسألة اختصاصهم بنظر النزاع متى استندت هذه السلطة إلى إتفاق التحكيم الذى يعتبر دون سواه – قانون أطرافه.

     ونحن نؤيد هذا الرأى لسبين: الأول هو أنه يجد أساسه في استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلى ولو ورد كبند من بنوده إذ يعتبر هذا الشرط عقدا داخل العقد الأصلي، ومن ثم يبقى شرط التحكيم ولو بطل العقد الأصلى مما يستتبع خضوع النزاع للمحكمين ويكون لهم الفصل في مسألة اختصاصهم بنظره، أما  السبب الثاني فهو أن حكم المحكمين لايفلت من رقابة المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع، حيث يجوز الطعن أمامها ببطلان هذا الحكم متى كان قد صدر بناء على شرط تحكيم باطل أو إذا كان قد خرج عن حدود هذا الشرط أو كان قد قضى للخصم بغير طلباته. لذا قبل بأنه إذا طلب بطلان أو فسخ العقد الأصلى الذى يتضمن شرط التحكيم فإن مجرد هذا الطلب لا يحول دون إعمال شرط التحكيم.

     وعلى ذلك فمبدأ إستقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي يجد تطبيقاً مطلقا في حالة بطلان العقد الأصلى للإستغلال أو الغبن فيظل شرط التحكيم صحيحاً على الرغم من إبطال العقد الأصلي لهذا السبب.

    والخلاصة أن شرط التحكيم له موضوع خاص هو الفصل في النزاع الذي يحتمل نشؤه في المستقبل بواسطة هيئة تحكيم. وبالتالي فمحل شرط التحكيم هو عمل إجرائي بحت وهو محل منفصل ومستقل تماما عن موضوع أو محل العقد الأصلي، واختلاف المحل يجعلنا إزاء عقدين منفصلين هما الاتفاق المنشئ للعلاقة القانونية الأصلية، ثم الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم حينما ينشأ النزاع وهو موضوع أو محل شرط التحكيم. والمادة ۲۳ من قانون التحكيم المصرى تنص على مبدأ الاستقلال بكل ما يترتب عليه من آثار فبطلان أو إنهاء أو فسخ العقد الأصلى لا يمس شرط التحكيم الصحيح في ذاته. وقد كانت المادة ٥٠١ مصرى التى تم الغاؤها بصدور قانون التحكيم المصرى الجديد سنة افعات مر ١٩٩٤ تجيز اللجوء إلى شرط التحكيم وتعتبره أمر مستقل عن الاتفاق الأصلى كما كانت تعتبره وعدا بالتعاقد على التحكيم حينما ينشأ النزاع. والمادة ٢/١٠ من قانون التحكيم المصرى الجديد تعتبر شرط التحكيم كافي بذاته لتحريك الدعوى أمام هيئة التحكيم ويحدد المدعى موضوع الدعوى في بيان الدعوى المقدم إلــى هيئة التحكيم وفيما يتعلق بهيئة التحكيم وإجراءات تعينها فقد نظمت ذلك المادة ١٧ من قانون التحكيم المصرى وقد عددت المادة العاشرة من قانون التحكيم المصرى الصور التي يتصور أن يرد فيها شرط التحكيم، وهي حالات وروده كبند في الاتفاق الأصلى، أو وروده كإتفاق مستقل عن الاتفاق الأصلي، وهناك صورة ثالثة لهذا الشرط وهى كل إحالة ترد في العقد إلى وثيقة تتضمن شرط التحكيم إذا كانت هذه الإحالة واضحة فى اعتبار هذا الشرط جزء من العقد وفي مثل هذه الحالة يكون شرط التحكيم مدرج فى وثيقة أخرى غير العقد الذي نشأ عنه النزاع.

    ولكن يشترط للقول باستقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي أن يكون اتفاق التحكيم كعقد قد أبرم صحيحاً متوافرة أركان وجوده وصحته القانونيــة مــن رضا وأهلية ومحل وسبب، وإلا فلا محل لتطبيق مبدأ الاستقلال. إذ إن الهدف من إعمال مبدأ الاستقلال حماية اتفاق التحكيم الصحيح، وجعله في منأى من أي عيب قد يلحق العقد الأصلي. وبالتالي ليس منه جعل اتفاق التحكيم الباطل لأى سبب من أسباب البطلان كتخلف الرضا والأهلية والمحل والسبب اتفاقا صحيحا.

   ولقد ساير المشرع المصرى الاتجاهات التشريعية والقضائية الحديثة بخصوص الاعتراف باستقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي في المعاملات الداخلية والدولية على السواء نظراً لما يحققه هذا الحل اقتصاد في والإجراءات فبدلا من أن يوقف المحكم نظر النزاع حتى يفصل القضاء العادي في صحة العقد، فإن المحكم يتولى بنفسه الفصل في هذه المسألة، وهو ما يعرف اصطلاحاً "الاختصاص بالاختصاص"، فإذا قضى بصحة العقد ظلت الإجراءات مستمرة فى طريقها المرسوم، وإذا قضى بالبطلان انهار العقد وفي بعض الحالات التحكيم أيضاً، والواقع أن مبدأ استقلالية شرط التحكيم يمنع التداخلات الإجرائية بحيث لا يستطيع أحد أطراف النزاع أن يعطل إجراءات التحكيم بسوء نية.

     وقد ترتب على إقرار هذا المبدأ بالنسبة للعلاقات الدولية أو ذات الطرف الأجنبي، الخروج بها من الإطار الداخلى أو الوطنى إلى مفهوم أوسع ومفهوم مغاير يتفق مع مقتضيات العلاقة الدولية الخاصة وهو:

أولاً: التخلى عن الطرق التقليدية لتحديد القانون الواجب التطبيق الذي يحكم العقد الأصلي والذي قد يمتد ليشمل اتفاق التحكيم ذاته، وحيث يكون مناط صحة أو بطلان هذا الأخير القواعد التي يتطلبها القانون الواجب التطبيق، فإذا كان قانون أجنبيا تحددت شروط صحة اتفاق التحكيم علـى هــدى أحكامه بغض النظر عن القواعد الواردة في القانون الوطني وحتى إن كان هو القانون الواجب التطبيق على العلاقة الأصلية، بل وحتى لو جرى عمل التحكيم بالإقليم الوطني.

   وبالتالي، يمكن أن يعد اتفاق التحكيم (شرط) التحكيم ) صحيحاً وملزماً رغم مخالفته لبعض الشروط التي يقتضيها القانون الداخلي.

ثانياً: إذا كان محل التحكيم فى الخارج أو كان اتفاق التحكيم (شرط التحكيم ) يشير إلى تطبيق قواعد هيئة تحكيم دائمة موجودة في الخارج فإن القواعد المعمول بها في بلد محل التحكيم أو تلك الواردة فى نظام هيئة التحكيم الدائمة تكون هى واجبه التطبيق فى شأن صحة أو بطلان اتفاق التحكيم دون حاجة إلى الرجوع لأحكام القانون الوطني في هذا الخصوص.

ثالثاً: لا تسرى على العلاقات المتعلقة بمعاملات دولية القيود الواردة في القانون المصرى بالنسبة لشروط صحة اتفاق التحكيم (شرط التحكيم) فاتفاق التحكيم يستمد قوته الإلزامية من مبدأ مباشرة بوصفة مبدأ دوليا ينطبق استقلالا دون تقيده بأى إسناد إلى قانون وطني داخلي أو أجنبي.

رابعا: إمكان خضوع اتفاق التحكيم (شرط التحكيم ) من منظور مبدأ استقلالية شرط التحكيم لقاعدة إسناد خاصة تشير إلى تطبيق نظام قانوني يختلف عن القانون الوطني الذي يحكم العقد الأصلى ومن ناحية أخرى، ذلك أن مبدأ الاستقلالية قد يؤدى كما كشف التطبيق العملي إلى تجاوز اللجوء إلى قواعد الإسناد كأسلوب فنى لحل مسألة تنازع القوانين.