تقضي القواعد العامة بأنه: في حالتي بطلان العقد أو فسخه يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، وهو ما يعني محاولة محو كل آثار العقد وما يرتبط به من حقوق أو التزامات، حيث تعتبر كل بنوده وأحكامه كأن لم تكن. والمعتاد كما نعلم أن يرد شرط التحكيم في مجرد بند من بنود العقد الأصلي، ومن ثم يثور التساؤل عن مصير ذلك الشرط إذا كان العقد الأصلي باطلاً أو تقرر نسخه، هل تنال آثار البطلان أو الفسخ - كما تقضي القواعد العامة- من شرط التحكيم ذاته، بحيث يزول مع باقي التزامات العقد أم يظل قائما مستقل؟
ومن النصوص القانونية التي يمكن الاستشهاد بها في هذا المقام | نص المادة ۲/۲۱ من قواعد اليونسترال التي تنص على أنه: «يعامل شرط التحكيم الذي يكون جزءا من عقد... بوصفه اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى. وكل قرار يصدر من هيئة التحكيم ببطلان العقد لا يترتب عليه بحكم القانون بطلان شرط التحكيم». كما يمكن الاستدلال أيضا بنص المادة ۲۳ من قانون التحكيم المصري : «يعتبر شرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى، ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه، إذا كان هذا الشرط صحيحة في ذاته».
وإذا كانت مختلف النظم القانونية تحرص على كفالة استقلال شرط تحكيم الذي يتجسد في مجرد بند من بنود العقد الأصلي - على اعتبار أن هذه هي الصورة الشائعة - فإن الاستقلال يمتد أيضاً - ومن باب أولى - ليشمل كلا من شرط التحكيم الوارد في صورة اتفاق مستقل أو في صورة مشارطة التحكيم. ويبرر هذا الاستقلال من الناحية القانونية - في جميع الأحوال - أن «لكل من الشرط والعقد الأصلى محلاً مختلفة، فيحل الشرط هو الفصل في منازعة يمكن أن تنشأ بشأن العقد، أما محل العقد فهو أمر آخر يختلف حسب نوع العقد الذي يكون بيعاً أو مقاولة... إلخ. ومن ناحية أخرى، فإن سبب كل منهما مختلف، فالسبب في الشرط هو تعهد كل طرف بعدم الالتجاء إلى قضاء الدولة بالنسبة لما يثور بينهما من نزاع حول عقد معين، أما السبب في العقد الأصلي فهو أمر مختلف تماما» ، وهو ما يعني انفصال موضوع شرط التحكيم وغايته عن موضوع العقد الأصلى و غايته، ولذا تكون النتيجة المنطقية: هي استقلال كل منهما عن الآخر. وبعبارة أخرى فإن «اتفاق التحكيم هو عقد حقيقي له تفرده الذاتي، وله موضوعه، وله سبه، وليس ظلا للعقد الأصلي، ولا يختلط بموضوع وسبب ذلك العقد، الموضوع اتفاق التحكيم هو تسوية النزاع بين أطرافه بطريق التحكيم، وهذا امر إجرائي. أما موضوع العقد الأصلي، فهو تنظيم حقوق ومراكز قانونية تهم الأطرف، وهذا أمر موضوعي، وسبب اتفاق التحكيم هو رغبة الأطراف في قلب النزاع من قضاء الدولة وتخويله قضاء التحكيم، وهذا أمر إجراني، أما من العقد الأصلي، فهو الباعث الدافع الذي حمل الأطراف على التعاقد، وهو يقاس بمعيار شخصي يختلف من شخص إلى آخر باختلاف أنواع العقود.
استقلال شرط التحكيم الإلكتروني:
2- لا يظل شرط التحكيم الإلكتروني اتفاقة قائمة بذاته داخل الاتفاق ( الأصلي، وكأن الورقة التي تتضمنهما تشتمل على عقدين منفصلين: العقد موضوع الالتزام وعقد التحكيم، ومن ثم فإن ص حة العقد الأول أو بطلانه لا تؤثر على صحة العقد الثاني أو بطلانه والعكس صحيح.
٣- يرتبط بما سبق أن قرار المحكم ببطلان العقد الأصلي لا يؤدي إلى بطلان شرط التحكيم، ما لم يكن هذا الشرط بدوره باطلا لأسباب ذاتية مستمدة منه. فالشرط كما نعلم له أركاته الخاصة من رضا ومحل وسبب، وبالتالي إذا وجد عيب في هذه الأركان كان الشرط باطلا، ليس لبطلان العقد الأصلي - في حالة تقريره - ولكن لأن أركان الشرط ذاتها شابها البطلان، ولذا فمن المنصور في مجال التحكيم الإلكتروني أيضا أن يكون العقد والشرط باطلين معا أو يكون أحدهما صحيحا والآخر باطلا، وذلك بسبب وجود اتفاقين مستقلين عن بعضهما تمام الاستقلال. وبذلك ننتهي إلى أن جمعية التحكيم الأمريكية تساوی مطلقا في مجال استقلال شرط التحكيم بين التحكيم التقليدي والتحكيم الإلكتروني، حيث تعترف لشرط التحكيم الإلكتروني بما تعترف به لمثيله التقليدي من استقلال کامل و تام عن العقد الأصلي.
ومن المتصور ألا يختلف الحال في مجال التحكيم الإلكتروني. فلما كان جهاز الكمبيوتر في حاجة إلى كائن حي لتزويده بالمعلومات والوثائق المتعلقة بالدعوى - حيث لا يمكنه كآلة صماء القيام بهذه المهمة بمفرده - فإن السكرتارية تمثل بالنسبة للتحكيم الإلكتروني - وكما عبرت المادة ۲/أ من تنظيم محكمة الفضاء - قلم الكتاب بالنسبة للمحاكم العاديةL'expression Secretariat designe le greffe du tribunal arbitral» وقد جاوز تنظيم محكمة الفضاء بمهام السكرتارية الأعمال الإجرائية التي تسند إليها عادة مقررة تكليفها بالعديد من المهام الموضوعية، التي ستتضح لنا معالمها لاحقا في مواضع متفرقة من دراستنا مثل تعيين المحكمين، وتحديد عددهم، الوتعيين رئيس هيئة التحكيم في أوضاع معينة... إلخ.