الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / استقلال شرط التحكيم / الكتب / شرط التحكيم بالإحالة / استقلال اتفاق التحكيم البحرى في القوانين الوطنية

  • الاسم

    د. محمد عبدالفتاح ترك
  • تاريخ النشر

    2006-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    902
  • رقم الصفحة

    212

التفاصيل طباعة نسخ

استقلال اتفاق التحكيم البحرى في القوانين الوطنية

 أولاً :استقلال التحكيم البحرى في فرنسا

   حيث أقرت الدائرة المدنية بمحكمة النقض الفرنسية في 7 مايو سنة ١٩٦٣ مبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي. وقد أبرز الحكم لأول مرة "إنه في مجال التحكيم الدولى يتعين إعطاء عبارة اتفاق التحكيم مفهوما موحدا يعامل على قدم المساواة شرط التحكيم الوارد فـــي نصـــوص عقـد ومشارطة التحكيم التي أبرمت استقلالا بحيث يتمتع الإثنان بذات القدر من الاستقلالية.

    وقد أكدت محكمة النقض ذات المبدأ في قضايا ”Impex الخاصة بتصدير الحبوب حيث خلص القضاء الفرنسي إلى أن "بطلان العقود الأصلية لعدم مشروعيتها بسبب الغش لا يؤثر على صحة شرط التحكيم الذي يتعين النظر إليه استقلالا.

    ومن أهم القضايا البحرية التي طبقت من خلالها محكمة النقض الفرنسية مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلى نجد قضية - San Carlo، قضية "Galakis، ففى القضية الأولى قضية السفينة San Carlo كان هناك شرط تحكيم في سند شحن طرفه أحد الأشخاص المعنوية العامة وطبقاً لشرط التحكيم يتم إحالة كافة الأنزعة التي ستنشأ عن عملية النقل البحرى اسطة السفينة المذكورة خلال رحلتها من أثيوبيا إلى مرسيليا للتحكيم فيها أمام ثلاثة محكمين في مدينة جنوة الإيطالية وفقاً للقانون الإيطالي.

    وقد قام الشخص المعنوي العام بالطعن أمام محكمة النقض الفرنسية ببطلان شرط التحكيم على أساس أن المسألة تتعلق بالأهلية ومن ثم يطبق القانون الفرنسي لتحديد أهلية هذه المنشأة العامة .

    أما قضية السفينة "Galakis فتتعلق بنزاع خاص بعقد مشارطة تم إبرامه في لندن ۱۹۴۰ بين وزارة النقل البحرى الفرنسية، ومالك السفينة اليونانية Galakiis" وكان من بين بنود المشارطة شرطا يقضى بإحالة أى نزاع ينشأ عن هذا العقد للتحكيم في لندن، وصدر حكم التحكيم، إلا أن وزارة النقل البحرى دفعت بعدم أهليتها للتحاكم وفقا لأحكام القانون الفرنسي ومن ثم امتنعت عن التنفيذ.

   لذلك يمكن القول أن القضاء الفرنسي قد أخذ بمبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي.

ثانياً : استقلال اتفاق التحكيم البحري في انجلترا

      إلا أن الفقيه Schmintthoff وقف موقفا وسطا بين رأى كل من اللورد "MacMillan صاحب القاعدة التقليدية التي تقضى بارتباط العقد الأصلى وشرط التحكيم وجودا وعدما وبين رأى اللورد ”Diplock“ الذي قال بذاتية اتفاق التحكيم.

    حيث قال الفقيه Schmitthoff أنه بالرغم من أن القاعدة التقليدية ما زالت قائمة، إلا أنها لا تتمشى مع الاتجاه الحديث في التحكيمات المعاصرة.

    وانعكس رأى الفقيه Schmitthoff على آراء العديد من الفقهاء حيث عرض للقاضى Stern مقال تحت عنوان استقلال اتفاق التحكيم "Separability of arbitration clause حيث عرض القواعد التالية:

1 - إذا تبين أن العقد الذى تضمن شرط التحكيم لم يبرم أصلا، فإن التحكيم لا يكون مستندا إلى أى أساس ممكن.

2- إذا كان العقد الأصلى باطلا بطلانا مطلقا بحيث يكون غير قائم قانونا منذ البداية فإن شرط التحكيم يأخذ ذات الحكم.

3- تفسير العقد الأصلى والخلاف حول تفسير إرادة أطرافه أو تصحيح بطلانه النسبي لاحقا لا يؤثر على وجود صحة اتفاق التحكيم.

4 - إذا تم فسخ العقد أو إنهاؤه لأى سبب من الأسباب، سواء لعدم تنفيذ الأطراف لالتزاماتهم أو لصيرورة ذلك متعذرا أو مستحيلا، فإن ذلك لا يؤثر على وجود واستمرار اتفاق التحكيم .

    وهكذا نجد أن القضاء في انجلترا يأخذ بمبدأ الفصل بين شرط التحكيم وبين العقد الذي ذكر فيه هذا الشرط، وأنه في حالة عدم وجود أي اتفاق آخر بين الأطراف فإن اتفاق التحكيم (سواء كتابة أو غير ذلك) يعتبر منفصل عن العقد الأصلى فإذا ما حكم بأن العقد الأصلى غير صالح invalid أو غير موجود أصلا "Non - existent أو غير مؤثر أو غير فعال Ineffective فإنه بالرغم من ذلك فإن شرط التحكيم يبقى ساري المفعول ويعمل به .

في الدعوى المقامة بين:

H. L. Bremmer Vulkan V. South India Shipping"

    حيث أبرم عقد بين مالك ألماني الجنسية "Bremer Vulkan وشركة ألبانية لبناء السفن "South India Corporation وذلك من أجل بناء خمس سفن تجارية.

    إلا أنه قام نزاع بين الطرفين لعدم قيام شركة البناء بمراعاة شروط البناء حسب ما جاء في العقد المبرم بين الطرفين فقام المالك بطلب التعويض. فطعنت الشركة ودفعت بتقادم الدعوى لرفعها بعد فوات المدة المحددة لذلك.

وقد جاء في تقرير اللورد Diplock“:

   "إن شرط التحكيم يشكل عقدا مستقلا بذاته، ويقف جنبا إلى جنب مع عقد بناء السفينة ذاته. وبالرغم من حدوث إخفاق من قبل الأطراف في تنفيذ الالتزامات الناشئة عن العقد، إلا أن شرط التحكيم يبقى للفصل في هذه المسائل .

   هناك دعوى أخرى تعرف باسم دعوى السفينة ”Hannah“ حيث كان النزاع يتعلق بعقد بيع السفينة المذكورة ، وقد تم الدفع ببطلان شرط التحكيم وكذلك بطلان الحكم الصادر بناء عليه للتأخير في رفع الدعوى. فقد جاء حكم القاضي اللورد Diplock حيث فرق بين ما يعرف بالالتزامات الأساسية التي تقع على عاتق الأطراف، وكذلك الالتزامات القانونية التابعة للالتزامات الأساسية، وأن يترتب على خرق العقد انقضاء التزامات الأطراف الأساسية.

ثالثا استقلال اتفاق التحكيم البحرى في الولايات المتحدة الأمريكية

   مما لا شك فيه أن نظم الدول ذات التقاليد الانجلوامريكية تحتل مكانة خاصة من حيث موقفها إزاء مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم ويرجع ذلك إلـى مـا يتسم به النظام الانجلو امريكي من سمة إطلاق الحرية للأطراف لاختيار اللجوء إلى التحكيم دون التقيد بضرورة تعيين أفراد المحكمين سلفا، هذا بالإضافة إلى وجود رقابة قضائية مستمرة يخضع لها التحكيم بحيث تتيح لأحد الطرفين اللجوء إلى المحاكم العادية للطعن في أحد الإجراءات وتسيير التحكيم على النحو الذي يحدده القضاء.

   وقد رأينا أنه طبقا للقضاء الانجليزى وكذلك قانون التحكيم الانجليزي لسنة ١٩٩٦ أن الوضع قد استقر على مبدأ فصل اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي.

رابعا : استقلال اتفاق التحكيم البحرى في مصر

    مما لا شك فيه أن تطور التحكيم التجارى الدولى وتأكيده لدوره الفعال والإيجابي لحل المنازعات التي تثيرها التجارة الدولية، كان له دورا هاما وكبيرا في أن يتمتع شرط التحكيم بالأصالة والاستقلالية.

 والملاحظ أن قانون التحكيم المصرى رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤ قد نص صراحة على مبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلى من خلال نص المادة الثالثة والعشرين والتي تنص على أن يعتبر" شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى، ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهاؤه أى أثر على شرط التحكيم الذى يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته".

   ويتضح من نص المادة ۲۳ من قانون التحكيم المصرى أن المشرع المصرى قد تصدى صراحة وحسم الجدل القائم و اختلاف الرأى حول استقلالية أو عدم استقلالية اتفاق التحكيم في علاقته بالعقد الأصلي الذي يربط بيــن الأطراف.

    كما أنه يترتب على استقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي أن بطلان العقد أو فسخه، لا يكون له أى أثر على شرط التحكيم الذي يبقى قائما ويجب إعماله ما دام أن الشرط ذاته صحيح، وفى هذه الحالة يحال النزاع إلى التحكيم بالرغم من أن العقد ككل باطل أو تم فسخه.

    وقد ساير المشرع المصرى الاتجاهات التشريعية والقضائية الحديثة بخصوص الاعتراف باستقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلى في المعاملات الداخلية والدولية على السواء.