اتفاق التحكيم / أثار شرط التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / التحكيم في عقود الدولة ذات الطابع الدولي وسلطة الادارة في انهاء العقد بإرادة منفردة / الآثار المترتبة على مبدأ استقلال اتفاق التحكيم
يترتب علي اعتناق مبدأ اتفاق التحكيم عن العقد الاصلي استقلال مصير اتفاق التحكيم عن مصير العقد الاصلي وهي نتيجة منطقية لتطبيق مبدأ الاستقلالية بين اتفاق التحكيم و العقد . كما يترتب أيضا على مبدأ اتفاق التحكيم إمكانية خضوع اتفاق التحكيم لقانون غير الذي ل يطبق علي العقد .
عدم ارتباط مصير اتفاق التحكيم بمصير العقد الاصلي
يترتب علي مبدأ استقلال اتفاق التحكيم أثر هام يتمثل في عدم تأثر اتفاق التحكيم فيما يتعلق من صحة هذا الاتفاق ونفاذه بما قد يتعرض له العقد الاصلي مصير من بطلان أو فسخ أو إنهاء، فقد يصبح العقد الاصلي باطلا أو مفسوخا أو يتم إنهاءه بإرادة منفردة من جانب الدولة المتعاقدة ورغم ذلك يظل اتفاق التحكيم صحيحا نـافـذا فـي حـق الطرفين المتعاقدين ولكن يجب لترتيب هذا الأثر ان يكون اتفاق التحكيم صحيحا في ذاته . وعلي ذلك فإذا كان العيب الذي يمس العقد من شأنه ان يمس أيضاً اتفاق التحكيم – كعيب الرضا مثلا – فان كلا منهما يكون باطلا ولا يكون لمبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الاصلي أثرا يذكر -
امـا إذا كان العيب يصيب العقد الأصلي فقط فهنا يمكن التمسك بمدأ استقلالية اتفـاق التحكيم عن العقد.
وبذلك ميز انصار هذا الإتجاه بين الانعدام والذي يشمل اتفاق االتحكيم و ينفي قاعدة استقلال التحكيم عن العقد ، وبين بطلان العقد و الذي لا يؤثر علي اتفاق التحكيم و يسمح بالتمسك بقاعدة استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الاصلي .
وقد أيدت محكمة النقض الفرنسية ذلك الإتجاه وقررت في حكمها الصادر في 10 يوليو ١٩٩٠ في قضية شركة " Cassia" ضد شركة " pia investemants " بأنه ' في اطار التحكيم الدولي فان مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم يتقيد بوجود الاتفاق الاصلي الذي يتضمن شرط التحكيم المتمسك به من حيث الشكل : وبذلك تكون محكمة النقض الفرنسية قد قررت ان انعدام العقد الاصلي يترتب عليه انعدام اتفاق التحكيم ، وانها تبنت التفرقة بين انعدام العقد وبطلانه ورتبت علي الأول انعدام اتفاق التحكيم اما الاخير فيترتب علیه استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الباطل .
وذهب جانب فقهی آخر :- الي ان الي ان التفرقة بين بطلان العقد وانعدامـه تفرقة لا مبرر لها ، وان من شأن هذه التفرقة ان يفتح الباب مرة اخري امام الوسائل الاحتيالية التي استهدف مبدأ استقلال اتفاق التحكيم تفاديها .
ويري انصار هذا الإتجاه ان استبعاد اختصاص المحكم لا يترتب علي مجرد الادعاء بعدم وجود العقد ، فللمحكم ان يفحص الاساس الصحيح لهذا الادعاء فإذا ثبت له بالفعل انعدام العقد الاصلي فيجب عليه ان يقضي بعدم اختصاصه ، إذا اتضح ان هذا الانعدام يلحق أيضاً اتفاق التحكيم كنتيجة لأنعدام العقد الاصلي .
وقد استند انصار هذا الإتجاه الي الاتفاقية الأوربية بشأن التحكيم الدولي المبرمة في جينيف عام ١٩٦١ و التي رفضت بشكل صريح التفرقة بين مسألتي البطلان و الانعدام - من وجه نظرهم - و ذلك بنصها علي ان لمحكمة التحكيم ان تفصل في مسألة وجود صحة العقد الذي يشكل اتفاق التحكيم جزءا منه .
2 - كما انهم استندوا أيضا الـي لوائح التحكيم المؤيدة لهذا الإتجاه ، علي سبيل المثال ماذهبت آلية لائحة التحكيم الخاصة بغرفة التحكيم التجاري الدولي بباريس ICC والتي ذهبت الي ان البطلان أو الانعدام المدعي بهما في شان العقد لا يؤديان الي عدم اختصاص المحكمة ( مادة ٤/٨٢ ).
و أيضا لائحة الجمعية الامريكية للتحكيم ( مادة ١/١٥) ، كما رفضتها لانحـة التحكيم الصادرة عن لجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي ( مـادة ٢/٢١ ) و القانون النموذجي الصادر في نفس اللجنة المذكورة عام ١٩٨٥ ( ١/١٦) والتي عدلت فيما بعد في المادة (۱/۲۳) القانون النموزجي وفقا لتعديلات يوليو۲۰۱۰ .
ونحن نميل لتأييد الرأى الأول : والذي يقوم بالتفرقة بين حالة انعدام العقد وحالة بطلانه . لأن الانعدام يفترض عدم توافر الرضا وعدم توافر الرضا يشمل كلا من الاتفاق الاصلي - العقد ـ واتفاق التحكيم.
فانعدام الرضا يؤدي لأنعدام وجود العقد ، وكذلك اتفاق التحكيم الذي يتضمنه ، اما في حالة بطلان العقد فان هذا البطلان لايؤدي بالضرورة لبطلان اتفاق التحكيم والذي قد لا كون متعلق به .
وبالنسبة لما استند اليه انصار الإتجاه الثاني لتدعيم رأيهم برفض التفرقة بين البطلان و انعدام العقد ، فانه يقوم علي الدمج
والارتباط بين مبدأين منفصلين هما : مبدأ اختصاص المحكم بالفصل في اختصاص ، ومبدأ استقلال التحكيم .
فألأول يقوم علي سلطة المحكـم فـي الفـصل فيما إذا كـان مختصا بالفصل فـي النـزاع المعروض عليـه أم لا ، اما المبدأ الثاني فيقوم على استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الاصلي علي الرغم من بطلانه أو فسخه أو انهاؤه .
امـا حجتهم الثانية و القائمة علي تأييد معاهدة جنيف الموقعة في ١٩٦١ ولائحة التحكيم الخاصة بغرفة التحكيم التجاري الدولة بباريس ICC، و أيضا لائحـة التحكيم الدولي بهيئة التحكيم الامريكية AAA و القانون النموذجي الصادر عن لجنه الامـم المتحدة للقانون التجاري الدولي ١٩٨٥ ولائحته الصادرة عن نفس اللجنة المذكورة وتعديلات نفس القانون في المادة (۱/۲۳) في يوليو عام ۲۰۱۰.
وقد رأي انصار هذا الإتجاه تأييد لوائح التحكيم سالفة الذكر لرفض التفرقة بين البطلان و الانعدام حجة لا يمكن التسليم بها حيث ان التفاقية جنيف لم تتعرض صراحة لمبدأ استقلال اتفاق التحكيم ، اما لأنحة التحكيم النافذة لدعي غرفة التجارة الدولية فقد نصت صراحة علي ان يظل المحكم مختصا حتي في حالة عدم وجود العقد أو بطلانه ، اما لائحـة التحكيم بهيئة التحكيم الامريكية فأنها نصت علي مبدأ استقلال اتفاق التحكيم دون ان تنص صراحة علي الآثار المترتبة علي هذا المبدأ .
اما لائحة التحكيم الصادر عن لجنة الامم المتحدة ١٩٧٦ و القانون النموذجي الصادر عن نفس اللجنة عام ١٩٨٥ وتعديلاته في يوليو۲۰۱۰ فقد اشار صراحة الي عدم تأثر اتفاق التحكيم ببطلان العقد الاصلي دون أن يشير لحالة انعدام العقد .
و بذلك تكون غرفة التجارة الدولية دون غيرها هي التي اقرت مبدأ استقلال اتفاق التحكيم في حالة انعدام العقد وحالة بطلانه وهو ما يضعف من حجة انصار الإتجاه الثاني القائل بعدم التفرقة بين انعدام العقد و بطلانه .
الخلاصة :
الأثر المترتبة علي مبدأ استقلال التحكيم وهو عدم تأثر اتفاق التحكيم ببطلان العقد أو نسخه أو انقضاءه اما انعدام العقد فأنه يترتب عليه – إستثناء - عدم استقلال اتفاق - التحكيم و امتداد هذا الانعدام له.
وبناء على ما تقدم فان قيام الدولة المتعاقدة بإنهاء العقد ذو الطابع الدولي بإرادة منفردة لدواعي المصلحة العامة ليس له ادني تأثير علي اتفاق التحكيم الذي يتضمنه أو يتعلق به وذلك بالطبع حال كون هذا الاتفاق صحيحا في ذاته.
إمكانية خضوع اتفاق التحكيم لقانون آخر غير القانون الذي يخضع له العقد
إذا كنا قد قد انتهينا الي ان مبدأ استقلال اتفاق التحكيم قد أصبح من المبادئ المستقرة و التي تضمنها التشريعات الوطنيـة و المعاهدات الدولية المتعلقة بالتحكيم الدولي . تضمنها كذلك لوائح التحكيم الدولي ، واحكام التحكيم، والنتيجة الحتمية المترتبة علي هذا المبدأ هي إمكانية خضوع اتفاق التحكيم لنظام قانوني يختلف عن النظام القانوني للعقد الوارد فيه ، فلا يشترط ان يخضع اتفاق التحكيم لذات القانون الذي يحكم العقد حيث يجوز للأطراف اختيار قانون يحكم العقد واخر ليحكم اتفاق التحكيم
و قد اكدت محكمة النقض الفرنسية هذه النتيجة في حكمها الصادر في ٢ مارس ۱۹۹۲ في قضية بين شركة فرنسية Sonetex و بين شركة Charphil و هي احدي فروع الشركة التركية Tapkapi حيث ايدت محكمة استئناف باريس فيما قضت به من حيث اثبات رضاء الشركة الفرنسية بشروط التحكيم المرفقة بالعقد المبرم بينها وبين الشركة التركية و تمسكت الشركة الفرنسية بأن محكمة الاستئناف لـم تفصل فيما يخص شكل واثبات شرط التحكيم المدعي بـه فـي مسألة القانون الواجب التطبيق علي العقد الذي يتضمنه ، وذهبت محكمة النقض لتقرير انه " لا يحق لمحكمة الاستئناف الفصل فيما يتعلق بالناحية الشكلية لهذه الشروط و اثباتها وفقا لقانون قد لا ينطبق عليها و ذلك لاعتبار استقلال هذه الشروط عن العقد الاصلي في مسائل التحكيم الدولي
و قد ايد قضاء التحكيم الأثر الثاني المترتب علي استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الاصلي و المتمثل في إمكانية إخضاع اتفاق التحكيم لقانون اخر غير القانون الذي يحكم العقد منها ما يلي:
حكم التحكيم الصادر في القضية رقم 4504 ، لعام ١٩٨٥ ، ١٩٨٦:-
اكدت محكمة التحكيم في هذين الحكمين انه " طبقا لمبدأ استقلال اتفاق التحكيم فأن اتفاق التحكيم يمكن ان يخضع لقانون اخر غير الذي يخضع له العقد الاصلي ' .... وقد أكدت المحكمة علي ان كل نزاع بين الأطراف الموقعة علي اتفاق التحكيم إذا كان يجب ان يفصل فيه تطبيقا لقانون دولة المدعي وذلك وفقا للمادة 1/16 من العقد لا يعني ان هذا القانون هو القانون الذي ينطبق علي شرط التحكيم كما يتمسك المدعي في القضية بذلك ، لأننا هنا لسنا في تطبيق هذا القانون علي موضوع النزاع " و في قضية اخري ذهبت محكمة التحكيم الي ان القواعد القانونية واجبة التطبيق لتحديد نطاق آثار شرط التحكيم المنشئ للتحكيم الدولي لا تختلط بالضرورة مع القانون واجب التطبيق علي النزاع المحال الي هذا التحكيم إذا كان هذا القانون أو هذه القوانين من الممكن في بعض الاحيان ان تتعلـق بموضوع النزاع و كذلك شرط التحكيم ، غير ان من الممكن في احوال أخري أن يخضع شرط التحكيم لقواعد خاصة به متميزة عن تلك التي تحكم موضوع النزاع .
الخلاصة :
ان الأثر الثاني المترتب علي استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الاصلي و الذي يتمثل في إمكانية إخضاع هذا الاتفاق لقانون يختلف عن القانون المطبق علي العقد أصبح من الامور المسلم بـهـا ، و المبادئ المستقرة في التحكيم الإداري ذو الطابع الـدولي فليس مـن الضروري تطبيق ذات القانون المطبق علي الاتفاق الاصلي علي اتفاق التحكيم فقد يختار الأطراف قانونا آخر ليطبق علي اتفاق التحكيم ، و في حالة سكوت الأطراف عن تحديد القانون الواجب التطبيق علي اتفاق التحكيم لا يعني ذلك إخضاع هذا الاتفاق لقانون المختار لإرادتهم ليطبق علي العقد موضوع النزاع .